بوتين يضع اللمسات الأخيرة على التفاهمات حول سورية مع واشنطن وأنقرة وطهران الحريري في مهلة آخر أسبوع للتأليف بين خطاب نصرالله غداً وموقف عون أول أيلول

كتب المحرّر السياسيّ

تؤكد مصادر على صلة وثيقة بمتابعة الوضع الداخلي الأميركي أن الوضع القانوني واستطراداً الدستوري للرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دخل مرحلة حرجة، لا يمكن حصر أسبابها بما يفعله خصومه ضده، رغم ما تتيحه الأوضاع الجديدة للخصوم من فرص، إلا أن الأساس يبقى بكون المدى الذي بلغته التهم التي باتت بين أيدي الأجهزة العدلية الأميركية والتي تطال الرئيس ترامب شخصياً، وليس مجرد أعضاء في فريقه أو عدد من معاونيه، باتت كافية لفتح ملف مساءلته في الكونغرس، كما هي كافية لتوجيه تهم خطيرة من نوع إعاقة سير العدالة له، وقد صارت الاعترافات الموثقة لأقرب معاونيه ومحاميه الشخصي أمام الأجهزة العدلية تضم ملفات ووثائق تطال دفع رشى وتزوير تمويل الحملة الانتخابية والإنفاق الانتخابي، وشراء ذمم لمنع تحقيق قضائي مستقل، والضغط على المحققين والمسؤولين العدليين لمنح حصانات ومنع تحقيقات. ويُنتظر أن تكبر حجم الملفات التي يملكها الجهاز العدلي الأميركي بوجه ترامب مع مواصلة التحقيقات، التي ستضمّ إلى الاعترافات ضيوفاً جدداً من المقربين لترامب بعد مايكل كوهين المحامي الشخصي لترامب لسنوات والذي يُعتبر صديقاً شخصياً للرئيس، والذي تضمنت اعترافاته القيام بجرائم فدرالية بطلب من ترامب مباشرة. وكان قد سبقه دون ماكغان مستشار ترامب في البيت الأبيض باعترافات تضمنت ثلاثين ساعة من التسجيلات وصفتها النيويورك تايمز بالشديدة الإثارة فيما كشفت عنه من فضائح قانونية في سلوك الرئيس، فيما ينتظر انضمام الصحافيين ديفيد بيكر وديلان انكواير إلى سلسلة الأصدقاء الذين يشدّ بهم المحقق روبرت مولر للخناق على عنق ترامب.

اهتزاز وضع ترامب القانوني والدستوري يربك المشهد الدولي الذي يتعامل بالقطعة مع وجود رئيس لا يعلم أحد متى يتم استدعاؤه أمام الكونغرس للمساءلة، وما إذا كانت ضربة الديمقراطيين القاضية سيتم توجهيها عشية الانتخابات النصفية للكونغرس للتأثير على مسار الانتخابات التي يريدها ترامب نموذجاً مصغراً لمعركته المقبلة للفوز بولاية ثانية. وسيتأثر الحديث عن الآمال بنيلها بما سيجري على ساحة التحقيق، بينما الحلفاء الإقليميون لترامب الذين يرتبط مصير حضورهم بقوة بدرجة قوته، يعيشون الهلع مما يجري في واشنطن. وهذا إن لم يظهر في الصحافة السعودية حيث وضع ولي العهد السعودي كل ما بين يديه في عهدة ترامب، فقد أظهرته الصحافة الإسرائيلية التي توقع بعض محلليها تصاعد حملة المساءلة القضائية بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إذا تصاعد المسار القضائي الأميركي بوجه ترامب.

بالتوازي في موسكو مزيد من الثقة بالقوة الروسية في رسم معادلات جديدة، رغم رعونة إدارة ترامب في التعامل مع الملفات الساخنة، وعدم بناء مراهنات على ما سيجري في واشنطن. فالمصادر القريبة من الكرملين تتحدّث لإعلاميين روس عن إشراف شخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اللمسات الأخيرة حول تفاهمات تمّ التوصل إليها مع كل من واشنطن وأنقرة وطهران حول سورية، من دون الكشف عن مضمونها والاكتفاء بالقول إنها تضمن تغييرات إيجابية في المشهد السوري لصالح استعادة الدولة السورية المزيد من الجغرافيا لسيطرتها، وبناء مظلة دولية إقليمية كافية للإقلاع بمحادثات جنيف وفقاً لرؤية سوتشي، وفتح ملف العودة للنازحين السوريين.

لبنانياً، تبدو المراوحة في الملف الحكومي قد دخلت عنق الزجاجة، حيث المهل تضيق، وتتضاءل القدرة على مزيد من الانتظار لبطء الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري في حسم أمره والتقدّم بمشروعه الحكومي مكتوباً لرئيس الجمهورية ميشال عون. فالمصادر المتابعة للاتصالات والعلاقات السياسية المحيطة بالملف الحكومي توقعت موقفاً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يحفز المساعي لتسريع وضع تشكيلة حكومية على طاولة رئيس الجمهورية وفقاً لمعايير مقبولة قبل تغير هذه المعايير وإعلان فوات الأوان عليها، وبين خطاب السيد نصرالله يوم غد الأحد ومطلع الشهر المقبل. قالت المصادر يفترض على الحريري التحرّك سريعاً نحو بعبدا، لأن رئيس الجمهورية المتمسك بالتعاون مع الحريري سيجد نفسه مضطراً لمصارحته باستحالة الانتظار إلى ما لا نهاية طالما أن المواقف معلومة، وينقصها حسم رئيس الحكومة، ما لم يكن ينتظر شيئاً لا يعلمه اللبنانيون. وعندما يحسم رئيس الحكومة معياراً للتعامل مع طلبات الأطراف السياسية يستطيع وفقاً لهذا المعيار وضع مسودة تشكيلته، بعيداً عن لغة التراضي التي يبرر بها الانتظار الذي يبدو بلا نهاية، فهل نشهد بين الأحد والأحد حراكاً تظهر نتائجه ما بين الإثنين والإثنين في بعبدا؟

ستة أيام تفصل عن الأول من أيلول، الموعد الذي قطعه رئيس الجمهورية للتحرك على الصعيد الحكومي، في حال لم يسارع الرئيس المكلف إلى إنجاز التوليفة الحكومية ورفعها إلى قصر بعبدا. ولما كانت كل الإشارات ثبتت بما لا يقبل الشك أن الأمور لا تزال تراوح مكانها، وأن العقد لا تزال على حالها لا سيما على خط العقدة القواتية، فإن الرئيس عون، سيلجأ الى خطوات سياسية وقانونية عدّة بعد تاريخ 1 أيلول من الإسراع في تأليف حكومة قبل زيارته نيويورك منتصف الشهر المقبل للمشاركة في أعمال الدورة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة.

وبحسب مصادر بعبدا لـ «البناء» فإن رئيس الجمهورية سيجتمع مع الرئيس الحريري من أجل تحديد الخطوات الواجب اتخاذها، خاصة أن إعلان التشكيلة محصور بحسب الدستور، برئيسي الجمهورية والحكومة المكلف حصراً، فهو يريد الدفع باتجاه تأليف حكومة تراعي صحة التمثيل ونتائج الانتخابات، وقد يلجأ الى مصارحة اللبنانيين بحقيقة الأمور وكشف المعرقلين لعملية التأليف، مع إشارة المصادر الى ان الرئيس عون في حال لم يصل في كلمة متلفزة يشرح فيها الوقائع، فإنه قد يوجه رسالة خطية الى المجلس النيابي بهدف اطلاعه على العقبات التي تقف سداً منيعاً أمام الولادة الحكومية. الأمر الذي يستدعي من البرلمان أن يلتئم خلال ثلاثة أيام لاتخاذ القرار المناسب بعد الاستماع الى الرئيس عون.

وقال رئيس حزب القوات سمير جعجع إن البعض يطرح نظريات أن هناك تدخلات أجنبيّة وإقليميّة تعمل لعرقلة التأليف بينما المشكلة هي قضيّة «دكنجيّة» قوامها حصة «القوّات اللبنانيّة» وحصة الحزب «التقدمي الاشتراكي»، مؤكداً أنه ليس على علم بأي عقد أخرى، مضيفاً رئيس الدولة هو رئيس الدولة ورئيس «التيار» هو رئيس «التيار» ويجب عدم الخلط بين الإثنين سائلاً: لماذا يقوم الوزير جبران باسيل بإغلاق الطريق أمامنا من أجل منعنا من الوصول إلى حقيبة سياديّة، ونحن حصتنا هي ثلث الحصة المسيحيّة أو ما يوازيها؟

لم يمرّ كلام جعجع من دون ردّ، فقد غرّد وزير الخارجية على حسابه الخاص عبر تويتر قائلاً: «هذا هو الانتحار السياسي الفردي والجماعي: أن يضرب الإنسان نفسه وأخاه وجماعته من أجل كسب سياسي وزاري ولحظة سياسية عابرة، فيتنازل عن الصلاحية والعرف و»الاتفاق»، ويسمّي هذا دعماً للعهد… أمّا نحن فعلى المصالحة والعهد باقون».

الى ذلك من المرجّح أن يجدد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط موقفه من الحصة الوزارية اليوم في كلمة في الاحتفال المركزي لمؤسسة العرفان التوحيدية سيتطرّق فيها إلى الأوضاع الراهنة على المستويين المحلي والإقليمي ويحدّد موقفاً من القضايا المطروحة.

الى ذلك، يلقي الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله كلمة في مهرجان يقيمه الحزب بعنوان «شموخ وانتصار» الخامسة عصر غد الأحد على ملعب التضامن الهرمل. وبحسب مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» فإن هذا الخطاب سيكون تتمة لخطاب انتصار تموز، بمعزل عن تطورات عدة حصلت بين توقيت الخطابين يفترض أن يتطرق لها السيد نصر الله في كلمته. وتشير المصادر إلى ان السيد نصر الله سيطل على الوضع المحلي في ما خص العقوبات والملف الحكومي، فالتطورات الاخيرة التي فرضتها الأجواء التصعيدية في لبنان أدخلت ولادة الحكومة في ما يشبه النفق المظلم، وبالتالي من المرجح ان يلاقي السيد نصر الله الرئيس عون في مكان ما في محاولة للحث على إحداث خرق نوعي وان كانت ظروف الخروج من الرئيس سعد الحريري كرئيس مكلّف لم تنضج بعد. ولفتت المصادر إلى أن الإطلالة مرتبطة جوهرياً بالبقاع من خلال عنوان هزيمة الإرهاب ومن خلال ما يمثله البقاع من أهمية قصوى لحزب الله وحركة امل على الصعيد الخدمي ومحاولة نزع فتيل التحريض الذي مورس على البقاع طوال أشهر ما قبل الانتخابات وما بعدها. وهذا يفترض بحسب المصادر مقاربة سيببدأها السيد ويستكملها الرئيس نبيه بري في 31 الحالي. وفي الشأن السوري، فإن السيد نصر الله سيأتي على استحقاق إدلب لا سيما أن هناك لغطاً دائراً حوله في بعديه السياسي والعسكري. ومن الممكن أن يطلق السيد نصر الله موقفاً حيال هذا الملف، مع تأكيد المصادر أن هناك جرعة تصعيدية في خطاب السيد ربطاً بالوضع الداخلي وربطاً باليمن والسعودية.

