أردوغان يستغلّ مأساة السوريين ليراوح في العمق الاستراتيجي
سماهر الخطيب
حدث ما كان متوقعاً، وحصل رجب طيب أردوغان، مرشح حزب «العدالة والتنمية» الحاكم و«تحالف الشعب» للرئاسة، على 52.5 من أصوات الناخبين من الدورة الأولى، مقابل 31 لمحرم إيجي، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول نتيجة هذه الانتخابات، وعوامل تخطي أردوغان عتبة الخمسين بالمئة دون الحاجة إلى دورة ثانية.
وكان لافتاً أن فوز أردوغان بالجولة الأولى لم يواكبه تقدم من حزبه «العدالة والتنمية» الذي تراجع سبع درجات عن الانتخابات البرلمانية السابقة، وحصل على 42.5 في المئة في الانتخابات البرلمانية غير أن تحالف «العدالة والتنمية» مع القوميين جعله يحصل على أغلبية مقاعد البرلمان، بنيله 52.75 من الأصوات.
وبموجب النظام الجديد، الذي سيشكّل خطراً كبيراً على تركيا، تم إلغاء منصب رئيس الوزراء وأصبح أردوغان يتمتع بصلاحيات «سلطانية» واسعة كإصدار مراسيم لتشكيل وزارات وإقالة موظفين حكوميين دون الحاجة لموافقة البرلمان.
ولم يكن ينقص أردوغان صلاحيات جديدة بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي شنّها بحق الرأي المعارض له، منهم مدرّسون وصحافيون وقضاة وضباط. وإجراء الانتخابات في ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ محاولة الانقلاب عام 2016 والتي قتل فيها 240 شخصاً على الأقل.
وقبل الانتخابات والخوض في نتائجها نذكر أنّ عدد اللاجئين السوريين في تركيا وصل بحسب إحصاءات تركية رسمية إلى 3 ملايين شخص، وبحسب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم فإنّ «30 ألف سوري حاصلين على الجنسية التركية في عموم البلاد لهم الحق بالانتخاب».
ليخرج بهذا الإعلان «موضوع التجنيس التركي للسوريين» للعلن في هذه الانتخابات، فالعدد أكثر من ذلك بكثير، ويظهر جلياً أنّ أردوغان استقدمهم في الانتخابات ليصوتوا له، والعدد الفعلي يتجاوز 50 ألفاً، وتقدّر دوائر رسمية ما فوق 100 ألف سوري حصلوا الجنسية التركية، خلال الأشهر الأخيرة، وهؤلاء لهم حق التصويت.
إذ لا يمكن الاستهانة بـ100 ألف صوت، فالصوت الواحد في هذه الانتخابات سيفيد أردوغان وحزبه، والصوت الواحد سيكون مؤثراً فى بعض المدن.
وموضوع التجنيس موجود منذ بداية الحرب السورية وخاصة الفصائل المموّلة من تركيا والمقاتلين وعوائل المقاتلين الذين قاتلوا فى سورية. إذ قال سياسيون ومعارضون أتراك، إن «أردوغان» نجح جيداً في استغلال مأساة السوريين، لا سيما بعد تهديدات عناصر «العدالة والتنمية» للاجئين السوريين، بإعادتهم إلى مناطق الحرب في سورية، إذا لم يستسلموا للتعليمات، سواء بوضعهم في صدامات مع المناوئين الأكراد والأتراك، خلال الحملات الانتخابية أو تسلم بطاقات تركية مزورة، والذهاب لمراكز الاقتراع للتصويت لـ «أردوغان» وحزبه.
بالتالي، فإنّ الرئيس التركي فتح أراضي بلاده للسوريين لهذا الهدف، الخاص بدعمه في الانتخابات، في ظل أنه قام بقتل مئات الآلاف منهم، بينما يخدعهم السوريين بالمتاجرة بهم دينياً حتى يصبحوا مدانين له، فيستغل ضعفهم وظروفهم السياسية.
وحتى إذا تم إثبات وقائع التزوير بنسبة 100 ، فلن تخرج إلا بالنتيجة التي ترضي «أردوغان»، في ظل لجنة معينة من جانب «السلطان» التركي بعد تمتعه بصلاحيات واسعة. الأمر الذي سيؤدي على المدى الطويل إلى زيادة الاستبداد داخل البلاد وزيادة تآكل بنيتها الديمقراطية.
أما في ما يخصّ صلاحيات «السلطان» وسياسته الاستراتيجية العميقة في الداخل السوري والمحيط الإقليمي، فيظهر جلياً أنّ خريطة طريق منبج التي أشار إليها الرئيس الأميركي في محادثة التهنئة لنظيره التركي ستكون رأس حربة الاستراتيجية التركية – الأميركية، ولا يختلف «سلطان الاقتصاد» دونالد ترامب عن «سلطان الحكم» أردوغان، من حيث الخطر الكامن فيهما على حرية المؤسسات الديمقراطية، كما ساوت المرشحة الرئاسية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون.
في حين تهتز مجدداً تلك الحربة مع شراء التركي للأسلحة الروسية، وخاصة صواريخ أس 400 والتي حذرت أميركا مراراً تركيا من مغبة القيام بعمل مماثل.
أما بالنسبة لروسيا، فيتضح جلياً أن أردوغان ينوي مواصلة التعاون الوثيق مع موسكو، بما في ذلك الجولات الدبلوماسية المشتركة في سورية. ومع ذلك، هناك الكثير من المراوحات التركية تتوقف على حالة علاقاتها مع واشنطن، حيث يبدو أنّ تحالف أردوغان مع موسكو ظرفي إلى حد ما. فالصداقة التي مضت تركيا فيها إلى روسيا، كانت رد فعل عن إساءة تفاعلها مع الغرب، وقررت شراء الأسلحة الروسية، بعدما رفضت الولايات المتحدة تزويدها بها.
إنما الرياح يمكن أن تتغير، في ما لو تم افتتاح خط أنابيب الغاز العابر للأناضول TANAP سيعطي تركيا قوة إضافية على موسكو، وتوحيد «السيل التركي» الروسي مع «تاناب» يهدّد روسيا بفقدان التحكم بأسعار الغاز، وهذا لن تسمح به موسكو وحلفاؤها.
إذاً، سيصبح نهج أنقرة الخارجي أكثر صرامة، مائلاً إلى «لعبة التوازن» يهدف أردوغان من خلاله إلى تعزيز دور بلاده في العالم، من دون أن يصغي إلى الملاحظات الغربية، التي تكثفت بعد «حملة التطهير» السياسي، ليبقى مراوحاً بين واشنطن وموسكو للحصول على «الحصّة السورية».