من 59 إلى 192… هل تتناقص الدول أم تزيد؟!
عامر نعيم الياس
عند تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، كان عدد الدول الأعضاء 59 دولة، اليوم بلغ عددها 192 دولة. عوامل عدّة ساهمت في زيادة التعداد، لعلّ أهمها، انهيار الاستعمار الكولونيالي القديم وحصول عدد من الدول على استقلالها الوطني، أما الثاني والذي ازداد حضوره مع نهاية الحرب الباردة «الأولى»، فهو تفكك الدول كما حصل في يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا السابقتين، فضلاً عن الحدث الجيوسياسي الأبرز في تسعينات القرن الماضي وهو انهيار الاتحاد السوفياتي.
إذاً نحن هنا نتحرّك بين عاملين: الاستقلال، والتفكك أو بالأحرى الانفصال، لكن بعد ما جرى في القرم وإعادة اندماجها بالوطن الأم روسيا، و«تصحيح الخطأ» الذي ارتكبه خروتشوف في خمسينات القرن الماضي عندما منح القرم لأوكرانيا، بحسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال توقيعه على مرسوم عودة القرم إلى حضن الوطن الأم، هل نحن أمام توجّه جديد؟ هل ردّ الفعل الأميركي الضعيف على ما جرى في القرم ناتج فقط عن توازن القوى مع روسيا، أم أن نموذج القرم قد يدفع إلى بروز فكرة جديدة لشرعنة تقسيم العالم تحت شعار «تصحيح الحدود الجيوسياسية»؟
باراج خانا، جيوسياسي مرموق من أصول هندية يعمل لدى مؤسسة أميركا الجديدة، أحد أهم المراكز المؤثرة في صنع القرار في واشنطن، ومؤلف كتب عدّة أهمها «الواقع الهجين» و«العالم الثاني»، صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أجرت معه لقاءً تناول تطورات الوضع الدولي الأخيرة، وبحسب خانا فإن «الحدود الرسمية التي أسّست للدول التي نعيش فيها حالياً، من المؤكد أنها ستتغير خلال الأعوام المقبلة»، وعلى النقيض من التفسير الذي أسّسس للحملة الغربية الأطلسية على قرار روسيا بضمّ القرم بعد الأحداث التي جرت في أوكرانيا، والذي قام على أساس اتهام روسيا بخرق القانون الدولي والاعتداء على سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، يرى خانا أننا «نعيش اليوم وسط عملية تصحيح للحدود بهدف الوصول إلى مطابقة مفهوم السيادة السياسية ومواءمته مع العاملين الديمغرافي والإثني. إن توزع الشعوب والموارد يحدّد الخيار السياسي الواجب اتباعه».
وحول سياسات أوباما يقول، مؤلف كتاب العالم الثاني الذي اعتلى عرش مبيعات الكتب في الولايات المتحدة عام 2008 «التاريخ يفرض شروطه لا الانتخابات»: «أوباما يعيش في ظل جورج بوش الابن ويحاول معالجة ارتدادات سياسيات ولايتيه الدستوريتين سواء على صعيد الداخل الأميركي أو على صعيد السياسة الدولية كالعراق وأفغانستان وغوانتانامو.
إن إعادة رسم خارطة العالم وتكييف مفهوم السيادة مع التوزع الديمغرافي والإثني من شأنه أن يؤدي إلى تغيير كلّي في خارطة العالم الحالية، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام حروب دموية لتحقيق هذا الأمر. فمحاولة بعض المفكّرين الأميركيين الولوج من باب القرم لتبرير فوضى من هذا النوع يجب التوقف عندها طويلاً والتنبّه لها، خصوصاً أن القرم بالأساس هي أرض روسية كانت جزءاً من الامبراطورية الروسية قبل أن يتخلى عنها الاتحاد لسوفياتي في منتصف القرن الماضي، كما أن الخطوة الروسية في القرم جاءت ردّاً على التمدّد الأطلسي في الحديقة الخلفية لروسيا خلال السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، لا محاولة لإعادة رسم الحدود السياسية في العالم».
على رغم أن ما قاله باراج خانا وما سيطرحه بشكل مفصّل عام 2015 في كتابه الجديد بعنوان «إعادة تشكيل العالم»، يمكن أن يبهر البعض إلا أنه مرآة حقيقية لاستراتيجية الولايات المتحدة في إعادة تكييف العالم بما يتناسب مع مصالح الحفاظ على ما تبقى من هيمنة أميركية على العالم. وفي هذا الإطار قال باراج خانا للصحيفة الفرنسية «إنّ عدداً من الدول الموجودة الآن مهدّدة: سورية، العراق، وحتى الأردن، من الممكن ألا نراها ضمن حدودها الحالية».
كاتب سوري