انطلاقاً من سوراقيا… موسكو والمشهد العالميّ الجديد بناء على الصمود السوريّ

شوكت الياس البشارة

لم يكن اختيار موسكو للقاء وزراء خارجية التحالف الروسي ـ السوري ـ الإيراني عبثاً، باعتبار أن موسكو ستكون رأس المنظومة العالمية الجديدة التي تتشكل من رحم الأزمة السورية وستحكم العالم لعدة قرون من الزمن، فالتغير الحاصل هو تغير في العمق ويتم مرة كل عدة قرون وستنجم عنه نهاية حقبة تاريخية كاملة امتدت منذ الامبراطورية الرومانية حتى الأزمة السورية وتميّزت بهيمنة الحضارة الأوروبية من خلال ضفتيها على الأطلسي على العالم.

مع تداعيات الأزمة السورية وانتصار الدولة السورية سينتقل الثقل الحضاري الذي يقود العالم إلى الحضارات المشرقية القديمة الممثلة بالحضارات الروسية والصينية والهندية والفارسية والعربية ممثلة بسورية بلاد الشام وبلاد الرافدين .

لقاء الوزراء لافروف والمعلم وظريف في موسكو سيكتب في صفحات التاريخ بكونه نقطة الانطلاق لهذه المنظومة الدولية الجديدة، والبداية لعدة طرق لبلوغ العالم الجديد، وهو يشبه مؤتمر يالطا الذي حدد معالم المنظومة الدولية التي نشأت بفعل تداعيات الحرب العالمية الثانية.

مثلث موسكو ـ طهران ـ دمشق هو الأقوى ويفرض إيقاعه في العالم، وستكون لهذا التحالف تداعيات كثيرة جداً سوف تغير وجه المنطقة، والعالم، ومعالم هذه الصورة:

1 – في الوضع السوري والإقليمي المترابط: انتصرت سورية الدولة والكيان بخياراتها الوطنية والقومية، وسيترتب على ذلك تغيير حقيقي لخرائط سايكس بيكو، وسينجم عنه تمدّد سورية لتشمل بلاد الشام، بحيث تبقى الدولة سورية وتنهار الكيانات لبنان – الأردن – فلسطين بجناحيها «الإسرائيلي» والسلطة الفلسطينية كلها مع وجود تحالف سوري شامي عراقي بلاد الرافدين سيعيد للمنطقة موقعها الطبيعي والتاريخي كرأس يقود المنطقة بعدما فقدته لعدة عقود بفعل سطوة المال الخليجي الأسود، ما أوجد خللاً استراتيجياً كبيراً أوصل المنطقة إلى ما هي عليه، إذ لم يسبق في التاريخ أن كانت منطقة الجزيرة العربية هي الرأس، إنما كانت الظهير والعمق لبلاد الشام وبلاد الرافدين، وذاك ما يتم تصحيحه راهناًً.

ـ صورة الانتصار السوري ستعني عملياً وتلقائياً هزيمة تحالف المشروع الصهيوني الوهابي: سوف يتجلى ذلك في انتهاء دور آل سعود ومنظومتهم السياسية والدينية والمالية، وفي انهيار المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة، مع ما يعني ذلك من تغيير في خرائط شبه الجزيرة العربية جغرافياً وسياسياً.

ـ استكمال التغيير في المشهد الإقليمي: يستغرق من اليوم إلى سبع سنوات، وينتهي بحرب إقليمية تنهي المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة ويكون نهاية الحراك الدراماتيكي في المنطقة.

ـ التغيير الإقليمي يستكمل مع عودة مصر: لأخذ دورها في محيطها العربي والأفريقي والمتحالف استراتيجياً مع سورية المستقبل بلاد الشام .

– تركيا: انتقلت من حلم العثمانية الجديدة وصفر مشاكل إلى مرحلة من الضعف ومختلف المشاكل، مع تهديد جدي بالتفكك.

ـ التغيير العميق: ما يجري في المنطقة لن يقتصر على الخرائط السياسية والجغرافية بل سيشمل تغيراً تاريخياً لا يقل أهمية، هو تغيير في الخريطة الدينية للمنطقة، وسيكون من أعمق التغيرات الفكرية والعقائدية في تاريخ المنطقة ومن أبرز معالمها:

أ ـ ضرب الفكر الوهابي في العمق مع ضرب غطائه السياسي والمالي الذي كان يوفره له آل سعود.

ب ـ تمدد للفكر الشيعي في المنطقة بفعل نجاح النموذج الإيراني في النهج الإسلامي والسياسي والعلمي.

ج – تحوّل مصر من الفاطمية إلى المذاهب السنية خلال العصر الأيوبي وهذا التمدد الشيعي سيتمدد ليشمل مصر وبلاد المغرب العربي.

د ـ ستشهد سورية وبلاد الشام والعراق عامة على المدى المتوسط هجرة معاكسة لأعداد كبيرة من المسيحيين الذي هاجروا هذه البلدان على فترات تاريخية عديدة، بحيث يعيد لهم بعض ما كان لهم من وجود مؤثر وفاعل في بلاد الشام والعراق.

2 عالمياً، سينتج من انتصار المنظومة الدولية الجديدة تحالف روسيا دمشق طهران وامتداداته الدولية عبر دول البريكس تغيراً عالمياً دراماتيكياً، ومن أبرز معالمه:

ـ انتهاء عصر الهيمنة الأميركية وتراجع دور الولايات المتحدة إلى مراتب متأخرة فتصبح مجرد دولة عظمى بين عدة دول، على نحو يشبه ما حدث للإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية بعدما تراجعت من إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس إلى مجرد دولة بين عدة دول عظمى، وهذا التراجع سينتج منه على المدى المتوسط انتهاء «الحلم الأمريكي» كمقدمة لتفكك الإمبراطورية الأميركية بشكل يشبه تفكك الإمبراطورية الرومانية من دون أن يكون لها وريث شرعي وانتقال الثقل السياسي والاقتصادي في الأميركيتين إلى البرازيل .

ـ انتهاء فرنسا أولاً وبريطانيا ثانياً كدولتين عظميين وتراجع مكانتهما إلى دولتين من الدرجة الثانية .

ـ ألمانيا وحدها ستنجو من السقوط الأوروبي ليبقى لها دور فاعل في المنظومة الدولية الجديدة، إنما لن يكون لها تأثير فاعل في هذه المنظومة بحيث تفرض سياساتها وأفكارها.

ـ صعود دول جديدة لتتبوأ مرتبة الدول العظمى في المنظومة الدولية الجديدة ومنها، إضافة إلى روسيا والصين، كل من إيران والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا .

مشهد موسكو اليوم هو بداية انتقال التغيير الحقيقي في الخريطة الإقليمية والدولية من حيز التنظير والأفكار إلى حيز التطبيق العملي على الأرض، انطلاقاً من الأزمة السورية، وهذا يعني استكمال مشاهد أسطورة طائر الفينيق السوري سورية الذي يتهيأ للنهوض من بين الرماد أكثر قوة وتجدداً وشباباً .

ولتحي سوريا وليحي كل من أراد بها خيراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى