تركيا والسباق بين حلّ سياسي أو عسكري لإدلب في سوتشي!

محمد ح. الحاج

تتناقل وكالات الأنباء ومعها صفحات التواصل الاجتماعي الموالية والمعارضة على حدّ سواء أخبار الحشد العسكري والاستعداد لتحرير محافظة إدلب وما تبقى من ريف حلب، كما تورد الأخبار عن حصول اشتباكات وقصف مدفعي في سياق التمهيد أو تسخين الجبهة من محاور عدة.

تركيا التي لا تخفي قلقها وتخوّفها من حصول المعركة تتوجّه لمخاطبة الجانب الروسي طالبة التدخل ومنع حصول المعركة، لكنها لا تقدّم حلاً يعيد المحافظة إلى سلطة الدولة واستعادة مؤسّساتها وخاصة الإدارية والخدمية بسبب الانتشار الكثيف لعناصر جبهة النصرة الإرهابية، ويبدو أنّ الإدارة التركية قامت بسحب نصف قواتها العسكرية على الأرض، ويُرجّح أنها أوكلت قيادة قوات العصابات إلى جبهة النصرة التي تفرض سيطرتها والتي تتفق في تفكيرها وسلوكها على الأرض مع توجهات حكومة حزب العدالة والتنمية الأردوغاني.

من المؤكد أنّ الحكومة التركية لا تراهن على موقف داعم من الدول الحليفة في حلف الناتو، وخاصة الأوروبية منها حيث ينصّ بند الدفاع عن الحدود المعروفة لدول الحلف، وتركيا حالياً ليست ضمن حدودها بل هي في أراضي دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة، دولة ذات سيادة وتتجه أغلب الدول الأوروبية لإعادة الاعتراف بها وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، ويأتي الموقف التركي ضعيفاً بسبب ما التزمت به أمام الحلفاء الضامنين روسيا وإيران – في أحد أهمّ لقاءات سوتشي التي تعالج المسألة السورية والتي حدّدت المهمات التركية وغيرها على أنها رقابية فقط ويدعم الموقف الروسي أحقية الدولة السورية باستعادة سلطتها على كافة أراضيها المعروفة، إضافة إلى تصنيف جبهة النصرة دولياً بأنها إرهابية.

تفيد الأخبار من داخل محافظة إدلب بانهيار الروح المعنوية لأغلب التنظيمات، مترافقة برعب حقيقي من قصف روسي مكثف يسبق اقتحام الجيش السوري لمواقع المسلحين من أكثر من محور واتجاه رغم كثافة انتشار هذه العصابات. وهذا لا يشكل عامل قوة لها بل عامل ضعف بسبب تناحرها وعدم اتفاقها رغم ما يتسرّب عن نجاح تركي في إنشاء غرفة عمليات موحدة، يمكن تدميرها وتشتيت من فيها بعد القضاء على أغلبهم، ويكون ذلك إما بسبب انكشافها استخبارياً بطريق التنصّت والتصوير المستمرّ أو بسبب اختراق الفصائل ووجود مخبرين يقومون بمهام تخريبية داخلية وكشف مواقع ومخططات العصابات. وعلى هذا الأساس تبادر وحدات بكاملها جماعياً وإفرادياً بتقديم طلبات الانسحاب والنزوح إلى الداخل التركي ويرشح أنها تجاوزت العشرة آلاف طلب لم يبت فيها حتى اللحظة.

الذين رفضوا التسوية في مواقعهم الأولى حيث كانوا في باقي المحافظات لا أمل في انصياعهم للعقل وتجنيب المنطقة الخراب والدمار، فهم لن يكونوا الخاسرين بطبيعة الحال طالما قرّروا القتال حتى النهاية، رغم ما يُشاع عن تزعزع ثقتهم بالدول الداعمة والمشغلة ويدركون أنها معركتهم الأخيرة. أما مَن بقي من سكان المحافظة الأصليين، سواء من استمرّ بالوجود حفاظاً على أملاكه ورفض النزوح، أم من بقي مؤيداً وشكّل بيئة حاضنة مخدوعاً بقدرة هؤلاء على إقامة دولة على مزاجه أو الالتحاق بركب المنادين بالانضمام إلى تركيا فهؤلاء سيُصابون بخيبة كبرى. وقد يبادر الكثير منهم للقفز من المركب المشرف على الغرق ورفع راية العودة إلى الدولة، وربما يعبّرون عن ذلك بمحاولة الضغط على عصابات الغرباء في بعض المناطق وإخراجهم ورفع العلم الوطني إعلاماً للسلطات لتجنيب مناطقهم القصف والدمار.