الى ذلك، شهدت عطلة الأضحى جولة لوفد رفيع المستوى من وزارة الدفاع الأميركية على القيادات السياسية والعسكرية. فالتقى الوفد برئاسة مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي روبيرت كاريم ترافقه مديرة مكتب لبنان في الوزارة آن بيرازن، وعدد من مساعديهما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الثقافة غطاس خوري ممثلاً الرئيس المكلف سعد الحريري، ووزير الدفاع يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزيف عون ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات سمير جعجع.

وتأتي زيارة الوفد، بحسب مصادر مطلعة لـ» البناء» في سياق البحث عن الأسباب التي تمنع تطبيق القرار الدولي 1701 لا سيما أن الولايات المتحدة ستقلل إسهامها في تمويل ميزانية الأمم المتحدة المخصصة لحفظ السلام، إلى 25 في المئة وهذا سينعكس سلباً على ميزانية اليونيفيل وعديدها لا سيما أن أميركا تعتبر الدولة الأولى من حيث المساهمة في ميزانية الأمم المتحدة، كما بحث الوفد وفق المعلومات التعاون العسكري بين جيشي البلدين، وصولاً الى ضرورة التزام لبنان بالقرارات التي طلبت إدارة الرئيس ترامب منه أسوة بدول أخرى تطبيقها في ما خص عدم التعاون في أي مجال مع الجمهورية الإسلامية.

وأتت الزيارة الأميركية بالتوازي مع تنفيذ جيش العدو الإسرائيلي تمريناً عسكرياً استغرق أسبوعاً، يحاكي سيناريوات القتال على الجبهة الشمالية التي تشمل لبنان وسورية، بحسب ما أعلن المتحدث باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي.

وفي سياق التدخل في الشؤون اللبنانية، علقت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، على زيارة وفد من الحوثيين برئاسة الناطق الرسمي محمد عبد السلام، لبنان ولقائه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وقالت هايلي عبر حسابها على «تويتر»: «إن لقاء قيادة حزب الله مع الحوثيين يظهر طبيعة ما أسمته التهديد الإرهابي الإقليمي، ويشكل وكلاء إيران في لبنان واليمن مخاطر كبيرة على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله»، على حدّ زعمها، داعية المجتمع الدولي لـ»التنبه إلى هذا الأمر وأن يكون مهتمًا للغاية».

في المقابل أكد إمام جمعة طهران محمد علي موحدي كرماني ان لدى «الولايات المتحدة قلقاً ومخاوف ازاء أمن الكيان الصهيوني، فالسلطات الأميركية تدرك أن آلاف الصواريخ عند حزب الله وحماس جاهزة للإطلاق لتسوي تل أبيب بالتراب».

الى ذلك، شدّد الرئيس ميشال عون أمام وفد من المنتشرين في دول الخليج على أننا في لبنان نعتمد النأي بالنفس ، فلا ننحاز بأي صراع لأي دولة شقيقة ضد مصلحة دولة شقيقة أخرى، موضحاً أن «النأي بالنفس لا يعني أن ننأى بأنفسنا عن أرضنا ومصالحنا التي لا تضرّ بأيٍ من الدول العربية».

من ناحية أخرى عبر «189 لاجئًا سورياً المنافذ الحدودية من لبنان إلى سورية يوم أول أمس»، بحسب ما أعلن ممثل القسم السوري في مركز استقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين، سمير عرنوس، الذي أشار الى «عودة 623 شخصًا إلى أماكن إقامتهم الدائمة في الغوطة الشرقية وإجلاء 786 نازحاً من منطقة خفض التصعيد في إدلب»، لافتًا إلى أنّه «تمّ خلال يوم واحد، نزع الألغام من مساحة أربعة هكتارات وعشرة مبانٍ وكيلو متر واحد من الطرق، واكتشاف وتدمير 51 مادة متفجّرة، منها 23 عبوة ناسفة يدوية الصنع».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى