تركيا لإنعاش «داعش»… وواشنطن غير معنية بإسقاط الأسد استئناف الغاز لأوروبا… وتفاؤل بالحلّ الأوكراني… والإيراني

sasasasassa

كتب المحرر السياسي

أراد البيت الأبيض نفي أي علاقة له بالدولة السورية، وأي سعي لتعويم العلاقة بالرئيس بشار الأسد، وتأكيد الموقف الرافض لشرعيته، رداً على الانطباعات التي تولدت لدى حلفاء واشنطن من جراء تصريحات وزيري الدفاع والخارجية الأميركيين، لجهة الإصرار على حل تفاوضي في سورية، والقول إن الحكومة والجيش في سورية يستفيدان من حرب التحالف الدولي ضدّ «داعش» و«النصرة».

اضطر البيت الأبيض للاعتراف أنّ موقفه المبدئي الرافض للعلاقة بالحكم في سورية، لا يملك خريطة طريق واقعية، للذهاب إلى أبعد من القطيعة، فإسقاط النظام لم يعد ممكناً واقعياً والتحديات تغيّرت، والحلّ السياسي يتضمّن من زاوية واشنطن تنحّي الرئيس الأسد، كما تقول المعارضة، التي تعيش في الكنف الأميركي، لكن في النهاية التفاوض موازين قوى، فمعارضة تتلاشى وتفقد مواقعها، لا تملي الشروط وبالكاد تنال مقعداً حجزه لها الحضور الأميركي العسكري في المنطقة، بمثل ما حجز لها، مكاناً في الصورة التذكارية في عين عرب.

البيت البيض لم يعد معنياً بامتلاك خريطة طريق وأهداف تتصل بمستقبل سورية، هذا هو جوهر ما يقوله البيت الأبيض، والحرب على الإرهاب هي السياسة الوحيدة لواشنطن في الشرق الأوسط، وفي هذه الحرب حلفاء واشنطن لا يملكون أفضلية لديها إلا بمقدار مساهماتهم في هذه الحرب، والمعارضة السورية المعتدلة هدف نظري سيبقى موضع دعم واشنطن، لكن لا تملك أميركا إعادة زمن المعجزات لتدبّ الحياة في هذا الجسد الميت وتتحوّل الفانتازيا إلى أكثر من تمنيات وأحلام.

انتهى زمن الحديث عن إسقاط النظام في سورية، وليست واشنطن من فرض هذه النهاية لحرب الثلاث سنوات، بل الذين جعلوا أوهامهم بالرهان على الإرهاب سياسة رسمية لحلف الحرب على سورية، وسايرتهم واشنطن بعدم استدراك مخاطر هذه الأوهام والرهانات قبل فوات الأوان، ووقوع المحظور، ولم تعد قضيتها الجواب عن سؤال وماذا عن إسقاط النظام، الذين يريدون المقايضة بين شراكتهم في الحرب على الإرهاب بسماع جواب واشنطن على هذا السؤال، يضعون أنفسهم خارج الحلف مع واشنطن.

هذه الرسالة الأميركية، جاءت لكلّ من الرياض وأنقرة وفقاً لتأكيدات مصادر الحركات الإسلامية الوثيقة الصلة بالرئيس التركي رجب أردوغان، وأكدت المصادر صحة ما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» عن استئناف تركيا لتوريد نفط «داعش» عبر أسواقها والسماح بدخول المقاتلين والسلاح، كما أكدت المصادر أنّ بيان البيت الأبيض التوضيحي حول النظرة لسورية جاء تأكيداً للرسالة التي تبلغتها أنقرة، كما جاء الكلام المسهب للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عن لقائه وتفاهمه مع الرئيس الأسد تعبيراً عن موقف ضمني لواشنطن وليس مجرّد اجتهاد شخصي.

بالتوازي كانت الحلحلة تطلّ برأسها على طاولة التفاوض الأوكراني مع روسيا، حول ملف الغاز والمتأخرات المالية المترتبة على أوكرانيا، تعهّدت أوروبا بتسديد أوكرانيا للمستحقات، تلبية لطلب روسي بالضمانة الأوروبية، ليتمّ استئناف ضخ الغاز الذي توقف عن أوكرانيا وأوروبا معاً منذ حزيران الماضي.

التفاهم حول الغاز كلمة سرّ لمجموعة تفاهمات، تتصل بالأزمة الأوكرانية من جهة، وبالعلاقات الأميركية ـ الروسية والأوروبية ـ الروسية من جهة أخرى، ولم يكن التفاهم النووي الإيراني مع مجموعة 5 + 1 بعيداً عن هذه الحلحلة، حيث قالت مصادر روسية أنّ العقد كلها نحو انفراج لن يجعل تمديد المهل مطروحاً، لأن الاتفاق سيبصر النور في الموعد المقرّر.

مناخ الحلحلة، يعبّر عن لحظة دولية وإقليمية يفقد فيها حلفاء واشنطن حيويتهم لحمل لواء الحرب على الإرهاب، بينما يتقدم خصومها ساحات المواجهة ويحققون النجاحات من لبنان إلى سورية والعراق وصولاً إلى اليمن، ومثلما لا يقيم الجميع حساباً للكلام التركي عن الشراكة في الحرب على الإرهاب، ويتبسّمون سخرية عند سماع الكلام التركي بعدما حملت أنباء الأمس دخول ألف مقاتل عبر الحدود التركية لحساب «داعش» في العراق وسورية.

كذلك لا ينتظر المشاركون في هذه الحرب، موقف السعودية، التي ترتبك يمنياً وتشجع التمديد للمجلس النيابي لبنانياً، بينما فاتها قصب السبق في المعركة اللبنانية الحاسمة مع «داعش» و«النصرة» التي شهدتها طرابلس، قبل أن يصل السلاح الموعود بالهبات المقرّرة التي تأخرت أو تبخرت كما يقول النائب وليد جنبلاط.

بينما يستعدّ الحوثيون في اليمن للدعوة إلى مؤتمر تأسيسي ووضع دستور جديد، إذا استمرت المماطلة بتشكيل حكومة الشراكة الحقيقية بناء على التعليمات السعودية، وعين الحوثيين على الحرب على «القاعدة»، يستعدّ اللبنانيون لجلسة تمديد للمجلس النيابي، وعينهم على مفاوضات غامضة يجريها الموفد القطري حول مصير العسكريين المخطوفين، وإجراءات نوعية يتخذها الجيش شمالاً يتوقع أن تحمل نتائجها مفاجآت أمنية، بينما القلق مما سيفعله مسلحو الجرود الذين يسجنهم الثلج وموسمه المتقدم بسرعة، سواء شمال البقاع أو جنوبه.بينما بقي مصير التمديد عالقاً على «الميثاقية» بحسب مفهوم رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمفقودة حتى الآن، واصل الجيش التصدي للحرب الأمنية مع التنظيمات الإرهابية في طرابلس وعكار، من خلال حملات الدهم لمخابئ الأسلحة التي لا تزال تتدفق على طرابلس وتعطيل المتفجرات المعدة لاستهداف الجيش في مناطق شعبية.

والبارز في هذه الحرب الجديدة، دهم الجيش منزل والديّ رئيس «جمعية اقرأ» الشيخ بلال دقماق في منطقة أبي سمرا في طرابلس، ومصادرته كمية من الأسلحة. وفيما قال دقماق الموجود في تركيا، إنّ الأسلحة «قديمة وبالية» وموجودة منذ مدة، أوضحت قيادة الجيش أن قوة من الجيش رصدت في محلة أبي سمرا ليل أول من أمس، «تحركات مشبوهة لأشخاص يقومون بنقل صناديق مجهولة المحتوى وبطريقة مريبة، فتمت مداهمة المكان حيث عثر على كميات كبيرة من الأسلحة المختلفة، وقواذف آر بي جي».

وإذ أعلن دقماق أنه سيتابع الموضوع «مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، و«الصديق» العميد عامر الحسن، رئيس فرع المخابرات في الشمال». أكدت مصادر شمالية لـ«البناء» أن دقماق أجرى اتصالاً من تركيا بمخابرات الجيش، أبلغها فيه أن الأسلحة التي صادرها الجيش في منزل والده لا تعود له إنما لطرف آخر». وإذ رفضت المصادر تحديد هوية هذا الطرف، أكدت «أن دقماق على علاقة وثيقة وقوية بداعي الإسلام الشهال ووزير العدل أشرف ريفي». في حين أشارت مصادر أخرى إلى «أن هذه الأسلحة تعود لـدقماق الذي يقود تنظيماً مسلحاً شارك إلى جانب التنظيمات الإرهابية الأخرى في استهداف طرابلس».

