صباحات

كان الصباح قد وصل باكراً ولم يجد من اعتاد رؤيتهم في قوارب واحدة، يعبرون نهر الوقت فتتغير وجوهم أو تتغير القوارب. فوقف على الضفة ينتظر العبور ليتأمل وجوهم وهو قد فعلها من قبل ويتقن فن المقارنة، واكتشف أن غالبية التغيير تحدث في نهر البحث عن السعادة المرتجاة، وغالبية غالبيتها تتم بخلفية الظن أن الأمان أقرب إلى السعادة من القلق، وأن الحكمة التي تسكن القلوب من جيل إلى جيل تقوم على البحث عن الأمان والسعادة، والسعادة فرح وابتسامة وشعور بالرضا، والأمان شعور بالثبات والسكون. فوقف يسأل العابرين، لكم أن تختاروا يدي اليمن أو اليسرى وما فيهما، واحدة للأمان وأخرى للسعادة، وتعلّموا أنهما لا تجتمعان، فإن وجدتم الخيار صعباً عودوا إلى نهر الحياة، وبعد جولة أو اثنتين جرّبوا الاختيار. فوجد الرجال أن يختاروا السعادة والنساء يخترن الأمان، ووجد الشباب أن يختاروا الأمان بينما يختار الكهول السعادة، ووجد الأغنياء أن يختاروا السعادة بينما يختار الفقراء الأمان.

فسجل الملاحظة الأولى: هل يختار الناس ما يحتاجون أو ما ينقصهم؟ وكان الجواب أن من يختار الأمان يظنه طريقاً إلى السعادة وهو فيها، فيغادرها بحثاً عن الأمان لظنّه أنه طريق واثق نحو السعادة. ومن اختار السعادة يعرف أن السعادة في القلق بعدما جرّب الشعور المملّ بالأمان، ليكتب في مفكرته أنه لا يشعر بالسعادة إلا من قرّر المغامرة بأمانه ولا يطلب الأمان إلا من تعب من بحث عن السعادة، فلا يلقاها إلا مشبعة بالقلق. فطلب من الواصلين إلى ضفة النهر أن يعرض طلاب الأمان لطلاب السعادة أسبابهم والعكس، وبدلاً من البحث أن يتبادلوا الأدوار والظروف ويعودوا إلى جولة أو اثنتين في نهر الحياة. فعادوا يطلب كل منهم أن يستردّ ما كان عليه. فكتب في مفكرته أن كل إحساس بالأمان يدفعنا إلى البحث عن قلق السعادة، وكل شعور بالسعادة يتعبنا فيه القلق، فنطلب استبداله بالأمان.

والتفت إلى البعيد فوجد قاربين لعاشقين يصرّان على ركوب قارب لكل منهما ويبقيان في نهر الحياة بلا التوجه إلى ضفة الوصول. فنزل إليهما يبلل قدميه حتى بلغهما يربطان قاربيها ويفكان الرباط لجولة أخرى وعودة إلى التلاقي. فسألهما عن سرّ ما يضمر كلّ منهما، فقالا له إنهما يتبادلان البحث عن الأمان والسعادة ويعودان، وقد تيقن الباحث عن السعادة أن قلقه مع الآخر السعادة، واكتشف الآخر أن أمانه في شريكه، وهكذا تستمر قواربهما في نهر الحياة. فقرّر أن يمنحهما سرّه، فهمس لهما أن الصباح قلق والليل أمان، وأن الحياة لا تكتمل من دونهما وأنهما لا يجتمعان، لكن الحياة لا تستقيم بواحد من دون الآخر، فحياة ليل كلّها لا تطاق وحياةٌ بلا ليل لا تعاش، فليكن أحدكما مرّة ليلَ سكون الآخر، ومرّة صباح القلق فيه فلن تتعبا، وكانت وصفته للواصلين إلى ضفة النهر أن عودوا وتبادلوا البحث ولا تيأسوا، فلكم صباحات القلق وانتظارات ليل السكون والأمان… صباحكم سعادة وليلكم أمان… ولكنهما لا يتواجدان معاً في قارب واحد ولا على ضفة عبور واحدة، فتدبروا تجديد قواربكم كي لا تأكلها ثقوب الملل.

سرّ الإبتسامة السبت 25-10-2014

عندما جاء الصباح إلى الوردة قال لها: سأودعك سرّي. فقالت: وما هو؟ فقال: الابتسامة، تخيلي أشكال الوجوه وهي تتبسم، وتفتحي بأوراقك مع قدومي كما تنفرج أسارير الوجه عند كل ابتسامة. ففعلت وقالت: وما الحكمة؟ فقال الصباح أن يفوح عطرك معي طلوعي، وأن يبدو الندى على خدود أوراق كأنه دموعي، وأن يظهر جمال لونك بهجة للعيون يتجدد مع قدومي كل يوم لعل الإنسان هذا الكائن القاسي يدرك أن قدومي فرح، فيتعلم منك اسراري.

ولما سألها في اليوم الثاني قالت فعلت، لكن أكثرهم جاؤوا بمقصّات وقطعوا رقاب أخوتي، ولم أرهم حتى يبتسمون كما ظننت. فراح للديك وقال له مع طلوعي أنشِد زغرودة الفرح لعلك تنقل العدوى للبشر. وفعل الديك بصياحه فاكتشف الصباح أن غالبية الناس اتخذوا ساعة توقيت من دون أن ينتبهوا لمعنى غنائه والفرح، حتى أخذ يراقب الناس فيجد من يرى الصباح طاقة فرح يبدأه بالابتسامة لكل من يلتقيه، فتنتج الابتسامة في كل مرة لدى المتلقين ابتسامات مثلها، وتصير الدنيا من حولهم حقولاً للابتسامات وتتبع بائعين جوالين يستيقظان في توقيت واحد، ويخرجان للناس واحد من أهل الصباح، وآخر من أهل النهار. فكان الصباحي يستبقي ما يبات على عربته من خضار وفواكه من يوم مضى، ويخرج بها في طريقه إلى السوق قبل طلوع الصباح يضعها في أكياس ويوزعها على أبواب الفقراء والمساكين والعجزة والايتام، ويوزع ابتساماته على المارة يميناً ويساراً. بينما زميله المتجهم يحمل ما بات عنده إلى السوق، يفتش عن باعة يقصدون المناطق الفقيرة، فيساومهم فجراً على أسعار فضلات عربته قبل أن يدخل سوق الشراء لما هو طازج، ووجد الصباحي لا يفاصل في أسعار الشراء فيبتسم للباعة ويضع حمله ويسير والنهاري يتعب ويسبب التعب لمن يبيعه حتى ينشف «ريقهما»، فيمضي بوعد الدفع نهاية الأسبوع بينما يدفع الصباحي ما في جيبه بالتساوي بين الباعة حتى يفرغ.

ويمضيان يوزع الصباحي ما يختاره من باقات عربته لبيوت اعتادت ان تشتري ويصرخ النهاري بأعلى صوته على ما عنده. وفي المساء يعودان. يمر الصباحي بزبائنه ليجمع ما توفر من مال بين أيديهم، والنهاري يعدّ ما تجمّع معه من بيع النهار، فلما يدخلان صباح اليوم التالي حديقة الورد يقوم الصباحي بتقبيل الورود ويمشي، ويصر النهاري على قطف كل وردة جميلة يحملها لبرهة ويرميها ليقطف سواها. وفي المساء يأكل النهاري ممّا تبقى على عربته، ويشتري الصباحي أفضل ما يصادف في طريقه ليعدّ أطباق المساء يتقاسمها مع من تيسر من جيران وأصدقاء وأهل. فسألت الوردة الصباح عن سر الفرق بينهما فقال الصباح لا يدرك أكثر الناس أن أقوى طاقة يمتلكونها للنجاح هي الابتسامة فلها مفعول سحري عجيب فانتقالها سريع وما تمنحه لصاحبها من تفاؤل ونشاط لا يقاس ولا يقدر فعله وحدهم الأطفال يعرفون قيمة ابتسامة الصباح فيمنحونها كتفتح الورد بلا مقابل.

والناس الصباحيون يعرفون قيمة الابتسامة في قوتهم ويمنحونها ويحصلون عليها بلا مقابل وتصير جزءاً من مقاومتهم للمتاعب والمصاعب. فإن جاءهم خبر سيئ تبسموا أملاً، وإن كان الخبر خيراً تبسّموا فرحاً… إن أغلى ما تملكونه ابتسامة الصباح فلا تبخلوا بمنحها لمن حولكم فجربوا كيف تطلقون معها حقولاً من الورود تتفتح على وجوه الناس وتنطلق كالأشعة تحرك الطاقة الكامنة في النفوس… صباحكم ابتسامة.

هجرتان بين الخلافة والإمامة الأحد 26-10-2014

تساءل الصباح عن سرّ مجيئه على غير العادة، وفقاً لتقويم آخر. فقال له التراب إنه كما يأتي متميزاً متأخراً صبيحة رأس السنة الميلادية، فهو يأتي متاخراً صبيحة رأس السنة الهجرية. فقال للتراب كل عام وأنت بخير، أخبرني عنك وهذا اليوم، كي أكون لائقاً بالاحتفال.

فقال التراب إنه يوم حزين فالبس سوادك، ففي مثل هذا اليوم هجرتان، هجرة النبي محمد من أهله وداره بسبب الظلم والأذى على يد أبي سفيان زعيم تجار قريش، ليبحث عن مكان لحرية الفكر والقول والنشر والتجمع والتنظيم، وحيث تصان حقوق إلإنسان بعدما نكل وتنكر قوم مكة وزعاماتها لميثاق حقوق الإنسان الذي يعرف بحلف الفضول ويصون الحقوق الأساسية للناس.

وفي هذا اليوم هجرة حزينة أخرى للإمام الحسين من مدينة جده رسول الله إلى كربلاء لمنازلة العصر مع جيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فيتقابل الحفيدان بالموضوع ذاته منازلة الجدين مع فارق أن المنازلة الأولى انتهت بالهجرة، والثانية تبدأ بها لتنتهي بالحسين شهيداً.

فسأل الصباح التراب، هل هو صراع على حكم مكة، وصار قتالاً لحكم الشام؟ فأجاب التراب: قضية محمد وحفيده الحسين كانت الإمامة، لا الخلافة، والإمامة غير الخلافة، فعلي بايع للخلافة سواه وبشروط، والحسن كذلك، فالخلافة حكم ميزانه العدل، أما الإمامة فهي قيادة أمة لا تشترط الحكم والسلطة، إلا متى تاه الحاكم عن العدل، وأشهر السيف والرمح بوجه الإمام، فلا محمد نازع أبي سفيان على حكم، ولا حفيده الحسين نزاع حفيد أبي سفيان على تاج، ضاق أبي سفيان وحفيده بمحمد وحفيده وحبّ الناس لهما ومرجعيتهما للناس بالفكر، فوضعا السيف حكماً، وحيث ارتضى الحاكم حرية الإمام بالقول والنشر والتجمع والتنظيم ما قامت ثورة الإمام، وحيث أقام الحاكم العدل قبله الإمام خليفة ومنحه البيعة، وإن جاءت البيعة بالرضا للإمام صار خليفة، وإن لم تأت لم يسع إليها. فالإمامة هي همه واهتمامه بما هي بناء أمه راشدة ناضجة واعية تحسن رسم مساراتها وقضاياها وتمسك أمورها بين يديها، وتعرف الله وتحبه بحب الناس، وتهلف إليه باللهفة على المظلوم ولا ترد أمر الله بألا ترد السائل ولا تنهر اليتيم وقدم الدم رخيصاً للدفاع عن الأرض والعرض والكرامة والحرية، وهي قيم الله بين عباده.

فقال الصباح للتراب وقد بكى لما لحق بمحمد وحفيده من أذى وظلم وما قدّما وتحملا من تضحيات وقال للتراب: دعني ألبس سواد غيمة وأعود…. وتمرغ الصباح بالتراب ومضى يسأل جده الصباح عن سيرة عاشوراء وهجرة النبي والدمع يبلل خديه ندى طرياً على خدّ وردة… صباحكم عدل وحرية ووطن يستحق الشهادة.

بساطة العطر وعطر البساطة الاثنين 27-10-2014

قرأ الصباح الصحف بلغات الأرض قبل انطلاق مسيرة تجواله، وتوقف عند رائحة الحبر التي تجمعها، ومن نوع الورق الخشن الملمس، أراد أن يتعلم من الناس قيمة المعرفة، فكلما ازداد ورقها نعومة وسلاسة وبريقاً هبطت قيمة ما فيها. فقال كلما بالغت الأنثى بعدة الزينة والتجميل أرادت إخفاء عيب من عيوبها ونقصت علامة جمالها. وكلما لجأت إلى صفحة الورق الطبيعية لبشرتها وخطت عليها بأسود حبر الكحل فقط، كانت ثقتها بالمخزون الذي يلفت الأنظار ويبهر النظار أكبر. وقال كلما زادت كلفة التغليف في السلع وتوضيبها بالأجمل نقصت قيمة صدق ما يرد في الإعلان عنها. وكان المراد رشوة العين ليصمت العقل عن التدقيق. وكلما زادت بهارات اللحوم كان عمر تخزينها أطول وصحّتها مشكوك فيها. وكلما غسلت الأسماك بماء مثلّجة جارية كانت قد تخطت عمرها الافتراضي لوجبة صحية سليمة. وكلما تزينت الدول بشعارات كبيرة كحقوق إنسان والديمقراطية كانت تخفي مشاريع حروب وعدوان.

وكلما تكاثرت طبقات الألقاب على الحكام كانوا معدومي القيمة كصاحب الجلالة طويل العمر خادم الحرمين الشريفين. كذلك أصحاب العلم والمعرفة، الدكتور المثقف المناضل الأستاذ الكبير المفكر العربي، دلّت ألقابهم الطويلة على ألسنتهم الطويلة وعقولهم المتسطيلة، ومثلهم العشاق والأزواج كلما جاؤوا بجملة طويلة عن الحب وأكثروا من الهدايا ما يزيد عن عاداتهم كانوا يخفون خطيئة يشعرون بثقلها وحدهم. فتطلع الصباح على الوردة وقال لو أراد خالقها أن يجعلها ورداً وثمراً في آن لفعل، لكنه وجد فيها ما يكفي لتكون نعمة وبركة عند الصباح، فمنحها لوناً واحداً في الغالب ورائحة عطر واحد، واسماً من كلمة واحدة، إلا شقائق النعمان فجمع فيها كلمتين ولونين ورائحة عطرين لتكون وردة الشهداء. لهم الصباح ولكم صباح البساطة والعفوية والكلمة الواحدة واللون الواحد والعطر الواحد… صباحكم خير.

مشمومٌ تونس ياسمين الثلاثاء 28-10-2014

في جولة الصباح على الجغرافيا، تاه في بحر عطر عندما توقف في مكان من أسواق تونس مليء بأطنان من زهور الياسمين وأزرار الفلّ فقط. بياض كالثلج وعطر فوّاح، وأياد عاملة بالمئات تربط الأزرار بطريقة تشبيك وضمّ فنية، تجعل كل عشرة أو مئة على شكل زهرة، وأعوادها تعزّز بعضها لتصير بقوام الزهرة الممشوق، أما الياسمين فمشكوك بعيدانه مرسوم منه أشكال وأنواع للطبق الصباحي، ولعروة البدلة الرمسية ولهدايا العشاق وللأعراس والأعياد ومواسم الأفراح. مر الصباح اليوم على سوق المشموم في تونس فوجد السوق فارغاً، فقد نضبت الزهور والورود وتشكيلاتها مع الفجر وفاح العطر وتوزّعت زهرات مبعثرة لم تشملها أطياف الزينة. فسألها فقالت بفرح لقد كان العرس الليلة حتى الفجر فاذهب واحتفل مع المحتفلين إن البلد خرج من الغمة، وعرف الفرحة الكبرى، فقد انزاح عن صدر الناس ثقل سنين قهر وقلق وخوف، وجاء الأمان وعاد إلى الحرية رونق وعطر وحياة وفرح، فالانتخابات حملت للناس ثأراً للشهداء ونوراً للأيام المقبلة. فقال الصباح صباحكم ياسمين من الشام ومن الشام السلام، وصباحاتكم تونسية خضراء يشعّ فيها الضياء.

طرابلس رشيدها كرامة الأربعاء 29-10-2014

حاول الصباح أن يتفادى المرور في الأماكن المزدحمة ليصل باكراً، ولما رأى الأسواق القديمة في طرابلس فارغة وقد حاول عبورها مراراً، وتأخر بسبب كثرة الناس، اعتبر الفرصة مواتية للتجربة. فشمّر عن قدمية ومشى. سمع الصباح أصوات معركة دارت قبل يوم وقد التصقت بالجدران وبقايا مشاهد رعب بقيت محفورة على زوايا الأزقة، فاستحضرها وسمع ورأى هول ما جرى وكيف أن حرباً كاملة قد دارت لساعات بكل أنواع السلاح، بين الجيش و«داعش» تسانده «النصرة». فسأل عن صباح «داعش» فقالت الأسواق نساء سبايا، وعن صباح «النصرة» فقالت نساء صبايا، وعن صباح الجيش فقالت تحرير السبايا وحماية الصبايا. فانضمّ الصباح عسكرياً في الجيش لنوبة الحراسة الأولى، وجندل بحزمة ضوء بعض «الدواعش» و«النصراويين» وحزمهم بأربطة أحذية عسكرية وجرّهم وراءه كحزمة حطب حتى خرج من أنفاق الأسواق، ورماهم في أول مستوعب نفايات، وأشعل في أطراف ثيابهم بعض قهره ومضى يبحث عن ورد الصباح، فوجده ذابلاً في تشييع شهداء الجيش.

فرش ماء الندى المقطر على جثمان الشهيد ورمى عطر الياسمين من أكمام قميصه ونثر الدعوات والصلوات التي جمعها من زيارات الكنائس والمساجد، فوقف الشهيد ومشى يحمل السلاح ويعود إلى ساحات القتال. وعاد الصباح إلى الوراء ساعتين وقال في سرّه سأكرّر الفعلة عسى يعود شهيد آخر إلى ساحات الوغى، وأقدّم له القهوة ورندحة صوت فيروز، خبطة قدمكم عالأرض هدّارة إنتو الأحبة وإلكن الصدارة… ومشى على رؤوس الأصابع كي لا يزعج سائر الشهداء في نومهم الهادئ… وهو يقول صباحكم كرامة تلك طرابلس وذلك رشيد ومنه بقيت الكرامة… صباحك رشيد كرامة وصباح طرابلس وصباحكم خير وكرامة.

أكل وملبس وحب وزواج الخميس 30-10-2014

الصباح يشتاق والصبح له روح، وفي الصباح حنان البحث عن أرواح معذّبة. قرّر الصباح أن يزور العشّاق المعذّبين ويواسيهم، فوجد عاشقاً يعذّبه الغضب، فسأله عن السبب، فقال إنّ الحبيبة التي لا يقدر على نسيانها، لا تتناسب مع تقاليد عائلته وعشيرته. وعاشقة يؤلمها الهجر تبكي الفقد لأنّ أحوال الحبيب المالية لا تتناسب مع مستوى الأهل والأقارب، وعاشقان يقرّران الافتراق لأن اختلاف الأديان يبعد ويتعب ومثلهما لاختلاف العمر يفعلان. فأكمل الصباح دورته ليشهد من تعاكست أسبابهم، من تناسبت أعمارهم وأديانهم، وأحوال المال والجاه والتقاليد، فشهد الملل والحزن في بيوتهم، لأنها لم تعرف العشق يوماً، فعلم أن الغرابة تلازم العشق بمثل ما يلازم المألوف الزواج، فقال للعشاق لا تتزوجوا وللأزواج لا تعشقوا، وقال لكل منهم العشق والزواج كالمأكل والملبس، فلا تأكل لباسك ولا تلبس طعامك، ضرورتان ولا تجتمعان، إلا ما ندر، أن تلتحف بأوراق الخس فتأكلها أو تأكل التمر وتجعل من نواته عقداً فتلبسه. فلماذا لا تطبقون المثل فتأكلوا أي تعشقوا على أذواقكم، وتلبسوا أي تتزاوجوا على أذواق الناس، فإن فعلتم زالت من عيونكم دموع كثيرة، فأنتم حتى عندما تعشقون تتعذبون لحساب العاشق بمعايير الزواج، وعندما تتزوجون تبحثون بمقاييس عاشق فيصيبكم الفشل أو الندم. قالها الصباح وهو يعلم أنّ كثيراً من النقمة ستناله بسبب القول، لكنه مضى فهو لا يريد جزءاً ولا شكراً… قل كلمتك وامشِ قال الصباح للصباح… صباحكم خير وحسن اختيار ولا أوان يخجل من أوانه أو زمان يستحي من زمانه… ونصف النجاح والفرح ذكاء التوقيت… صباحاتكم توقيت فرح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى