ما السرّ وراء التقارب بين «إسرائيل» والصين؟
عبد الرحمن النجار
قال إليوت أبرامز في مقال له على موقع «مجلس العلاقات الخارجية»: «إن العلاقات بين الصين وإسرائيل تشهد تقارباً ملحوظاً على مختلف الأصعدة التجارية والثقافية، لكن ثمة عقبات قد تحول دون المزيد من التقارب».
وأوضح أبرامز أن التباينات الجغرافية والسياسية بين بكين و«تل أبيب» لا تخفى على أحد إذ تبلغ الصين من حيث المساحة والسكان أضعاف «إسرائيل». كما أن الأخيرة هي الحليف الأقرب للعدو الأول للصين: الولايات المتحدة. بيد أن هذا لم يمنع البلدين من توسيع مجالات التعاون بينهما في السنوات الأخيرة من الناحية الاقتصادية والثقافية.
«ولكن ما السبب وراء ذلك التقارب؟» يتساءل أبرامز. ويجيب بأن كلا البلدين يضعان المصالح فوق أي اعتبارات أخرى، ويسعيان إلى ترويج منتجاتهما في أسواق جديدة حول العالم. تسعى الصين إلى الاستفادة من قطاع التكنولوجيا المتقدم في «إسرائيل»، بينما تأمل «إسرائيل» في جذب رؤوس الأموال الصينية لتعويض ما تسببت فيه حملة المقاطعة الدولية لـ«إسرائيل».
التجارة والاستثمار
منذ نشأتها، غرقت «إسرائيل» في العزلة السياسية، لكنها قامت في العقود الأخيرة بتطوير علاقاتها مع مختلف دول العالم، لا سيما العلاقات التجارية يشير أبرامز. تحاول «تل أبيب» الاستفادة من سمعتها كمركز للابتكار وريادة الأعمال والبحوث. وفي الوقت نفسه، استثمرت الصين في عدد مذهل من مشاريع البنية التحتية في السنوات الأخيرة في عدد من الدول حول العالم.
على الرغم من ضآلة حجم التبادل التجاري بين البلدين والمقدر بـ11 مليار دولار، وهو رقم صغير بالمقارنة مع التبادل التجاري الصيني مع الولايات المتحدة أو أوروبا، إلا أنه زاد بشدة عما كان عليه قبل 25 عاماً، ولكن في الفترة نفسها من عام 1992 إلى عام 2017 نمت التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنسبة 20 ضعفاً.
«ولكن لماذا يهتم الصينيون بتطوير علاقاتهم مع إسرائيل؟» يتساءل أبرامز. ليرد بأن مجال البحث والابتكار «الإسرائيلي» يجذب اهتمام الصينيين. «تهتم الصين بإسرائيل بسبب إنجازاتها العلمية، وعدد الشركات الناشئة في الدولة العبرية، وعدد الإسرائيليين الحائزين على جائزة نوبل»، هذا ما كتبه ماتان فيلناي، السفير «الإسرائيلي» السابق لدى الصين، وعساف أوريون وجاليا لافي في 2017. تشمل استثمارات الصين أيضاً مجالات التكنولوجيا الفائقة والزراعة والغذاء والماء والتكنولوجيا الحيوية.
في عام 2014، استحوذت شركة «برايت فودز» الصينية على أكبر شركة لمنتجات الألبان «الإسرائيلية»، لتشكل الصفقة أول استثمار صيني كبير في السوق «الإسرائيلية». وفي 2018، اشترت شركة «فوسن» الصينية شركة «أهافا الإسرائيلية»، صانع لمستحضرات البحر الميت. لكن العلاقة الاقتصادية بين الصين و«إسرائيل» أعمق من الاستحواذات الصينية على الكيانات التجارية «الإسرائيلية».
أثناء زيارته إلى بكين عام 2017 يضيف أبرامز كشف بنيامين نتنياهو عن أن الصين تمثل ثلث الاستثمار في التكنولوجيا «الإسرائيلية» العالية. ويمتد الاستثمار الصيني في «إسرائيل» إلى مشاريع البنية التحتية. وجاء في تقرير عام 2017 من معهد دراسات الأمن القومي في «إسرائيل» أن «الصين تستثمر في البنى التحتية في إسرائيل، مثل حفر أنفاق الكرمل في حيفا، وإقامة السكك الحديدية الخفيفة في تل أبيب، وتوسيع الموانئ البحرية في أشدود وحيفا، وبناء العقارات».
ويبدو أن الاستثمار الصيني في «إسرائيل» سيتزايد إذ يشير تقرير الشبكة الصينية ـ «الإسرائيلية» العالمية والقيادة الأكاديمية لعام 2017 إلى أن 10 اتفاقات ثنائية تبلغ قيمتها الإجمالية 25 مليار دولار قد تم توقيعها خلال زيارة نتنياهو للصين عام 2017. جاء هذا في أعقاب 16.5 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في التكنولوجيا «الإسرائيلية» في عام 2016، بزيادة قدرها 10 أضعاف عن عام 2015.
وقد زار جاك ما، مؤسس شركة «علي بابا» ورئيسها التنفيذي، على رأس وفد تجاري صيني تكون من 35 مديراً تنفيذياً، «إسرائيل» الشهر الماضي، وادعت بعض وسائل الإعلام «الإسرائيلية» أن الرحلة كانت مرتبطة بخطة «علي بابا»، التي أعلن عنها في 2017، لافتتاح مركز أبحاث في «إسرائيل».
السياحة
تضاعف عدد السياح الصينيين إلى «إسرائيل» بين عامي 2015 و2017 ليصل إلى أكثر من 100 ألف سائح… يقول أبرامز. ومن حيث النسبة المئوية تعد الصين أسرع مصادر السياح نمواً في «إسرائيل». وفي عام 2016 أبرمت «إسرائيل» اتفاقية تأشيرة دخول متعددة لمدة 10 سنوات مع الصين، لتصبح بذلك الدولة الثالثة بعد الولايات المتحدة وكندا.
التعليم
تزايد حجم التعاون في مجال التعليم بين «تل أبيب» وبكين مع توطد العلاقات. تشهد جامعة حيفا تزايداً في أعداد الصينيين الملتحقين بها ليصل إلى 200 طالب في آخر خمس سنوات.
ولأن أكثر ما يهم الصين في «إسرائيل» هو مجال التكنولوجيا ينوه أبرامز فقد صرفت مؤسسة صينية منحة قدرها 130 مليون دولار لبرنامج تعاون بين جامعة «تخنيون الإسرائيلية» وجامعة «شانتو» الصينية في 2013 يقضي بإنشاء فرع للجامعة «الإسرائيلية» في مقاطعة جوانغ دونغ. وساهمت المقاطعة بمبلغ 147 مليون دولار في أعمال البناء. وستتعاون جامعة حيفا مع الحكومة الصينية في بناء مختبر في جامعة «نورمال تشاينا» في شنغهاي لبحوث علم البيئة والبيانات والطب الحيوي والبيولوجيا العصبية.
كما أعلنت جامعة «تل أبيب» عام 2014 أنها ستشارك مع جامعة «تسينغهوا» في بكين لبناء مركز أبحاث «CIN» لبحوث تطوير التكنولوجيا الحيوية، والطاقة الشمسية، والمياه، والبيئة. في المقابل جرى افتتاح عدة أقسام مخصصة للدراسات الآسيوية في مختلف الجامعات «الإسرائيلية».
العلاقات السياسية والعسكرية
لطالما أكدت «إسرائيل» رغبتها في علاقات اقتصادية أوسع مع الصين، ومزيد من التنسيق في الأمم المتحدة يواصل أبرامز وقد حدث هذا في حالة الهند، التي ارتفعت تجارتها مع «إسرائيل» في العقدين الأخيرين، فتخلت الهند في عدة مناسبات في السنوات الأخيرة عن وقوفها مع الدول العربية ضد «إسرائيل» في منظومة الأمم المتحدة، لكن الصين لم تفعل المثل، فما تزال تصوت ضد «إسرائيل» في هيئات الأمم المتحدة.
تعتبر الهند أيضاً من أكبر مستوردي الأسلحة «الإسرائيلية»، لكن الوضع يختلف مع الصين، فبينما ترسو سفن البحرية الصينية في «إسرائيل»، فإن مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري محدود بين الجانبين بسبب الضغط الأميركي.
في عام 2004، طلبت أميركا من «إسرائيل» عدم تحديث نظام صواريخ «هاربي»، الذي اشترته الصين من شركة صناعات الطيران «الإسرائيلية» «IAI» في عام 1994 مقابل نحو 55 مليون دولار. تحجج الأميركيون بالمخاوف الأمنية وزعموا أن النظام الصاروخي احتوى على تكنولوجيا أميركية. ولكن أنكر المسؤولون «الإسرائيليون» هذه المزاعم، وأتمت الشركة «الإسرائيلية» تعاقدها مع الصين.
