«هارموني» من أوبرا دمّر… الإنسان يُخلَق لمرّتين
دمشق ـ آمنة ملحم
«عشرات القصص المؤلمة، لم تثن السوريين من العيش ضمن هارموني سورية صريحة أمام العالم أجمع»… إنهم السوريين الذي يخلقون التآلف مهما كثرت الجراح وأنّت الأنفس ألماً. انطلاقاً من هذه الصورة المشرقة للسوريين تمخضت فكرة المختبر المسرحي الراقص «هارموني» التي قدّمته فرقة «سورية للمسرح الراقص» بقيادة نورس بروعلي خشبة أوبرا دمّر.
مجموعة من الأطفال برفقة جيل الكبار تمايلت أجسادهم شغفاً بالرقص حاملين رسالة إنسانية عالية طغت على العرض حيث صممت اللوحات الراقصة لتكون لسان حال مصاب الجيش، والطفل المعوق، وأبناء الشهداء، والنازح المهجّر، من دون أن تغفل تسليط الضوء على تمازج وتعايش الأديان الذي لا ينتهي في سورية وحملت فقرات العرض عناوين «إنسان مجرّد، متوحدة في الحرب، أبحث عن وطن في الحرب، مصاب في الحرب، أبي شهيد في الحرب، جندي في الحرب، لتختتم فقراتها مع إنسان في الحرب».
وعلى خلفية العرض لفت مدير الفرقة نورس برو في حديث إلى «البناء»، إلى أن «هارموني» فسيفساء سورية والتنوع الموجود فيها، فسورية اليوم تعيش تغييرات كثيرة ولم تعد الفسيفساء مقتصرة على الطوائف والأديان، بل باتت مزيجاً من حالات جديدة في البلد من مصاب ونازح ومهجر، وفاقد لبيته أواهله وأصدقائه ولكنهم أثبتوا قدرتهم على العيش بهارموني مع بعضهم البعض، فالعرض جاء كمرآة للواقع السوري لأن وظيفة المسرح في هذه الأيام برأي بروتقديم مرآة عن الواقع، فمن غير المنطق بنظره الاتجاه نحوأعمال ترفيهية في ظل الظرف الراهن.
وعن خصوصية الفرقة ينوه برو بأنها الفرقة الوحيدة في سورية التي تتجه نحو الرقص المعاصر، انطلاقاً من الباليه في محاولة لإثبات أن سورية كانت صاحبة حضارة وما زالت تلك الحضارة موجودة وتتطور، ولم تستطيع الحرب إعادتها للوراء، فالفرقة تبحث عن التميز برسائل جديدة ورغم الحصار في الخارج والمحاربة في الداخل أحياناً ولكنها تبقى قوية ونخبوية.
وحول تقبّل المجتمع السوري لهذا النمط من الرقص يشير برو إلى أن الفرقة وأعمالها تنال متابعة واهتماماً عالياً عبر السوشال ميديا، فقد نجحت بالأسلوب الإعلامي بإيصال صورة جميلة عن الرقص المعاصر، وأثبتت قدرتها على تقديم الجندي والهجرة والجريح بأسلوب معاصر بعيداً عن الطريقة الفلسفية التي لا يحتاجها الجمهور بل هوبحاجة لبنية تحتية فكرية، تحاول الفرقة تقديمها.
ويعود برو ليركّز على فكرة «مختبر» للعرض الذي قدمته الفرقة منوهاً بأن المختبرات بعالم الرقص تجريبية، والفرقة تضمّ شباناً محترفين يركز عليهم العرض عبر تقديمهم صولو وشخصيات رئيسية وهم بالمستوى الأهم في سورية، مع مجموعة من الأطفال الذي يسيرون بدرب الاحتراف.
وفي ما يتعلق بجيل الأطفال في الفرقة يوضح برو أن الفرقة تستقبل الأطفال من عمر 3 ـ 13 وما فوق 13 ومن ضمنهم للكبار، علماً أن الهيئات الرسمية في البلد لا تستقبل هذا السنّ، ولكن الفرقة تؤمن الرقص جسّد ثم فكرة بالنسبة للأطفال بعكس الكبار، مشدداً على أن عملهم ضمن السياق الوطني من دون أيّ أجر ماديّ تتقاضاه الفرقة لقاء تدريب الأطفال، وأبوابها مفتوحة أمام الجميع للانضمام إليها بحب وشغف، على أمل إبعاد الأطفال لساعات خلال التدريب عن جو الحرب والدم ليحملوا قاعدة فكرية يخرجوا بها للحياة.
وتستعد الفرقة للمشاركة بمعرض دمشق الدولي عبر عرض للأطفال كنسخة مصغرة عن «بحيرة البجع» من الباليه الكلاسيكي الترفيهي، كما من الممكن أن تعيد عرض «هارموني»، كما تحضر لمشروع «أحدب نوتردام» الذي بات بمراحل التفاهمات الإنتاجية الأخيرة.
ومن بين الراقصين المحترفين أعرب إيشاك هاشم والذي كان مساعد مصمّم في المختبر عن سعادته الكبيرة بالعرض، لافتاً إلى التطور الذي يحقّقه مع كل عرض جديد حيث كانت البداية منذ أربعة سنوات مع الفرقة ليصبح اليوم بحوزته تسعة عروض تنوعت مشاركاته فيها بين أدوار رئيسية ووقوف صف أول وثان وصولاً إلى مساعد مصمم ومساعد مدرّب، وحلمه متواصل للوصول إلى مكان أعلى في عالم الرقص، من دون أن يغيب حلمه الأول في التمثيل والغناء، وعينه على لقب «الفنان الشامل» لا سيما مع حبه للكتابة النثرية القصصية.
ويؤكّد هاشم حرصه على الدراسة وتنظيم الوقت ما بينها وبين الرقص وهو ابن السابعة عشر عاماً فحمله مقرون بالنجاح الدراسي والفنّي معاً.
أمّا من جيل الأطفال 9 سنوات فقد تنقلت الطفلة راشيل الفزاع على المسرح برشاقة وانسيابية عالية، جاذبة الجمهور لها بدرجة اتقان عالية في العرض ولفتت في دردشة مع «البناء» إلى أنها تعشق الباليه من عمر السنة والنصف. فهي موهبة ظهرت لديها مبكراً وباهتمام عالي من والدتها مع متابعة كثيفة استطاعت إلى اليوم المشاركة بعروض كثيرة مع فرقة سورية للمسرح الراقص، وحلمها يتجلى بأن تصبح راقصة باليه مشهورة.
«هارموني» تأليف وغرافيك وإعداد موسيقي لنورس برو، مساعد مصمم: إيشاك هاشم، والراقصون من جيل الكبار ايشاك هاشم، هلا هنداوي، أحمد مصطفى، محمد حسن. ومن جيل الأطفال: راشيل الفزاع، ناي سلطان، جودي عبد الحي، ماريا قروشان، جوليا يوسف، سيرسا الحاج العبد الله.