وفي اتصال لـ«البناء» مع ريفي لاستيضاحه ما قالته المصادر عن علاقته بدقماق، قال وزير العدل: «لا تعليق لا تعليق»، مكتفياً بالإشارة إلى «أن دقماق على علاقة جيدة بالجميع».

صاروخ مفخخ ومتفجرات

وفي الموازاة، «عثرت قوة من الجيش أثناء قيامها بدورية تفتيش في محلة سوق الخضار في مدينة طرابلس، على صاروخ عيار 107 ملم مفخخ، و5 عبوات ناسفة معدة للتفجير عن بعد، قدرت زنتها بحوالى 23 كلغ، كان قد وضعها المسلحون لاستهداف وحدات الجيش، أثناء تنفيذ العمليات العسكرية الأخيرة في المدينة»، بحسب بيان للقيادة.

ولفت مرجع بارز في حديث إلى «البناء» إلى أن «ما يقوم به الجيش من مداهمات واكتشافه العديد من مخابئ الأسلحة في طرابلس وعكار وآخرها في منزل دقماق يؤكد أنه كانت هناك خطة معدّة من قبل المجموعات الإرهابية استبقها الجيش اللبناني بالحملة الأخيرة وتطهير المدينة وبعض المناطق العكارية». وشدد المرجع «على أهمية المعركة الأمنية التي يواجهها الجيش»، مشيراً إلى أنها توازي المعركة العسكرية.

العين على الجولان وشبعا والمخيمات

وفي ظل الترابط بين المشهدين السوري واللبناني، تتجه أنظار الجيش السوري وحزب الله إلى منطقة الجولان السورية، بسبب مخاوف من تحولات سياسية وعسكرية خطيرة في تلك المنطقة قد ترتد سلبياً على المناطق اللبنانية في شبعا وكفرشوبا وحاصبيا من جهة، وتحركات باتجاه قوسايا ومجدل عنجر وقرى شرق زحلة من جهة أخرى.

وأشارت مصادر مطلعة إلى أن حزب الله تلقى تحذيرات من أعمال عسكرية متطورة ستشهدها مناطق الجولان، وتمتد باتجاه المناطق اللبنانية بتحريك وإشراف من ضباط إسرائيليين ومن خلال دور فاعل ستلعبه التنظيمات الأصولية وأبرزها «جبهة النصرة» في فتح معركة عسكرية في مناطق حاصبيا وشبعا من خلال الخلايا الأصولية النائمة التي تتكاثر في كفرشوبا وشبعا.

خلايا «داعشية» في شاتيلا وبرج البراجنة

كما تحدثت المعلومات عن تنشيط لـ «خلايا داعشية» في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة، قوامها المئات من المسلَّحين الذين تسللوا إلى لبنان وسط النازحين الفلسطينيين من مخيم اليرموك، بانتظار الضوء الأخضر لافتعال تفجير خطير ضد حزب الله .

الموفد القطري ينتظر مطالب «النصرة»

على صعيد آخر، واصل الموفد القطري المكلف التفاوض مع خاطفي العسكريين، جولاته المكوكية بين مواقع «جبهة النصرة» و«داعش» في جرود عرسال والقلمون لتسلّم مطالبهما من أجل إطلاق المخطوفين.

وعلم أن الوسيط حصل على لائحة مطالب من «داعش» وهو ينتظر تسلم مطالب «النصرة» من أميرها أبو مالك التلة، ثم سيجتمع مع مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم لتسليمه اللوائح وانتظار قرار الحكومة في شأنها».

الميثاقية لا تزال غير متوافرة

سياسياً، لا تزال جلسة الأربعاء النيابية المتعلقة بالتمديد مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل عدم توافر ضمانة ملموسة لنجاح التصويت على التمديد إذ يصر رئيس المجلس النيابي نبيه بري على تأمين الغطاء المسيحي اللازم لهذه العملية انطلاقاً من الميثاقية، بينما لم تعط الكتل المسيحية الرئيسة أجوبة ايجابية في هذا الصدد.

وعلمت «البناء» أن بري كما أكد سابقاً لن يكتفي باحتساب الحضور لتأمين الميثاقية بل يريد تصويتاً صريحاً لصالح التمديد من قبل المكونات المسيحية أو على الأقل قسم منها، وتحديداً، إما «التيار الوطني الحر» أو القوات اللبنانية بالإضافة إلى النواب المسيحيين مع الكتل الأخرى، وقد أبلغ هذا الموقف إلى المعنيين، مع العلم أن مصادر التيار تؤكد أن قرار التصويت ضد التمديد متخذ ولا رجوع عنه، وأن «القوات»، حتى الآن، تتجه إلى الموقف نفسه في إطار المزايدة التي تعتمدها لإرضاء جمهورها.

القوات تذكّر بري بـ«تأديب» النساء

وفيما تجنبت مصادر «القوات» الرد على ما قاله الرئيس بري عن أن التمديد لن يكون ميثاقياً ما لم توافق عليه المكونات المسيحية، أكدت لـ«البناء» أن «موقف القوات سيعلن في الأيام القليلة المقبلة»، مذكّرة «بالجلسة العامة في نيسان الماضي التي صادق فيها المجلس النيابي على مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري، الذي انقسم حوله النواب بين مسيحيين ومسلمين، حيث صوت «النواب المسيحيون» ضد التأديب، في حين صوت المسلمون لصالحه».

أما النائبان بطرس حرب ودوري شمعون، فأكدا «سيرهما مرغمين في شأن التمديد لأن ثمة إشكالية تواجه النظام السياسي ككل ما يحقق أهداف المؤامرة لإسقاط كيان الدولة». واعتبر حرب في مؤتمر صحافي مشترك مع شمعون أن «الجميع مقتنع باستحالة إجراء الانتخابات بدليل أن كل الأفرقاء امتنع عن القيام بأي نشاط انتخابي في كل الدوائر». وقال: «نفهم موقف مسيحيي 14 آذار في شأن رفض التمديد للضغط على معرقلي الانتخابات الرئاسية، لكن لا يمكننا فهم القوى المسيحية الأخرى التي ترفض التمديد من دون تقديم مبادرة جدية».

في غضون ذلك، برز موقف سعودي مؤيد للتمديد، إذ اعتبر السفير السعودي علي عواض عسيري أنّ قرار التمديد أصبح ضرورة، معرباً عن ارتياحه «لأنّ هذا القرار سيتخذه اللبنانيون بأنفسهم».

كما أكد أنّ بلاده لا تضع فيتو على أي مرشح للرئاسة في لبنان.

الحكومة لم تحترم الطائف

إلى ذلك، وفي ظل الجمود الذي يسيطر على الاستحقاق الرئاسي، أكد رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أن «الانتخابات الرئاسية ستحصل عندما يقر الجميع أن للمسيحيين الحق بصحة التمثيل بمجلس النواب كما في موقع الرئاسة».

وتطرق عون خلال رعايته عشاء هيئة محامي التيار الوطني الحر، إلى الحرب في سورية وانعكاسها على لبنان جراء عدم تطبيق الحكومة سياسة النأي بالنفس فتركت «الحدود سائبة يجتازها من يشاء وينقل عبرها من يشاء وفقدت الدولة سلطتها»، لافتاً إلى أنه «هكذا تنازل لبنان عن المادة الثامنة من ميثاق الجامعة العربية التي تنص على احترام كل دولة نظام الحكم في الدول الأخرى وأن لا تعمل على تغيير ذلك النظام فيها، ولم يتم احترام ما ورد بالطائف الذي ينص على أن لا يكون لبنان ممراً أو مستقراً لما يمس أمن وأمان سورية»، معتبراً أنه «كان الأجدى بالحكومة أن تحترم المواثيق ولا تترك أرضها سائبة وهكذا تعرض جيشنا إلى القتل وشرعت أبواب الحدود أمام الأحداث التي نعالج نتائجها اليوم».