«المملكة» تحاصر بعبدا بـ «التحالف الثلاثي»…

محمد حميّة

تستغلّ أطراف داخلية عملية تأليف الحكومة لتنفيذ إعادة تموضع وانتقال سلس من ضفة سياسية إلى أخرى والاتحاد ضمن تحالف سياسي جديد عُرِف في السابق بـ 14 آذار بهدف مواجهة فائض القوة الذي ثبته تحالف قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية الأخيرة، فإذا كان موقع «القوات اللبنانية» معروف في المعادلة الداخلية وفي الاصطفاف الإقليمي الى جانب المحور الأميركي السعودي، فما الذي يُفسّر التموضع المستجدّ الآمن الذي قام به رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط في الخندق السعودي، وما يفسّر هجومه على العهد عقب زيارته السعودية؟ وهو أيّ جنبلاط عاهد نفسه بتجنّب الانخراط في المحاور الإقليمية!

أما الأمر الأشدّ غرابة الذي سجلته عيون المراقبين، فهو موقف تيار المستقبل المستجدّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتياره بعد سلسلة إجراءات اتخذها رئيس المستقبل سعد الحريري أطاحت بمجموعة من المسؤولين أبرزهم مدير مكتبه السابق نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق كدفعة سدّدها الحريري من الحساب السعودي عليه لاستمراره في رئاسة الحكومة والتسوية الموعودة لأزمته المالية مع المملكة. فهل استكمل الحريري الانقلاب السياسي على العهد بالانضمام الى التحالف السعودي الجديد «المستقبلي» «القواتي» «الاشتراكي» لمحاصرة بعبدا؟

لم يعُد خافياً أنّ السعودية وبعد أزمة احتجاز رئيس حكومة لبنان في 4 تشرين الثاني الماضي، انتهجت سياسة جديدة متدرّجة وممنهجة في محاولة للعودة إلى التأثير في الساحة اللبنانية عبر حلفائها من القوات والمستقبل. ونجحت مؤخراً في استمالة جنبلاط بهدف تشكيل جبهة حكومية وسياسية جديدة في مواجهة تحالف المدّ العوني وحزب الله، إذ إنّ المملكة اكتشفت بعد تجربة الرئيس عون في الحكم طيلة عام ونيّف بأنه لم يعُد من مصلحتها وجود رئيس قوي في بعبدا يخالف سياسة المحور الذي تقوده أميركا في المنطقة وبالتالي صار لزاماً فكّ التحالف بين المستقبل والعهد أو تقليصه الى الحدّ الأدنى مقابل تمتين الحلف الثلاثي المستجدّ مع بعض الإضافات من قوى وأحزاب سياسية أخرى لتشكيل قوة وازنة في مجلس الوزراء للتعويض عن ضعف حلفائها في المجلس النيابي، ومن جهة ثانية لإسقاط أيّ قانون أو مرسوم يتعلّق بموقع لبنان الاستراتيجي في المنطقة، وتحديداً في مسألة سلاح المقاومة ودور حزب الله في الإقليم وبأزمة النازحين السوريين والسياسة الخارجية.

يحاول الرئيس المكلف مدعوماً بالسعودية وبالظهيرين القواتي والاشتراكي مفاوضة رئيس الجمهورية من موقع القوي والقادر على فرض شروطه مستغلاً حاجة عون ومن خلفه حزب الله لتأليف حكومة بأسرع وقت ممكن لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية الداهمة. ويستخدم من جهة ثانية المؤشرات والتقارير الاقتصادية والمالية الدولية المتعلقة بلبنان للضغط على بعبدا للرضوخ للشروط والإملاءات السعودية.

دستورياً، يُعدّ توقيع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل الحكومة من الصلاحيات الأساسية التي احتفظ بها الرئيس بعد اتفاق الطائف، ما يعني أنّ رئيس البلاد يملك حق النقض «الفيتو» على أيّ حكومة يطلب الرئيس المكلف موافقة رئيس الجمهورية عليها، هذا في الدستور. أما في السياسة فالرئيس عون ليس كالرؤساء السابقين فهو يملك «فيتو سياسياً» أيضاً على أيّ حكومة من خلال تياره السياسي الذي نال حوالي 30 نائباً، ويمثل الأكثرية المسيحية الى جانب إحاطته بتحالف عريض من حزب الله وحركة أمل والأحزاب الوطنية والقومية، ما يمكّنه عبر هذا التحالف من تأمين أكثرية نيابية واسعة لتكليف شخصية سنية أخرى لتأليف الحكومة إنْ عجز الحريري عن ذلك. لكن ذلك سابق لأوانه برأي مصادر مقرّبة من عون، ومن المبكر البحث بخيارات بديلة عن الحريري، طالما لم يتجاوز المهلة المعتادة لتأليف الحكومات.

ينطلق حزب الله بمقاربته للوضع الحكومي من زوايا ثلاث، بحسب ما يقول مطلعون على موقفه لـ «البناء»: الأولى أن تعكس أيّ حكومة نتائج الانتخابات النيابية، إنْ كانت حكومة وحدة وطنية أو حكومة أكثرية، ففي الحالة الأولى يُصرّ على تمثيل الجميع وفقاً لأحجامهم النيابية ما يعني بالحدّ الأدنى أن يتمثل الحزب وحلفاؤه والتيار الحر بـ 60 في المئة من الحكومة أيّ ما يقارب 16 أو 17 وزيراً، أما في الحالة الثانية فيجب تأليف حكومة من أكثرية متجانسة الأمر الذي لا يرى فيه الحريري مصلحة في ظلّ امتلاك الحزب وحلفائه الأكثرية النيابية. وبالتالي من الناحية الدستورية يتحكّمون بالتكليف وبالتأليف معاً إنْ في الاستشارات النيابية أو في منح الحكومة الثقة في البرلمان.

ومن زاوية ثانية، يسعى حزب الله لعدم إقصاء أحد ويحرص على مشاركة الجميع لضمان الأمن والسلم في البلد، ومن زاوية ثالثة تخطى حزب الله القلق من التآمر الحكومي عليه وعلى سلاحه، لأنّ أيّ قرار يتخذ في مجلس الوزراء يهدّد مصلحة المقاومة أو المصلحة الوطنية لن يمرّ لسببين: الأول أيّ مرسوم يحتاج الى أكثرية وزارية والى توقيع رئيس الجمهورية وأيّ قانون يحتاج الى أكثرية نيابية مطلقة في المجلس النيابي. وهذا شبه مستحيل في ظلّ العهد الحالي والمجلس الجديد، حيث لا تملك 14 آذار الأكثرية لا في الحكومة ولا في المجلس.

لم يعُد الثلث الضامن لفريق المقاومة مسألة جوهرية لدى حزب الله، إذ يعتبر أنّ عون الضمانة الرئيسية بعكس ما جرت العادة في حكومات عهد الرئيس ميشال سليمان، حيث كان يُصرّ الحزب على امتلاك الثلث المعطّل لفريقه.

في مفاوضات التأليف يسعى حزب الله لحصة وزارية من ستة وزراء ثلاثة له مع حقيبة خدمية وثلاثة لحركة أمل مع وزارة سيادية الى جانب وزير مسيحي للحزب السوري القومي الاجتماعي وآخر لتيار المردة ووزير واحد على الأقلّ لحلفائه السنة خارج المستقبل بالإضافة إلى تمثيل النائب طلال أرسلان درزياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى