الوعي هو السيف والترس في حماية الأمة والوطن
اياد موصللي
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن دور الإعلام في المشاريع والمخططات التي يروّج لها كصفقات وعروض لبلادنا وتضعها الدول ذات المصالح والتي تتعارض في مفردها ومجملها مع مصالحنا وقيمنا وأفكارنا..
وتعرّض الإعلام للانتقاد والتهجّم واللوم بسبب ما نسب اليه من ضلوع في تسهيل مرورها وتحضير عقول الجماهير لقبولها وتهيئة المناخ لها كصفقة العصر.. وكسياسات دول الخليج وتبرير أعمال العنف التي جرت وتجري في العراق والشام ولبنان. إنّ الارتباط الفكري أو العاطفي والمصلحي بدولة صديقة في المحيط الجغرافي لا يعني تقديم هذا الارتباط على مصلحة الأمة والوطن الذي هي فوق كلّ مصلحة..
يجب لحماية الإعلام وصونه من الشطط وإبعاده عن الانحراف والانجرار وراء المصالح والأهواء والسير في ركاب المصالح المادية البحت من دون أيّ اعتبار للمصلحة الوطنية التي هي فوق كلّ مصلحة. والعقبات والصعوبات والأعباء المالية ليست مبرّراً مطلقاً لسلوك الطرق التي تؤدّي الى تهديم المجتمع وبث الفرقة والبغضاء بين أبنائه. فإذا لم تتوفر المداخيل المالية بالطرق السليمة، فلا يعني هذا أن نسقط في مهاوي العمالة السياسية او الأجنبية التي تخدم مصلحة العدو أو الأجنبي على حساب الوطن وأبنائه.. ولنطبّق عندئذ القول المعروف والشائع «افتح بابك وافتخر او سكروا وانستر…».
إنّ دور الإعلام لا يقتصر على نشر الأخبار السياسية او الثقافية ولا تأدية دور مرسوم محدّد يخدم أهدافاً وتوجهات داخلية او خارجية بحدود الإيمان بهذه التوجهات والأفكار او التزلف والتبعية ذات الأبعاد المالية.. دور الإعلام ورسالته هي الإرشاد والتوجيه بما يؤدّي لتكوين فكري انتمائي يربط الإنسان بأرضه ومجتمعه من دون تحديد ايديولوجيات أو خدمة عقائد روحية أو قومية وتنمية روح الولاء للوطن والعطاء للمجتمع. هذا هو أساس رسالة الإعلام. فكلّ حق أمامه واجب فلا نشجع مواطنية تؤمن بالانتماء للوطن مقابل الانتفاع وبمبدأ هات دون التفكير بالمقابل خذ.. المواطنية أخذ وعطاء، حق وواجب، والإعلام جزء أساسي في هذه المعادلة عليه أن يعطى بلا حدود ويقدّم له بالمقابل كلّ ما يقوّيه ويدعمه ويسدّد خطاه في مساره بأداء رسالته.
ليس الإعلام فصيلاً عسكرياً يحارب من أجل أن يكسب المعركة ضدّ الفريق المناهض والمختلف في التوجّه المستقبلي والسياسي.
حرية الإعلام تنتهي عندما تبدأ حرية الوطن والمجتمع، وأيّ تهديد أو مساس بهذه الحرية يستوجبان المنع والزجر. فمصلحة الأمة والوطن فوق كلّ مصلحة واعتبار ولكن من المهمّ أن لا تُستعمل حماية الوطن حجة أو ذريعة كقميص عثمان من أجل التدخل للحدّ من حرية الإعلام تغطية لحماية دور سياسي سلطوي تمارسه مجموعة معينة تؤدّي دوراً مشبوهاً.
وعندما نتحدّث عن كلّ هذا فلا يعني انّ موضوع الحرية أمر مرتبط بالإعلامي الملتزم أو غير الملتزم.. إنّ تجاوز الحرية قد يأتي وكثيراً ما يأتي من السلطة أو أصحاب المال والنفوذ لفرض توجّهات معينة وعلى الإعلاميين تنفيذها تحت طائلة الحرمان من بعض الحقوق أو سدّ المنافذ المادية أو تحديدها.. أو تسليط «البلطجية» او إصدار قرارات تعسفية بحق الوسيلة الإعلامية المقصودة.
إنّ مواثيق الشرف وعهود الالتزام بأخلاق المهنة يجب أن تُصان بإحاطتها بالحماية من العبث والتجاوز والاستهتار كما حصل في كثير من المراحل..
إنّ ما يواجهه الإعلام في هذه الفترة من حياة أمتنا لأكبر دليل على قوة وسلطة هذه الهيئة التي إذا انحرفت جرفت ودمّرت وسحقت.. عندما وصفت الصهيونية الإعلام بالآلة الجهنمية كانت تعني بوضوح ما يمكن لهذه الآلة أن تفعله وتحققه حسب ما يُرسَم لها من أهداف.. لذلك ركزت سياستها على ثلاث قواعد هي:
1 ـ القوة العسكرية القامعة.
2 ـ القوة الإعلامية الخادعة.
3 ـ القوة المالية الرادعة.
وبهذه العوامل هيّأت وحضرّت لـ «الربيع العربي»، فدمّرت بواسطته مناعة الأمة وقناعاتها…
فاعتمدت «إسرائيل» على الإعلام سلاحاً هاماً في مشروع إقامة دولتها.. فقد عُرفت قيمة الإعلام مذ كوّنت أفكارها وأسّست تنظيماتها ومشاريعها المستقبلية التي بنت عليها أحلامها ببناء دولة خططت لها أن تكون في فلسطين بعد الاستيلاء عليها.. وعن طريق الإعلام استطاعت أن تسمّم أفكار ساسة العالم والكثير من شعوبه وأحاطت نفسها بسياج دعم سياسي وتجاري وعسكري.
في بلادنا الإعلام حالة غير محدّدة، فهناك الإعلام الفكري الحزبي العقائدي أو السياسي المرتبط ببرامج وتنظيم توجيهي أو كيفي مزاجي مصلحي..
والإعلام في الأساس أو الصحافة هي السلطة الرابعة في الدولة.. تملك قوة التأثير في الناس وتمتلك فعل الواقع البنّاء أو المدمّر.
والمؤسف أننا حتى الآن لم نستطع أن ننشئ الإعلام العام لمصلحة الأمة التي هي فوق كلّ مصلحة دون التأثر بأيّ منفعة فردية أو مادية.. لذلك نرى مجتمعنا مشتتا متخبّطاً ضائعاً.
وإذا عدنا الى البروتوكول الثاني صفحة 191 وقرأنا ما يركّزه على دور الإعلام ويصفه بالآلة العظيمة فيقول:
«ولا يُخفى أنّ في أيدي دول اليوم آلة عظمية تستخدم في خلق الحركات الفكرية والتيارات الذهنية، ألا وهي الصحف، والمتعيّن على الصحف التي في قبضتنا عمله هو أن تصبح مطالبة بالحاجات التي يفترض أنّها ضرورية وحيوية للشعب، وأن تبسط شكاوى الشعب، وأن تثير النقمة وتخلق أسبابها، إذ في هذه الصحف يتجسّد انتصار حرية الرأي والفكر، غير أنّ دولة «الغوييم» لم تعرف بعد كيف تستغلّ هذه الآلة فاستولينا عليها نحن وبواسطة الصحف نلنا القوة التي تحرّك وتؤثر، وبقينا وراء الستار، فمرحى للصحف وكفُّنا مليء بالذهب، مع العلم أنّ هذا الذهب قد جمعناه مقابل بحار من الدماء والعرق المتصبّب. نعم، قد حصدنا ما زرعناه ولا عبرة أن جلّت وعظمت التضحيات من شعبنا. فكلّ ضحية منا إنها لتضاهي عند الله الفاً من ضحايا الغوييم».
ترى هل لنا أن نتساءل ونحن نرى بعض الممارسات المشبوهة لوسائل إعلامية عربية ذات أبعاد متعدّدة، عما إذا كانت تلك المؤسسات والدور الذي لعبته وهو غير حميد ولا مشكور في عديد من مراحلها. هذا الدور جزء من الآلة التي استولى عليها العدو وكما يقول: «استولينا عليها نحن وبقينا وراء الستار».
وقد أمسكوا بالإعلام من كلّ جوانبه وسيطروا سيطرة كاملة وكما يقول مجدي كامل في كتابه أكاذيب التاريخ الكبرى 2011 :
«إنّ الكنائس المتصهينة ليست أكثر من قوة دفع إضافية إلى قوة اليهود الطاغية التي ترتكز على ثالوث المال والسياسيين والإعلام. فاليهود يشكلون نسبة 2 من سكان الولايات المتحدة إلا أنهم يشكلون 50 من العاملين في الإعلام و24 من القيادات الإعلامية في ذلك البلد. أمّا في شركات الإعلام الكبرى فيكفي أن نقول إنهم يسيطرون على 95 من الشركات الأميركية الكبرى وهي شبكة CNN وشبكة CBA التي يرأسها يهودي. وشبكة CBN التي يترأس قطاع الأخبار فيها يهودي، ناهيك عن القطاعات الأخرى كالسينما التي ساهمت في صياغة المجتمع الأميركي حتى تجرّأ الممثل الفاشل رونالد ريغان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة على القول: «إن الله لا يحبّ مَن لا يحبّ إسرائيل».
ونعود الى قول الزعيم:
«إننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا، فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتّب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت، وأية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».
وسيبقى السيف الإسرائيلي يلعب في رقابنا ما دامت هذه الرقاب محنية على النطع وسيبقى سيفهم أشدّ فتكاً من ألسنتنا التي تلعق يد الظلم والبطش. «والسيف أصدق إنباء من الكتب».
دور الإعلام أهمّ من دور الجيوش وعلى إعلامنا أن يكون سياج الوطن وسيفه وترسه…
قال نابليون بونابرت: «الصحافة ركن من أعظم الأركان التي تشيّد عليها دعائم الحضارة والعمران». وقال أيضاً: «إني أوجس خوفاً من ثلاث جرائد أكثر مما أوجس من مئة ألف جندي».