ضربات على الرأس الأميركي تتسبّب بفقدان التوازن مَنْ يخسر باكستان بالانتخابات فلن يستولي على فنزويلا بالاغتيالات
ناصر قنديل
– تكاد الحالة العصبية المضطربة تختصر وصف حال الإدارة الأميركية بما يتخطّى سمات التقلب والمزاجية والتهوّر والتخبّط التي يتسم بها الرئيس الأميركي على المستوى الشخصي، بل ربما يبدو الرئيس دونالد ترامب الأشدّ توازناً بين الفريق الصانع للسياسة في واشنطن، فهو بالأصالة كان في حملته الانتخابية قد نعى أميركا العظمى داعياً لأميركا العظيمة، وقدّم وصفته التي تراجع عنها سريعاً أمام ضغوط مؤسّسات القرار الأمني والعسكري التي تشكل مركز الثقل في صناعة القرار. وكانت الوصفة تفاهماً شاملاً مع موسكو مُنع من الذهاب إليه، وحتى عندما ذهب بعد محاولات فاشلة لتعديل التوازنات الدولية، جرى تقييده بهجمات تشكيكية جمّدت مفاعيل تفاهمات هلسنكي، بينما كان التخلي عن دور الشرطي جوهر دعوة ترامب للتفرّغ لإعادة بناء أميركا المتهالكة من الداخل، حسب وصفه.
– الضربات المتلاحقة على الرأس الأميركي كفيلة بإفقاده التوازن، فلا ملفّ من الملفات الكبرى التي تمكّنت واشنطن من تحقيق اختراق جدّي فيه، وها هو ملف السلاح النووي لكوريا الشمالية الذي أوحى ترامب أنه قيد الإنجاز، يتعثر باعتراف وزير خارجيته الممسك بملف التفاوض مايك بومبيو، وفي المواجهة مع إيران التي جعلها عنوان ولايته يفقد ترامب بوصلة التوجّه، فالمزيد من التصعيد والتشدّد في العقوبات يوصل حكماً إلى حرب مضائق وممرات مائية، وحرب ناقلات نفط، كما قالت الأيام القليلة الماضية، سيلتهب مع بشائرها سوق النفط والغاز، ويدخل العالم في مجهول اقتصادي واجتماعي، واضطرابات اجتماعية وأمنية لن تنجو منها الدول الكبرى، بينما صفقة القرن تتعسّر ولادتها، ولا ولادة قيصرية لها بغياب شريك فلسطيني يواجه حكماً مسبقاً بالإعدام من الشعب الفلسطيني ومقاومته. ومحاولات الإنعاش تصطدم بعجز شركاء واشنطن وتل أبيب من العرب عن المجاهرة بتبنّي تسوية تتنازل عن القدس وحق العودة وتحصر الدولة الفلسطينية في غزة، بينما في ملفات سورية والعراق ولبنان واليمن، فهزائم بالجملة، ورغم كلّ العثرات، يمسك محور المقاومة بأوراق اللعبة، وخيوطها وخطوطها. وكان آخر الفشل في قمة هلسنكي عندما ظهرت درجة التمسك الروسي بالعلاقة مع إيران، وسقوط الرهانات الأميركية الإسرائيلية المعاكسة، والحليفان الأهمّ في المنطقة لواشنطن يواجهان تحديات لا يحسدان عليها، سواء حال السعودية في اليمن، أو حال «إسرائيل» مع غزة.
– مناخ الفشل الأميركي كمناخ الانتصار، ينتج تردّدات وتداعيات في مناطق التوتر المتأرجحة سياسياً، ففي حال الفشل يتغيّر المزاج والمناخ باتجاه مناهض للتيارات المرتبطة بواشنطن، وتصعد التيارات المناوئة وتنتقل من الدفاع إلى الهجوم. وهذا ما قالته باكستان في ضوء نتائج كلّ المواجهات التي تقودها واشنطن في المنطقة. ففاز من رفض تلبية الدعوة الأميركية السعودية للمشاركة في حرب اليمن، وليس من سوّق وروّج لهذه المشاركة، وحصد نتائج الانتخابات من دعا مبكراً لتعاون إقليمي باكستاني روسي صيني إيراني، لا مَنْ تمسّك بالالتحاق الذليل بالمسارات التي ترسمها واشنطن، ولأنها باكستان الدولة الإسلامية الأهمّ والدولة النووية، فخسارتها أميركياً ضربة على الرأس الأميركي المصاب بضربات متلاحقة حتى فقدان التوازن.
– محاولة اغتيال الرئيس الفنزويلي لا تحتاج إلى بصمات جنائية ليُشار بأصابع الاتهام نحو واشنطن، فلو كان لدى الأميركيين أمل بالفوز بفنزويلا عبر الانتخابات، لما لجأوا للاغتيال، والاغتيال السياسي والرئاسي منهج أميركي قديم له سجل حافل، وفشل المحاولة كما نجاحها سيفتح باب مواجهة كبرى في أميركا اللاتينية يخطئ مَنْ يستبعد أنه سيكون بداية تهاوي حجارة الدومينو للحكومات المتورّطة بعملية الاغتيال لحساب الراعي الأميركي. ففي اللحظات التاريخية الكبرى، كما قالت ذات يوم وزيرة الخارجية الأميركية غونداليسا رايس في وصفها للانهيار السوفياتي، «إنّ الإمبراطوريات العظمى عندما تتوافر لها أسباب السقوط لا تبلّغك أنها ستسقط، إنها تسقط فحسب، تأتي بلا إنذار مبكر، كالزلازل والطوفان». وهذا هو حال أميركا اليوم.