الشعر الشعبي الفلسطيني في المواجهة

شاكر فريد حسن

يلعب الشعر الشعبي الفلسطيني دوراً تعبوياً وتحريضياً هاماً في معركة الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال البغيض، ورفد المقاومة الشعبية في سبيل التحرر والاستقلال الوطني. ولم يقتصر هذا الدور على التعبير عن الثورة، إنما تجاوزها وكان حارساً ومرشداً لها، لأنه نابع من صميم الوجدان والنبض الشعبي.

وقد ساهمت عوامل عدة في انتشار هذا اللون من الشعر ووصوله إلى معظم شرائح وفئات وقطاعات شعبنا، أهمها الظروف الصعبة والقاسية التي يحيا فيها الانسان الفلسطيني في ظل الاحتلال، من غربة وتشرد وألم ومعاناة وحنين نوستولوجي وشوق متدفق نحو الحرية والانعتاق والاستقلال. اضافة إلى أن حركة الاهتمام بالتراث الشعبي الفلسطيني خلقت مناخاً لانتشار هذا الشعر بين الجماهير العريضة الواسعة في الأرياف والمخيمات الفلسطينية.

وشكلّ هذا الشعر أحد أشكال التعبئة والنضال والمقاومة ضد ممارسات الاحتلال، والظلم والقهر الواقع والجاثم على صدر الشعب الفلسطيني، المتمثل بالعقاب الجماعي والاعتقال التعسفي ومصادرة الحريات العامة والشخصية وجد صداه في هذا الشعر، الذي يرفض هذا الظلم ويقاوم من أجل زواله، ويبث روح الأمل والتفاؤل في القلوب الحزينة البائسة، ويشحن عواطف وعقول الجماهير ويلهبها.

وقد بذلت سلطات الاحتلال جهوداً لمنع ووقف انتشار الشعر الشعبي واتساع مساحة الأغنية الشعبية الفلسطينية، من خلال الأوامر العسكرية للزجالين والقوالين والشعراء الشعبيين ولمنظمي المهرجانات بعدم الهتاف والغناء للوطن والثورة والمقاومة. لكن هذه الجهود فشلت في محاصرة الغناء الشعبي الفلسطيني، ولم تنجح في تعطيل دور الكلمة في المواجهة والمقاومة والتصدي، كأحد أسلحة الوعي في معارك الصمود في وجه المحتل الغاصب.

ومن أبرز الفنانين الشعبيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 المرحوم راجح السلفيتي أبو أحمد صاحب الابداع الشعبي الجميل والسهل الممتنع، المرتبط والملتصق بقضايا الشعب والهموم الجماعية، الذي كان له الباع الطويلة في ميادين الزجل والحداء منذ عهد الانتداب البريطاني وحتى انتفاضة الحجر الفلسطيني ورحيله عن الدنيا عام 1990.

وأغنى التراث الثقافي والحضاري الفلسطيني بأزجاله وأغانيه وأهازيجه الشعبية والوطنية والثورية الكفاحية، التي ستظل سلاح وخبز وحجارة وقمح الوطن وجماهيره الكادحة المسحوقة. وقد عرفته ساحات وشوارع وبيادر القرى والمخيمات الفلسطينية في حفلات الزفاف، وعرفته ليالي السجون والزنازين الطويلة والمملة، وعرفته مخيمات العمل التطوعي ومهرجانات الثقافة والفن واحتفالات العمال في أول أيار، وساحات الجامعات الفلسطينية.

ويعتبر سجل السلفيتي الغنائي والزجلي، سواء في المناسبات الخاصة أو العامة، سجلاً تاريخياً لمعاناة الناس وآلامهم وأوجاعهم وعلامات في طريق كفاحهم التحرري الاستقلالي. انها هتافات في المظاهرات وشعارات سياسية، وقصيدته تحليل سياسي وبوصلة لنضال الشعب من أجل الحرية.

كذلك عرفت الساحة الفلسطينية العديد من الشعراء والزجالين الشعبيين نذكر منهم: محارب ذيب، العراني، العجاوي، الجبعي، أبو حسام الجلماوي، أبو عدنان الكفرداني، أبو جاسر العرابي، موسى الحافظ، أبو الناجي، نعمان وعصام الجلماوي، مصطفى الخطيب، ابراهيم صبيحات، أكرم البوريني، ثائر البرغوثي وسواهم كثيرون.

وقد غنى الشعراء الشعبيون الفلسطينيون وهتفوا للأرض والوطن والحب والنضال، ولانتفاضة الحجر والشهداء الأبرار، وللفقراء ورغيف الخبز المغمس بالدم والعرق، وأبدعوا في انتاج وخلق قصائد شعبية رقيقة لامست القلوب ودغدغت المشاعر والأحاسيس الفلسطينية المرهفة.

وخلاصة القول، الشعر الشعبي الفلسطيني أدى دوره في تعبئة الناس وشحن الجماهير، وعبّر عن الواقع المعاش، وعكس الألم والجرح الفلسطيني النازف. وهذا الشعر هو تعبير صادق عن نبض الشارع، وعن تفكير، وسلوك، وعطاء الانسان الفلسطيني وتجربته النضالية والكفاحية، وهو يعكس الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل والتطلع نحو الشمس والفرح الآتي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى