ماذا بعد فوز أردوغان؟

حميدي العبدالله

على الرغم من الفوز الواضح وحتى المدوّي، والذي لم يشهد أيّ تزوير كما قال مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي قال إنّ نتائج الفرز التي أعلنتها لجنة الانتخابات الرسمية هي ذاتها النتائج التي يحوز عليها مندوبو المعارضة، على الرغم من كلّ ذلك فإنه ثمة أمور لا تريح الرئيس التركي ولا تدعه يبعد القلق الذي ينتابه. فالمعطيات الإحصائية المتعلقة بهذه الانتخابات تشير إلى تراجع عدد المقترعين لصالح قوى المعارضة بنسبة 6 ، وتراجع عدد أعضاء البرلمان من حزب العدالة والتنمية بالمقارنة مع البرلمان السابق، فقد كان عدد النواب من أعضاء حزب العدالة والتنمية في البرلمان الذي انتخب عام 2015 317 نائباً، في حين أنّ الفائزين في انتخابات 2018 293 نائباً، وتراجعت نسبة المصوّتين لصالح حزب العدالة والتنمية من 49.5 في انتخابات 2015 إلى 42.6 في الانتخابات الحالية.

وقد أقرّ أردوغان، على الرغم من فوزه المدوّي، بأنّ الناخبين بعثوا برسالة لحزب العدالة والتنمية، وتعهّد في خطابٍ بعد فوزه بأنّ «حزبه سيعكف على دراسة الرسالة التي وجهها المواطنون إليه».

لولا تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية لما فاز أردوغان، ولما حصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة في مقاعد البرلمان.

قد لا تكون الرسالة التي بعث بها الناخبون قوية إلى درجة تنبئ بحدوث تغيير في سياسة أردوغان وسياسة حزب العدالة والتنمية طالما أنّ الرئيس التركي فاز بأغلبية الأصوات من الدورة الأولى، لأنّ نسبة تدني المقترعين لحزب العدالة والتنمية قرأها أردوغان بأنها موجهة للحزب وليس لشخصه، والحقيقة ثمّة ما يساعد الرئيس التركي على الاقتناع بهذا الاستنتاج.

لكن ما ينتظر الرئيس التركي في ولايته الجديدة تحدّيات قد لا تعمل في مصلحة التمييز بينه وبين حزبه من قبل الناخبين. فالصلاحيات التي منحها تعديل الدستور تجعل الرئيس التركي مسؤول بشكل كامل عن السلطة التنفيذية، لا سيما بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء، حيث بات الرئيس التركي هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، كما أنّ هيمنة حزب العدالة والتنمية على البرلمان مع حلفائه من الحركة القومية، يؤكد أنّ حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي باتا مسؤولين مسؤوليةً حصرية عن كلّ ما يحدث في تركيا في المستقبل ولا سيما على الصعيد الاقتصادي.

معروف أنّ معدلات التنمية تراجعت في تركيا منذ حوالي خمس سنوات، وفقدت الليرة التركية في العام الحالي نسبة 20 من قيمتها، وأنّ الانتعاش النسبي الذي سجّلته الليرة في ضوء نتائج الانتخابات والذي بلغ 3 هو أمر طارئ وهو ردّ فعل من الأسواق خشيةً من أن يؤدّي فوز المعارضة إلى غياب الاستقرار على غرار ما جرى في نتائج انتخابات حزيران عام 2015، ولكن ردّ الفعل هذا لا يمكن البناء عليه طالما أنّ تراجع سعر الليرة التركية قد تدنى بنسبة 20 في فترة حكم حزب العدالة والتنمية بعد فوزه في انتخابات عام 2015.

من الآن وصاعداً جميع مشاكل تركيا الاقتصادية والسياسية يتحمّل مسؤوليتها حصرياً أولاً، الرئيس التركي ذو الصلاحيات المطلقة، وحزب العدالة والتنمية ثانياً، فإما أن يحققا نجاحاً باهراً للاحتفاظ بالتأييد الذي أوصلهما إلى الحكم، وإما أن يخسرا هذا التأييد وعندها يبدأ مسار جديد في تركيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى