الجنوب السوري… ماذا عن تطوّرات معركة التحرير؟
هشام الهبيشان
لا يمكن في هذه المرحلة تحديداً إنكار حقيقة أنّ عمليات تحرير مناطق جنوب سورية المتصاعدة، ستكون هي الضربة الأقوى لإسقاط كلّ المشاريع والتحالفات الباطلة التي تستهدف تقسيم المنطقة، وحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ليس أمام الأميركيين والصهاينة وبعض حلفائهم من العرب اليوم سوى الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية والاستعداد لتحمّل تداعيات هذه الهزيمة.
ورغم عودة الأميركان للتلويح بالخيار العسكري ضدّ سورية بعد بدء عملية واسعة للجيش السوري في عموم مناطق الجنوب السوري، فالدولة السورية بدورها ردّت على التلويح الأميركي بالخيار العسكري، وعادت لتؤكد أنّ حربها على الإرهاب لن تتوقف إلا باجتثاث كامل هذا الإرهاب من كافة الأراضي السورية. وهذا يشمل بالطبع كلّ القوات الأجنبية المحتلة للأراضي السورية ومنها وعلى رأسها بالتأكيد القوات الأميركية.
المؤكد هنا وفي هذه المرحلة، أنّ سورية استطاعت وبعد مرور سبعة أعوام على الحرب التي استهدفتها، أن تحرّر مساحات واسعة من المناطق التي كانت تسيطر عليها المجاميع المسلحة بمختلف بقاع الجغرافيا السورية، وأن تستوعب كلّ تهديدات وحرب أميركا وحلفائها على سورية – كلّ سورية – وهي حرب متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول وذات أهداف عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ومع انكسار معظم هذه الأنماط من الحرب على أبواب الصخرة السورية الصامدة، أجبر الصمود السوري بعض الشركاء في الحرب على سورية على العودة للتهديد باستخدام القوة العسكرية الخارجية، في محاولة لاحتواء الاندفاعة العسكرية السورية، والهادفة لتحرير سورية كلّ سورية.
المتابع اليوم لتسارع الأحداث والتطورات الميدانية في درعا تحديداً، وفي مختلف جبهات ونقاط الاشتباك على امتداد المناطق من شمال غرب السويداء باتجاه منطقة اللجاة «شرق درعا»، إلى جانب محاور بلدة مسيكة وبصر الحرير في محيط الريف الشرقي لدرعا، وسرعة الانتصارات المتلاحقة للجيش السوري بعموم هذه المناطق وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاوٍ في بعض قلاع المسلحين، «المعارضين» حسب التصنيف الأميركي»، سيجزم أنه هو مَن سيجبر الكثير من القوى الشريكة في الحرب على سورية على العودة للتهديد باستخدام القوة العسكرية الخارجية، في محاولة للحدّ من الاندفاعة السورية في عموم مناطق الجنوب السوري، لتحقيق وكسب بعض التنازلات من دمشق، لعلها تحقق ما عجزت عن تحقيقه في الميدان. وهذا ما ترفضه الدولة السورية اليوم وبشكل قاطع، حيث تؤكد القيادة السورية والمسؤولون جميعاً، أنهم لن يقدّموا لأميركا وحلفائها أيّ تنازلات، ويقولون بصريح العبارة «إنّ ما عجزت أميركا وحلفاؤها عن تحقيقه في الميدان السوري، لن تحققه بالتهديدات العسكرية»، لأنّ سورية وحلفاءها قد حسموا قرار النصر ولا رجعة عن هذا القرار، مهما كانت الكلفة.
وهنا عندما نتحدث عن القرار السوري وبدعم من الحلفاء، والهادف لتحرير عموم مناطق الجنوب السوري مهما كانت الكلفة، فالمؤكد أنه تمّ التحضير لهذه المعركة جيداً، ودراسة كلّ سيناريواتها وتطوّراتها المتوقعة. فميدانياً قوات الاقتحام الخاصة في الجيش السوري وبدعم جوي سوري – روسي، هي التي تقود معارك تحرير مناطق جنوب سورية. وهذه القوات يُعرف عنها تمرّسها وخبرتها وحنكتها العسكرية بقيادة مثل هذه العمليات الكبرى. فهذه القوات قادت مؤخراً معارك تحرير مناطق محيط دمشق، وهنا وليس بعيداً عن خبرة وقوة هذه القوات وليس بعيداً عن الأهداف الاستراتيجية لمعارك الجنوب السوري. فهذه العمليات المستمرة لقوات النخبة والتي تساندها وحدات الجيش السوري بالتعاون مع القوات الرديفة وإسناد الطيران الحربي السوري والروسي، تستهدف تحقيق مجموعة أهداف رئيسية، قد يكون أبرزها «مرحلياً» هو تطهير كامل الريف الشرقي لدرعا وصولاً لتطهير كامل البؤر الإرهابية بمنطقة اللجاة من إرهابيّي تنظيم النصرة الإرهابي، خصوصاً بعد أن تحوّل الريف الشرقي إلى نقطة وقاعدة تجمّع وانطلاق لإرهابيّي تنظيم النصرة ومَن معها وتهديد لمحافظة السويداء وأريافها وخصوصاً الغربي منها، بالاضافة إلى مجموعة أهداف أخرى ومن جملتها قطع الطريق على الخطط الأميركية الصهيونية الهادفة إلى خلط الأوراق بمعادلة الجنوب السوري، ليبقى نقطة تهديد دائمة لأمن العاصمة دمشق، وخاصرة رخوة لتحقيق مشاريع تستهدف وحدة الأراضي السورية.
ختاماً، يجب التنويه بأن تحرير مناطق ريف درعا الشرقي واللجاة وما بعدها وما سيتبعها، وخصوصاً عند الحديث عن معارك تلال المال والحارة ودرعا البلد وصولاً لمعارك المعابر الحدودية والجولان الأوسط وما بعده ليس بالمهمة السهلة، بل يحتاج لوقت وعمل. فتنظيم النصرة ومَن معه سيقاتل باستماتة والصهيوني حتماً سيكون حاضراً في الميدان وسيجبر الأميركي المتردّد على خوض مغامرة «فاشلة حتماً» في جنوب سورية. فالصهيوني سيحاول حتماً إعاقة تقدم الجيش السوري نحو مناطق جنوب غرب سورية تحديداً، وذرائعة جاهزة وعبر الأميركي، ومنها الملف الإنساني والمدنيون والكيماوي. وهذا ما تدركه القيادة العسكرية للجيش السوري وحلفاؤها، ولكن هذا التحرير ومهما طالت مسارات عمله من شأنه إحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية، وتحرير الجنوب السوري، تحديداً ستكون له تداعيات كبرى على الأرض، ومن المتوقع أن يشكل وفق نتائجه المنتظرة انعطافة كبيرة باتجاه وضع حدّ نهائي للحرب على سورية.