ملامح الحلحلة الحكومية لا تزال عند العقدة الدرزية… ومساعٍ لتسوية يرضاها جنبلاط 14 آذار متمسّكة بالحصول على الثلث المعطل لمنع العلاقة اللبنانية السورية وفقاً لجعجع
كتب المحرّر السياسيّ
بقي الإنجاز الأهم لقمة هلسنكي، الاختراق الذي حققه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجذب الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التموضع على ضفة التعاون في ملف النازحين السوريين بمعزل عن الحل السياسي، كمدخل للتطبيع السياسي والمالي مع الدولة السورية، ورغم مواصلة التنسيق الروسي الأميركي، وفقاً للكرملين، في ظل التعثر في ملف تطبيق فك الاشتباك في الجولان بسبب التصعيد الإسرائيلي، وتراجع الرئيس الأميركي عن دعوته للرئيس الروسي إلى البيت الأبيض في الخريف، بادر الرئيس الروسي لدعوة معاكسة لترامب لزيارة الكرملين بادر البيت الأبيض لقبولها، لكن رغم أهمية هذا الاختراق لم يتحقق أي اختراق موازٍ في لبنان. فصارت المبادرة الروسية عند بعض اللبنانيين الذين وقفوا ضد مبادرات إعادة النازحين التي أطلقها رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وحزب الله والتيار الوطني الحر، وتلك التي رعاها ونفّذها الأمن العام، مجرد مسعى روسي كرمى لعيونهم لتجنبيهم إحراج العلاقة المباشرة بالدولة السورية، ولم ينفع كلام الوفد الروسي في بعبدا لإفهامهم أن التعاون سيكون ثلاثياً روسياً سورية لبنانياً، وبعد مجزرة السويداء التي ارتكبها تنظيم داعش برعاية إسرائيلية مباشرة، كرسالة تعلن الحرب الأمنية على سورية، ولو نجحت في تطهير جغرافيتها العسكرية من الجماعات الإرهابية، للضغط من أجل تعديل شروط التفاوض مع روسيا حول شروط فك الاشتباك، ظهر بوضوح أن الفريق اللبناني المعادي لسورية متماسك، متمسّك بعدائيته، ويخوض المفاوضات الحكومية على خلفية هذا العداء. وهذا ما كشف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حديثه لمجلة المسيرة، بقوله إن روح الرابع عشر من آذار لا تزال تجمع القوات وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، محدداً هذه الروح بالعداء للدولة السورية، مشيراً إلى تصدّي النائب السابق وليد جنبلاط ونواب تيار المستقبل لمبادرات وزير الخارجية في ملف النازحين نيابة عن القوات.
كلام جعجع أكدته مواقف جنبلاط العدائية ضد سورية في تأبين رمزي أقامه لشهداء مجزرة السويداء، وهو ما دفع مصادر متابعة للتساؤل عن خلفية التمسك بالثلث المعطل لمجموع قوى الرابع عشر من آذار في الحكومة المقبلة، ولو تمّ تجميع الحصص بالمفرق لتشكل ما مجموعه 13 وزيراً تكفي لتعطيل الحكومة عند أول بحث بالعلاقة الجدية مع سورية من موقع يعكس المتغيرات التي بدأت دول الغرب تقرأها. ويتمسّك بعض اللبنانيين بضبط موقفهم منها على التوقيت السعودي. وقالت المصادر إن التسوية الحكومية التي يُقال إنها قيد الإنضاج، شهدت حلحلة في العقدة المسيحية، لكن العقدة الدرزية لم تُحَل رغم موافقة رئيس الجمهورية على تمثيل النائب السابق وليد جنبلاط بثلاثة وزراء، والبحث يجري عن تسوية تُرضي جنبلاط بضمان موافقته على الوزراء الدروز الثلاثة، في ظل استعادته أشد خطاباته تصعيداً ضد سورية. وهو ما قالته مصادر مقربة من النائب طلال إرسلان أنه سيكون موضوع رد مفصل في كلمته في الاحتفال التأبيني لشهداء السويداء الذي سيقيمه في دارته في خلدة يوم غد الأحد صباحاً.
الخطة الروسية على سكة التنفيذ…
في وقتٍ يسُود التفاؤل الحذِر ملف التأليف الحكومي الذي يعيش شد حبالٍ بين القوى المعنية بالتفاوض، بقي ملف النازحين السوريين الحدث الأبرز على الساحة الداخلية، مع تفاعل المبادرة الروسية التي كانت محل نقاش الوفد الروسي وأركان الدولة اللبنانية في بعبدا أمس الأول، حيث فُعِلت قنوات التواصل الروسية اللبنانية السورية لوضع آليات تنفيذية لمضمون الخطة الروسية لإعادة 890 ألف نازحٍ الى سورية، كما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس. وإذ غادر الموفد الرئاسي الروسي الى الأردن من المتوقع أن يشهد الأسبوع المقبل حراكاً روسياً لبنانياً سورياً فعالاً على هذا الصعيد.