ونتيجة لذلك يؤكد أبرامز استبعدت الولايات المتحدة «إسرائيل» من مشروع «جوينت سترايك فايتر» «JSF» الذي أنتج المقاتلة F-35 وطالبت باستقالة الجنرال عاموس يارون، المدير العام لوزارة الدفاع «الإسرائيلية». عادت «إسرائيل» إلى البرنامج بعد بضعة أشهر، ولكن بتكلفة كبيرة: إذ تعين على وزارة الدفاع «الإسرائيلية» إنشاء إدارة للإشراف على صادرات الدفاع، وتقاعد المدير العام. تشمل العلاقة العسكرية الأميركية «الإسرائيلية» التدريبات وتبادل المعلومات الاستخبارية، و3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية، وتبقى الولايات المتحدة مؤثرة في الحد من المبيعات العسكرية «الإسرائيلية» للصين.
عقبات مستقبلية محتملة
يؤكد أبرامز أن ثمة تحديات تواجه العلاقات الصينية «الإسرائيلية» المتنامية. فلأن استراتيجية الصين ترتكز على توسيع المشاركة في الشرق الأوسط، قامت الصين بتطوير العلاقات مع جميع الأطراف الفاعلة الرئيسة، بما في ذلك الدول العربية وإيران وتركيا. وعلى الرغم من أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يمسك بالعصا من المنتصف في علاقات بلاده مع «إسرائيل» وخصومها الإقليميين، إلا أن العلاقات المتعمقة مع «إسرائيل» يمكن أن تخلق التوتر مع بعض شركاء الصين الإقليميين الآخرين، وبخاصة إيران.
وقد يشكل موقف الصين بشأن المستوطنات مصدراً للتوترات إذ رفضت الحكومة الصينية السماح لعمالها بالعمل في الضفة الغربية، مشددة على معارضتها لبناء المستوطنات «الإسرائيلية» هناك.
ولكن هناك أطراف داخل «إسرائيل» تتحفظ على توسيع العلاقات مع الصين يستدرك أبرامز. ثمة مخاوف لدى عدد من الأحزاب السياسية والمسؤولين السابقين، الذين يحذرون من القضايا الأمنية المحتملة واحتمال توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الناتجة عن التدخل الصيني في مشاريع البنية التحتية «الإسرائيلية».
في أواخر عام 2013 قال مدير الموساد السابق إفرايم هاليفي: إن «الولايات المتحدة ستغضب من تملك الصين السكك الحديدية في إسرائيل». وحذر من سيطرة الصين على «نقاط الضغط السياسية والاقتصادية» داخل «إسرائيل».
تمتد هذه المخاوف إلى القطاع المالي والعمالة. قامت دوريت سالينر، المشرفة على التأمين في وزارة المالية «الإسرائيلية»، بمنع بيع شركات التأمين «فينيكس» و«كالال» للشركات الصينية بسبب مخاوف من السيطرة الأجنبية على مئات المليارات من الشيكلات الخاصة بصناديق التقاعد «الإسرائيلية». كما دعت جمعية المقاولين والبنائين إلى التصدي للتدخل الصيني في مشاريع البناء والبنية التحتية.
ومع ذلك يختتم أبرامز بالقول فإن النمو في العلاقات الصينية «الإسرائيلية» قد أفاد كلا الجانبين بشكل واضح. في «إسرائيل»، وجدت الصين فرصاً استثمارية جديدة ومصدراً جديداً للتكنولوجيا المتطورة ما جعل هذه العلاقة هي آخر نجاح لاستراتيجية نتنياهو لتنمية العلاقات بعيداً عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة للصين باعتبارها أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان فهي أيضاً سوق للصادرات «الإسرائيلية».
وفي ضوء التوتر السابق مع الولايات المتحدة حول مبيعات التكنولوجيا العالية من قبل إسرائيل إلى الصين، يجب على إسرائيل أن تكون حذرة خشية أن تجد نفسها على خلاف مع أعظم حلفائها فيما يتعلق بأي استخدامات عسكرية محتملة. ومع ذلك بالنسبة لـ«إسرائيل» فإن العلاقات المتنامية مع الصين تذكرنا أنه على الرغم من التحديات المحلية والإقليمية المتعددة التي تواجهها الدولة الصغيرة، فإنها تستطيع بناء علاقات مهمة حول العالم.
«ساسة بوست»