قمة بوتين ترامب: انسحاب إيران من سورية أم التفاوض معها؟
عامر نعيم الياس
ضخّم الوجود الإيراني في سورية إلى درجة استفادت منها كلّ الأطراف سواء المعادية لإيران أو الحليفة معها، وحتى طهران نفسها يبدو أنها غير ممتعضة من هذا التضخيم، ولا تضعه في خانة التضليل بل تحاول أن تستغلّه لمصلحة إدارة علاقاتها مع الغرب عموماً ومع الولايات المتّحدة خصوصاً. وهذا ما يفسّر تأكيد طهران قبيل انطلاق العملية العسكرية في جنوب سورية أن لا وجود لها في تلك المنطقة الحساسة التي شكّلت أساس الحملات «الإسرائيلية» والأميركية لبلورة استراتيجية مواجهة مع طهران تبدأ من سورية هذه المرة، تعويضاً لخسارة أميركية «إسرائيلية» إقليمية في سورية، مع انتشار الجيش السوري على غالبية الأراضي السورية، ووصوله إلى الحدود الأردنية السورية التي شكّلت المعبر الأول لتكديس السلاح وعبور المسلّحين إلى سورية منذ آذار 2011.
رئيس الوزراء الصهيوني في موسكو الأربعاء المقبل، في زيارة هي الثانية في غضون أقلّ من شهرَين، أيّ بين نهاية معركة وبداية معركة أخرى، ميدان يفرض على الجميع التكيّف معه. هنا لا ننفي وجود ضمانات تقدّمها موسكو، وعملية تفاوضية معقدة، مع الأردن، ومع الكيان الصهيوني، ومع الولايات المتّحدة، وقبلها مع تركيا. لكن قرار البدء بتحرير منطقة ما، وممارسة الضغط العسكري لتنفيذ اتفاقات وشروط تفاوض، هو الأساس في تقييم مدى التغيّر الذي يصيب مواقف الأطراف الدولية والقوى في اللعبة السورية وليس العكس. وعند هذه النقطة ينتفي الحديث عن اتفاق ثنائي أو ثلاثي بين روسيا والمحور المعادي لسورية كمسبّب لتطورات الميدان، بل العكس هو الصحيح، نحن أمام قرار يُتّخذ ويستند إلى توافق في مكان ما وتهدئة أو لنسمّها «خفض تصعيد». ومن ثم يتمّ العمل وإدارة العملية التفاوضية تحت الضغط العسكري للجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة، مضافاً إليه فقدان المجموعات المسلحة للقدرة على الهجوم والتعويض عن خساراتها في الجغرافيا السورية، وخاصةً في ضوء انكماش تنظيم داعش.
إنّ ما سبق يطرح سؤالاً عن مدى انعكاس التغيّرات الاستراتيجية في الجنوب السوري، والسيطرة على معبر نصيب الحدودي، على قمة دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في هلسنكي؟
لا يزال البعض من المتابعين للوضع السوري، يصرّ على أنّ القمة مخصّصة لبحث الجنوب السوري، وأفق عملية استكمال السيطرة على ريف القنيطرة والانتشار على حدود الجولان السوري المحتلّ. لكن هذا الأمر بات وراءنا، وهو تحصيل حاصل، وربما يشكّل محور قمة بوتين نتنياهو في موسكو اليوم الأربعاء. فيما يبدو أنّ قمة الرئيسين الروسي والأميركي ستركز على حلول لملفات شاملة على الأرض السورية عنوانها التمركز الإيراني في سورية، إنْ كان بمقدور ترامب التحرّر من قيوده الداخلية التي تتراجع في الملف السوري مع كلّ تقدّم ميداني لسورية وحلفائها. وفي هذا السياق نشر دينيس روس الدبلوماسي الأميركي الأسبق، والذي شارك في صياغة شكل العلاقات في الشرق الأوسط إبان فترة حكم الرئيسين جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، كما عمل مستشاراً لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في عهد الرئيس باراك أوباما، مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» التي تتموضع على يمين الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاء فيه «إنّ فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتيجة مختلفة قد لا يفي بالتعريف السريري للجنون، لكنه لا يزال معياراً جيداً. ويحدث أيضاً تعريف كلّ من نهج الرئيس باراك أوباما والرئيس ترامب في العمل مع روسيا بشأن الحرب الأهلية السورية». وطرح الدبلوماسي الأميركي في معرض عرضه للواقعية وصورة المشهد الحالي في سورية، تساؤلاً عن ماهية القمة الأميركية الروسية المرتقبة «ما الذي يجب أن يفعله ترامب عندما يجتمع هو وبوتين في هلسنكي في 16 تموز؟ يجب عليه أن يبرم اتفاقاً يتمّ من خلاله التركيز على النقاط التالية: «أنّ الولايات المتحدة ستحافظ على وجود صغير لها في سورية حتى تختفي الدولة الإسلامية. وأنه ما لم يتمّ احتواء التسلل الإيراني المستمرّ في سورية، فإنه سيؤدّي إلى حرب أوسع نطاقاً بين «إسرائيل» والإيرانيين. وأننا سندعم «الإسرائيليين» بشكل كامل، مما يجعل من مصلحة بوتين وقف توسّع الإيرانيين ووكلائهم في سورية ومنع تصعيد إقليمي كبير». إنّ التفاصيل التي ذكرها روس، تتناغم إلى حدّ كبير مع المطالب «الإسرائيلية»، والتركيز الأميركي على «الهمّ» الإيراني «الوحيد» في سورية، وهو يتراجع خطوةً إضافية بإشارته إلى وجود عسكري «صغير». وهي كلمة تحمل معاني عدة وتفسح في المجال أمام عملية تفاوض داخل الإدارة الأميركية نفسها، قبل أن تكون عملية تفاوض روسية أميركية، ويلاحظ أنه تمّ الانتقال من وجود عسكري دائم أميركي وموسّع، إلى وجود عسكري صغير. هذا أمر على ارتباط مباشر بتطورات الميدان السوري التي أعادت الأميركيين على مدى السنوات الماضية خطوات إلى الوراء، لكن يتمّ تصويرها على أنها طريقٌ ثالث للحلّ لتمرير التراجع الأميركي، وللقول إنّ باب التفاوض الأميركي مفتوح وهم الذين يطرحون هذا الطريق وفق أولوياتهم. وضمن «الهمّ الإيراني» يطرح روس ما تحاول الإدارة الأميركية الاختباء وراءه عبر التركيز على إنجاز وهمي بابتعاد إيران عن الجنوب السوري. وهو العمل عبر الروس على إحياء التفاوض غير المباشر مع طهران في المرحلة الحالية. وهذا أمرٌ يشابه إلى حدّ ما ما حدث في العراق بين عامي 2005 و 2006 في عهد الرئيس جورج بوش الإبن، حيث يقول «في الواقع، قد يطالب ترامب بوتين بأن يكون قناته أمام الإيرانيين. وبصرف النظر عن الحدّ من احتمالات الخطأ في التقدير مع طهران، فإنّ ذلك قد يمنح بوتين حصة في التنسيق معنا بشأن إيران. بعد أن تنازلت الولايات المتحدة عن سورية بالفعل إلى روسيا، يخبرنا التاريخ أنه من غير المحتمل أن نحقق المزيد».
المواقف الأميركية المستجدة من سورية هي نتيجة التطوّرات الميدانية، وقدرة موسكو على إدارة اللعبة في سورية على مستوىً عالٍ، ورغبة الرئيس الأميركي في انسحاب من سورية يوماً بعد يوم يفقد الحجة في استمراره عند المعسكر الذي يهاجم سياسات الرئيس الأميركي، على أمل قدرة الأخير على الوفاء بالتزاماتٍ قد يقطعها لنظيره الروسي في هلسنكي.