ويبدو أن البعض في لبنان لم يقرأ التحولات الدولية بعد واستمرّ بالعزف على وتر الخلافات السياسية والمواقف التي تضرّ بالعلاقات اللبنانية السورية خدمة لمصالح إقليمية، فكان وقع المبادرة الروسية التي تُحتِم التواصل مع الدولة السورية على رؤوسهم قاسياً ولم يتمكنوا من استساغة ذلك ويعملون على تغطية تواطئهم على النازحين ولبنان بإطلاق المواقف المعادية لسورية لم تسلم منها روسيا أيضاً، غير أن القرار الأميركي – الروسي سيفرض أمراً واقعاً على الجميع بمن فيهم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، كما قالت مصادر سياسية لـ«البناء»، حيث أن حكومة الحريري الجديدة ستكون ملزمة بالتواصل مع الدولة السورية بموجب الخطة الروسية. في المقابل نقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه لـ «البناء» ارتياحه للاجتماع الرئاسي مع الوفد الروسي والجدية التي أبداها الروس لحل أزمة النازحين، ومشيداً بالموقف اللبناني الموحّد على هذا الصعيد.
وبعد الاتفاق الرئاسي على تكليفه رسمياً بالتنسيق مع روسيا وسورية لوضع الخطة الروسية موضع التنفيذ، بحث المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مع السفير السوري علي عبد الكريم علي، في أوضاع النازحين السوريين في لبنان. وشكر الأخير جهود المديرية العامة في تسهيل عودة النازحين الى بلادهم.
وإذ لوحظ تراجع حركة مفوضية شؤون اللاجئين في مخيمات النزوح عقب قرارات قمة هلسنكي في مسألة النازحين، نقلت أوساط مطلعة على المزاج الشعبي للنازحين لـ «البناء» حماسة النازحين للتحرك الروسي، مشيرة الى أن «روسيا تشكل ضمانة حقيقية لأغلب النازحين رغم أن النازحين لا يحتاجون الى مثل هذه الضمانات. فالدولة السورية هي الضامنة أمنهم ووجودهم وكرامتهم وعيشهم الكريم، لكن حملات التخويف التي روّجتها بعض المنظمات الدولية والإعلام اللبناني أدت الى تخوف النازحين من العودة». وأكدت الأوساط بأن «دفعات النازحين الذين عادوا الى مناطقهم في سورية لم يشكوا من أي سوء معاملة بل عملت الدولة على تأمين كل ما يحتاجونه ويراسلون أقاربهم في لبنان ويحثونهم على العودة».
ورحّب رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري بالخطوة الروسية وتوقع أن يتلقفها النازحون في عرسال، مرجحاً عودة أكثر من 70 في المئة من مخيمات عرسال الى سورية فور بدء تنفيذ الخطة، وأشار لـ«البناء» الى أن «أهالي عرسال والنازحين دفعوا ثمناً باهظاً جراء الأخطاء السياسية الرسمية، حيث كان من المفترض على المسؤولين في الدولة اللبنانية عدم انتظار أي تحرك خارجي بل المبادرة للاتصال بالدولة السورية لحل هذه الأزمة».
واستبعد الحجيري أن يكون هناك إرهابيون ضمن النازحين في مخيمات عرسال، موضحاً أن «بعض المطلوبين للسلطات السورية ممكن أن يرسلوا عائلاتهم الى سورية على أن يلحقوا بهم بعد تسوية أوضاعهم القانونية»، ولفت الى أن «الارهابيين الذين قاتلوا الجيشين اللبناني والسوري من تنظيمي داعش والنصرة خرجوا من عرسال بالباصات الخضر بعد تسويات ترحيلهم عقب تحرير الجرود اللبنانية السورية من الإرهابيين العام الماضي، وبالتالي لا يوجد خطر أمني على سورية إن عاد النازحون اليها».
كما أوضح الحجيري أن «مبادرة حزب الله لتسهيل عودة النازحين مستمرة، لكن تعترضها بعض المعوقات، ومنها أن الكثير من النازحين في عرسال لا يملكون إقامات ووجودهم في لبنان غير شرعي وبالتالي يخشون إلقاء القبض عليهم خلال انتقالهم الى المراكز التي حدّدها الحزب لتسجيل أسمائهم للعودة».
ومن المتوقع أن يُشرف الأمن العام اللبناني اليوم إعادة دفعة جديدة من النازحين الى سورية.
وبحسب المعلومات، فقد «لمس وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل من المسؤولين الأميركيين خلال لقاءاته على هامش مؤتمر الحرية الدينية، إرادة أميركية لحل أزمة النزوح وتقبّل للأمر الواقع، إذ إن الإرادتين الأميركية والروسية والأوروبية تلاقت جميعها مع ظروف أمنية وعسكرية ملائمة في سورية لعودة النازحين».