مصادر الداخل الإدلبي أفادت عن قيام تركيا بسحب الكثير من قيادات هذه الجماعات من الأجانب، شيشان وتركمان وإيغور وغيرهم، ولم يذكر شيء عن القادة من أصول عربية، كما لم تتأكد هذه العمليات بشكل رسمي، البعض يقول إنّ الإرهابي السعودي – المحيسني موجود في منطقة قريبة جداً من الحدود التركية ومعه آخرون من جنسيات عربية.

الدولة السورية تولي أهمية لتحرير محافظة إدلب وريفها وما تبقى من ريف حلب حتى الحدود المعروفة مع تركيا، قبل التوجه شرق الفرات حيث أصبح الطريق سهلاً وميسّراً بعد المواقف العاقلة والإيجابية من قيادة قوات ما يعرف بـ «قسد»، وقبل ذلك الموقف الحازم للعشائر في تلك المنطقة، وبعد زيارة وفد رسمي إلى دمشق واللقاءات والمحادثات الناجحة التي أجراها والتطمينات ووضع الخطوط العريضة لمستقبل التعامل تعطي للدولة هامشاً واسعاً من الاطمئنان والثقة بمستقبل المنطقة، وسيكون خروج القوات الغريبة الأميركية والفرنسية وكذلك التركية حتمياً في نهاية المطاف دون وقوع صدام عسكري لا يعلم أحد نتائجه ونهاياته.

تختلف كثيراً البيئة في منطقة الجزيرة شرق وشمال الفرات عن بيئة إدلب وريفها وريف حلب الشمالي بما لا يدع مجالاً للتفاؤل بموقف مماثل لإدلب يشكل ضاغطاً على المسلحين، وإذا كان مسلّحو «قسد» قابلين للتعاون مع الجيش السوري والانضمام لوحداته، فإنّ أغلب المجموعات التي تمّ جمعها في إدلب لا يمكن لها أن تتفق أو تتعاون مع الجيش السوري، ولن تستسلم له خصوصاً أنه يغلب على تشكيلاتها الوحدات التابعة لجبهة النصرة والتي جاءت من وسط وجنوب البلاد نتيجة تسويات في ختام معارك خاسرة، وقبول هؤلاء بالخروج من تلك المناطق مراهنين على تجمّعهم في كتلة كبيرة تدعمها تركيا التي نشرت قوات لها بينهم وشكلت بعض وحدات النصرة أدلاء للوحدات التركية ونطاق حماية لها.

انتصارات الجيش السوري المتلاحقة وهزائم العصابات أعطت للمواطن السوري انفراجاً واسعاً في معنوياته وأملاً كبيراً في اقتراب نهاية العمليات العسكرية ومآسيها، وأيضاً في استعادة الأنشطة الحياتية الزراعية والصناعية والاقتصادية وعودة دورة الحياة العامة إلى طبيعتها، ولهذا تأثيره الشامل في الدفع إلى مزيد من المواقف المتشدّدة تجاه الوجود الأجنبي غير المرغوب ودعم مطالب الدولة بخروجه بل وحمل السلاح إلى جانب الجيش بمواجهته، لقد آن الأوان لقول كلمة الحق وتنفيذ مضامينها، لتعود سورية دولة موحّدة سيدة لكلّ أبنائها من السوريين المؤمنين بها العاملين لرفعتها والحفاظ على إرثها الحضاري والتاريخي وثرواتها وموقعها تحت الشمس، وليعلن شعبنا أنّ مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة… نخرجها من ظلّ الغرباء وإلى الأبد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى