منارةٌ لا تعرف الأفول
بشارة مرهج
الأمّ منارةٌ لا تعرف الأفول، حتى أنّها تشعّ بعد الغروب.
الأم نبعُ محبّة لا يعرف النضوب، نهر حنان لا يعرف الانكفاء، بحرُ عطاء دائم الرجاء.
صدق مَن قال إن «الدنيا أم» إذ أعطاها سبحانه أجملَ وأصعبَ مهمة في الوجود.
وصدق مَن قال «إن الأم تلمّ»، فكما جمعتنا أمّنا بالأمس فهي تجمعنا اليوم ودائماً على الخير والعطاء.
ولئن عزّ الفراق، فهي تستقرّ في البال ودمع العين، ومدار الذاكرة، لا تغيب صورتُها وهي تنتظر على عتبات الدار، يستبدّ بها الشوق، تتحدّى المرارة بالابتسامة، توآزر العائلة كبيرها وصغيرها، تخدُمها من الصباح الى المساء، تنافح عنها ولا تتردّد في رفع العصا بوجه مَن يريدُ النيلَ منها ولو متسلّحاً بنجمة داوود والحراب.
هي خادمة العائلة وأمّها وسيّدتها. أما حقّها فيصلها عندما ترى عائلتها ومجتمعَها يتقدّمان ويُعطيان طيب الثمار.
أمّا القبلة التي تطبعُها على الجبين، فليس تمحوها الأيام، بل تتوقّد نجمة ساطعة على مرّ الزمن.
سنفتقدك دائماً يا أمي، سنفتقد نظرتك الهنيّة ولمستك السخيّة وطلتك البهيّة.
سنفتقد لهفتك الحانية ويدَك الدافئة.
سنفتقد ركوة القهوة في الصباح ومعمولَ العيد في الربيع.
سنفتقد كنزة الشتاء ورائحة الكستناء وتوهّج الجمرات.
أتشعرينَ بالبرد يا أمي؟ كلنا إلى جانبك وحولك وسامحينا إن قصّرنا تجاهك، فلا أحدَ يستطيعُ مجاراة الأم في العطاء.
حملتِ الأثقالَ، وتحمّلتِ الأهوال، واستمرّ استقبالك ذراعَيْن مفتوحَيْن وضمّة صدر لا تنتهي، ودمعة عينٍ تتوارى قبل أن تنهمر.
عملتِ من أجلنا الليلَ والنهارَ فكنتِ الصخرة والثقة، وكنتِ الوعدَ والأمان، وكلّما كان الضعف يعتري نفوسَنا والخوف يتسلل الى قلوبنا، وخاصة أثناء الغارات والانفجارات، كان جوابُكِ رسم اشارة الصليب على الصدر وبثّ الطمأنينة في النفوس.
أتشعرينَ بالوحدة يا أمي؟ الله معكِ، وكلنا إلى جانبكِ، كما كنتِ دائماً إلى جانبنا تصبرين وتصلّين. اليوم نصلّي لك ومن أجلكِ وقد علّمتنا الصلاة، وحبّ الغير، واحترام الذات، ودفعَ الشر.
الموتُ حقٌ وسلام، إنّه رحلة الى العالم الحقيقي الى عالم العدالة والكمال والسعادة، بعيداَ عن الزيف والرياء والمراوغة.
رافقتك السلامة، والفادي يغمرُك بفيضٍ من نوره.
نص الكلمة التي ألقاها الوزير السابق بشارة مرهج في وداع والدته