وأبلغ الرئيس عون ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان بيرنيل كارديل، ان «لبنان رحّب بالمبادرة الروسية التي تم التطرق اليها خلال قمة هلسنكي بين الرئيسين الروسي والأميركي. وهي تؤمّن عودة نحو 890 ألف سوري الى بلادهم، وان لبنان سيشكّل من جانبه لجنة للتنسيق مع المسؤولين الروس المكلفين، لدرس التفاصيل التقنية المتعلقة بآلية العودة. ولفت عون الى أن «الفقرة التي وردت في تقرير الامين العام للامم المتحدة الى مجلس الامن حول النازحين السوريين والذي قدّم قبل ايام في نيويورك، لم تعكس بدقة الموقف اللبناني الذي نادى دائماً بعودة طوعية وآمنة للنازحين». اما بالنسبة الى بقية النقاط التي وردت في التقرير، فإن لبنان يعتبرها إيجابية… الى ذلك، طلب عون من كارديل إبلاغ الامانة العامة للأمم المتحدة برغبة لبنان في التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب لولاية جديدة، من دون تغيير لا في مهامها ولا في عديدها».
الحكومة تنتظر لقاء الحريري – باسيل
وفي الشأن الحكومي لم تُترجَم الأجواء التفاؤلية التي سادت اللقاء الرئاسي الأخير في بعبدا على أرض التأليف، كما «لم يُسجل يوم أمس أي لقاءات بين الرئيس المكلف وكل من الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية كما وعد الحريري عون»، لكن خطوط التواصل بين الحريري مع كل من القوات والاشتراكي لم تنقطع طيلة يوم أمس، بحسب معلومات «البناء» التي أشارت الى أن «الحكومة تنتظر اللقاء المرتقب بين الحريري وباسيل الذي عاد أمس الى بيروت»، لكن مصادر بعبدا أبدت «ارتياحها للأجواء التي حملها الرئيس المكلف تجاه تأكيده تمسكه بالتسوية الرئاسية وتفهمه موقف رئيس الجمهورية من تأليف الحكومة وبأن رئيس الجمهورية لا يخالف الدستور بكلامه، فيما يتعلق بالصلاحيات لأن الدستور يقول بأن تأليف الحكومة يتم بالتشاور بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية الذي يوقع مرسوم تأليفها».
وبحسب ما قالت المصادر لـ «البناء» فإن الحريري سمع من عون موقفه بأن «الأحجام داخل الحكومة يجب أن تتحدّد وفق ما أفرزته الانتخابات النيابية مع اعتماد معيار موحّد، لأن من الضروري تشكيل حكومة متجانسة تستطيع أن تعالج الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية»، وأن الرئيس عون بحسب المصادر لا يعمل على إقصاء أحد فهو يريد حكومة تمثل كافة القوى السياسية وفق احجامها».
وفي سياق ذلك، تشير المعلومات الى أن «لقاء عون – الحريري لم يتطرّق الى أي موعد زمني لتأليف الحكومة لا سيما أن رئيس الجمهورية يتطلع الى أن يعود الحريري الى بعبدا بصيغة حكومية متوازنة بعيداً عن أي تضخيم لأحجام بعض القوى، وبالتالي فإن الأجواء التفاؤلية التي يشيعها البعض لا تزال حتى الساعة تدور في فلك المواقف السياسية بانتظار أن تترجم على أرض الواقع. فالحزب الاشتراكي لا يزال مصراً على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة، فالنائب وليد جنبلاط لن يقبل بتسوية تُعطيه وزيرين دُرزين ووزيراً مسيحياً»، أما القوات اللبنانية التي قبلت بـ4 وزراء بالتنسيق مع الرئيس الحريري تريد، بحسب المصادرـ حقيبة أساسية وخدمية مقابل تنازلها عن الوزير الخامس». لكنها عادت ورفعت سقف مطالبها يوم أمس، وقالت مصادر قواتية لقناة الـ أو تي في «بأننا دخلنا بمرحلة مفاوضات دقيقة وكل الامور ستتضح في الساعات الـ24 الآتية كحد أقصى». أما تفاصيل هذه المفاوضات فقد كشفت عنها قناة أم تي في نقلاً عن مصدر قواتي، بأن «القوات توافق على أربع حقائب لتسهيل مهمة الرئيس المكلّف، شرط أن ننال بالإضافة إلى حقيبة سيادية أو نيابة رئاسة الحكومة ، حقيبتين واحدة أساسية وأخرى خدمية مع احتفاظنا طبعًا بحقيبة الشؤون الاجتماعية».
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي عنه لـ «البناء» عدم تفاؤله بقرب ولادة الحكومة، مشيراً الى أن «العقد داخلية وليست خارجية لا سيما أن التفاهم الدولي الأميركي الروسي بدأ ينعكس على الملفات في المنطقة ولا سيما لبنان»، وأشار الى أن «العرقلة تتعلق بحصص الكتل النيابية وتضارب المصالح السياسية والوزارية والتنافس على الأدوار والقرار والوجود في المرحلة المقبلة»، وحذّر بري من تردي الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتفاقم الأزمات الحياتية بسبب تأخير ولادة الحكومة».