تركيا الجديدة على طريق التنفيذ
د. هدى رزق
حشد رئيس تركيا رجب طيب أردوغان كلّ قدراته لتحقيق أهدافه. وهو يفعل كلّ ما هو مطلوب للوصول إلى الهدف. الذي يريد وهذا دأبه منذ 2002. تخطى الأزمات انقلاب غولن عام 2016، وخسارة الأغلبية البرلمانية 7 حزيران 2015 بفضل مساعدة دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية. وأثبتت استراتيجيتهما نجاحها في الانتخابات الأخيرة في 24 حزيران 2018، تحوّل إثرها أردوغان إلى نظام رئاسي حصل عليه في استفتاء 2017 جمع الصلاحيات التنفيذية في ظلّ الرئاسة، كما أنّ يده تطال السلطة التشريعية والقضائية والعسكرية.
منطق أردوغان وراء ذلك هو اتخاذ وتنفيذ القرارات بسرعة دون «تباطؤ» هرباً من الإجراءات الطويلة والمستهلكة للوقت في البرلمان والمحاكم.. ومع صدور الدستور الجديد والمراسيم الجديدة أصبحت جميع التعيينات الرئيسية في جهاز الدولة تتمّ من قبل الرئيس، من الجنرالات إلى رؤساء الجامعات.
لم يُولِ أردوغان أيّ اهتمام لردود الفعل أو المناقشات المحتملة بشأن الأسماء التي اختارها لأوّل «حكومة رئاسية» في تركيا، في أقلّ من 24 ساعة، أصدر ثلاثة مراسيم رئاسية لإنشاء هيكل حكومي جديد، بما في ذلك مكتب نواب الرئيس و 16 وزارة، وتسعة مجالس، وأربعة مكاتب والعشرات من المؤسسات الجديدة تحت الرئاسة. تشهد البيروقراطية المدنية والعسكرية بكاملها تغيّراً جذرياً مع عدم وجود الكثير من التنبّؤات الصحية حول تأثير كلّ هذه التغييرات على إدارة بلد مثل تركيا.
جمع بين وزارتي المالية والخزينة ووضعهما تحت إمرة وزير الطاقة السابق صهره بيرات البيرق. ويمثل البيرق نهجاً اقتصادياً جريئاً ومخاطرة إلى حدّ ما سيكون صهر أردوغان مسؤولاً عن الإشراف على الاقتصاد كوزير للخزانة والمالية. وسيرافقه وزير التجارة روهسار بيكان والمستشار الرئاسي السابق مصطفى فارانك كوزير للصناعة والتقنية.
لا توجد عقبة أمام أيّ مصدر حقيقي أو مفترض، سواء أكان ذلك من الإجراءات التي تستغرق وقتاً طويلاً أو الأوليغارشية البيروقراطية. وهذا يعني أيضاً أنه لا يوجد عذر متبقّ لعدم النجاح في السياسات التي يجب اتباعها.
أما تعيين رئيس الأركان خلوصي عكار في منصب وزير الدفاع بعد سنوات عدة في تركيا يعني الحاجة إلى تقوية وزارة الدفاع وإعادة هيكلة الجيش وفقاً لاحتياجات الحكومة التي يمثلها الآن الرئيس. كذلك الاحتفاظ بهاكان فيدان كرئيس للاستخبارات الوطنية.
يمكن تصنيف أعضاء مجلس الوزراء تحت ثلاثة عناوين…
المجموعة الأولى تمثل المحطة السياسية في مجلس الوزراء، وزير المالية بيرات البيرق، ووزير الخارجية مولود جاويش اوغلو، ووزير الداخلية سليمان سويلو، ووزير العدل عبد الحميد غول…
المجموعة الثانية من كبار المسؤولين السابقين، وهي وجوه خدمت في الوزارات المعنية قبل تعيينها كوزراء، أيّ تكنوقراط: وزير الطاقة فاتح دونميز، وزير النقل والبنية التحتية كاهيت توران، ووزير الدفاع خلوصي عكار، ووزير الشباب والرياضة محمد كاسابوغلو.
المجموعة الثالثة تتكوّن من محترفين، ومن بينهم وزير الثقافة والسياحة محمد إيرسوي، الذي أسّس وأدار وكالة سياحية ناجحة وسلسلة فندقية، ووزير الصحة قهرالدين كوكا، مؤسس سلسلة مستشفيات خاصة، كما تمّ تعيين ضياء سلجوق وهو معلم بارز غير حزبي كوزير للتعليم. وزير النقل الجديد، محمد كاهيت توران هو المدير العام السابق للطرق الحكومية.
جدول أعمال وأولويات حكومة أردوغان الاستمرار في السياسات الخارجية والأمنية وعدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية.
وفي أوّل اجتماع دولي حضره الرئيس أردوغان في بروكسيل قمة الناتو 11-12 تموز/ يوليو لم يتمكن من الحصول على كلّ ما يريده، ولم يحصل لقاء ثنائي بينه وبين ترامب، كما قال قبل سفره الى الاجتماع.
كان واضحاً انّ الحلف يتبنى استراتيجية جديدة مع روسيا والصين، اما الولايات المتحدة فهي تريد من حلفائها الأوروبيين الوفاء بوعدهم في المساهمة في دفاعهم،
في إعلان مؤتمر القمة. جرى تأكيد ضمان توفير إجراءات ردع مخصصة لتركيا استجابة للتحديات الأمنية المتزايدة من الجنوب وهي تساهم في أمن التحالف ككلّ. وتعهّد المجتمعون بتنفيذها بالكامل. ويعتبر الأمر اعترافاً بمطالب تركيا الشرعية بالتضامن داخل الحلف ضدّ الإرهاب الذي يغذيه عدم الاستقرار والأزمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر بسبب الأسباب نفسها، والأزمة المستمرة في سورية، جار تركيا الجنوبي. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو قد برّر سبب شراء تركيا صواريخ S-400 الروسية قبل بدء الاجتماع في بروكسيل فركز على قرار الولايات المتحدة الأميركية عدم إعطاء تركيا أنظمة باتريوت، وقال إنّ الدفاع الجوي الجماعي للناتو يمكن أن يغطي فقط 30 في المئة من المجال الجوي التركي، وهو أكبر حليف لتركيا.
اللافت أثناء وجود أردوغان في القمة، تراجع آخر في قيمة الليرة التركية في الأسواق المالية في اسطنبول. وصل الدولار الأميركي الواحد إلى 4.69 ليرة، وهو أدنى مستوى له في 11 تموز/ يوليو. وسجل في الساعات الأولى من 12 يوليو، انخفاضاً الى مستوى أدنى وصل الى 4.85 ليرة في الساعة 5:00 مساء.
يعزو الخبراء السبب في تصريح أردوغان في طريقه الى باكو حول خفض أسعار الفائدة التي ستنخفض عندما ينخفض معدّل التضخم. فيما قال البيرق في 12 تموز/ يوليو إنّ الحكومة لن تسمح لاستقلال البنك المركزي أن يخضع للتكهّنات في السوق، وسيكون الهدف هو خفض التضخم. لم تكن هذه بداية سهلة لأردوغان، لكن يبدو أنه سيبقى مصمّماً على الضغط من أجل النظام الجديد الذي أطلقه…