لا تلعبوا بنار «اليمن» من لبنان
روزانا رمّال
استطاع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس، تخطي خطوط حمر اعتقدت القوى الخصمة انه لن يتحدّث عنها، طالما أنها تخفي بطابعها حساسيات وحساسيات مقابلة، لكن وبعيداً عن تلك النار التي أحرقت سريعاً أحلام الطامحين الى المواجهة يلفت الحديث الأساسي عن العهد أي الرئاسة اللبنانية وموقعها في الصراع بدون أن يدخل على الإطلاق بحسابات الحصص ولا تسميات الأحزاب، بل على العكس أوحى أن اللبنانيين معتادون على إطالة عمر التشكيل وأن هناك أمثلة مثل حكومة الرئيسين تمام سلام ونجيب ميقاتي على اعتبار أنه إذا كان الانتظار سيد الموقف فنحن سبق وتعايشنا مع ظروف كهذه. مع العلم انه اكد رفضه الانتظار طويلاً كما انتظر اللبنانيون تشكيل تلك الحكومتين الا انه بين السطور أرسل إشارات للخارج «الطامح» للضغط عليه وعلى حزبه بتوقع احتمال أن يطول عمر التشكيل مع فارق أن حزب الله منتصر هذه المرة ولن يتراجع.
وهنا تستحضر المقارنة المباشرة بين الانتظار لسنتين والتمسك بالرئيس ميشال عون تكريساً لهذا الانتظار وبين الاستسلام للضغوط الغربية والخليجية التي مورست آنذاك على لبنان بدون ان يتراجع حزب الله عن خياره. بالتالي فإن القوى الإقليمية والدولية لا تنطلق من عدم في هذه المواجهة ولزاماً عليها مراجعة الحراك السياسي لحزب الله في السنوات الأخيرة.
تمسك حزب الله بمطالبه ومطالب حلفائه إذاً، لا يزال عند سلم الاولويات ولا تنازلات بهذا الإطار الذي قد يفهم تراجعاً يُحسب ضد المصلحة العامة لمحور بأكمله. كيف بالحال وان الانتصار جاء بعد الانتخابات النيابية. يستذكر خصوم حزب الله عند كل مناسبة ما قاله اللواء الإيراني قاسم سليماني في معرض توصيفه لانتصار حزب الله في لبنان بعد الانتخابات واحتساب عدد مقاعده مع حلفائه وهم 74 حسب سليماني، وهو الذي تقصد احتساب تغير ميزان القوى ما أثار مخاوف قوى محلية كثيرة. وهذا مفهوم بمنطق هذا الصراع لينتقل الأمر لما يتسبّب باستفزاز كبير للسعودية التي أيقنت أن الإيرانيين أعلنوا النصر عليها في لبنان نيابياً بعد الانتصار الرئاسي.
أبلغ رسائل نصرالله قيلت أمس بخطاب الانتصار في الهرمل، بما يتعلق برئاسة الجمهورية والتعطيل الواضح المعالم هو تعطيل لـ «العهد»، لكن نصرالله تحدّث بصراحة أكبر وكشف أنه يدرك ان المحاولات اليوم التي تشتغل عليها الدول والأطراف المعنية تتمثل بإقناع رئيس الجمهورية بشكل غير مباشر أن التحالف مع حزب الله هو السبب في كل ما يجري في البلد من تعطيل للعهد والحكومة وأن أي فائدة من هذا التحالف انتفت وأن الطريق الوحيد هو فك هذا الترابط الذي يتكفل وحده بانقلاب سياسي في البلاد. رسائل الجهات الضاغطة على العهد وعلى إفشاله توحي بتحميل حزب الله مسؤولية ما يجري وبضرورة ان يتوصل رئيس الجمهورية الى هذه الخلاصة السريعة قبل فوات الأوان.
التيار الوطني الحر أيضاً لحقه هذا التوضيح وحزب الله يدرك ايضاً ان التيار الذي يشكل عصب الشارع المسيحي وشريانه الذي يصل الاحزاب الشيعية المناهضة لـ«إسرائيل» به هو أكثر المستهدفين من الضغوط التي تعتبر أن جزءاً أساسياً من تصدر التيار السياسي هو التحالف مع حزب الله، لهذا السبب فإن عرقلة وصول التيار الى حكومة تكرس قوته الجديدة الى جانب حلفائه لانطلاق حكومة العهد الاولى هي أبرز أهداف المعطلين. وكل هذا مرده الى التحالف مع حزب الله. وهو في الحالتين أي بحالة الضغط على رئيس الجمهورية والضغط على التيار الوطني الحر يأتي في إطار تحميل المسؤولية… مسؤولية عدم انطلاق العهد، لانه «إيراني» الهوى وإيران تواجه عقوبات اقتصادية ستنعكس عليه إذا استمر الوضع ما هو عليه اليوم.
التصعيد بوجه حزب الله الذي تحدّث عنه نصرالله يأتي من نوافذ متعددة أبرزها الى جانب الضغط على رئاسة الجمهورية الضغط على الشارع بعد عشرة أيام تقريباً عند دخول البلاد بهالة المحكمة الدولية ومقرّراتها والتعويل على إحداث بلبلة واضحة كانت أبرز ما أشار إليه بالخطاب، قاطعاً الطريق فوراً عن أي التباس او تفكير بأن الحزب متساهل، لأن الملف هذا بالتحديد يشبه اللعب بالنار بالنسبة اليه لما فيه من أبعاد طائفية تحمل طابع الاشتباك الأهلي ليهدّد خصومه بكل ما للكلمة من معنى التهديد والتحذير السياسي بالقول «لا تلعبوا بالنار». ومن يعرف نصرالله يعرف أن الخيارات مفتوحة عندما يتعلق الأمر بالاشتباك الأهلي.
المسألة أن الحزب أكثر ارتياحاً بعد انفراج الميدان السوري وصار قادراً على التركيز أكثر على الخيارات الداخلية. الأمر الذي لا تدركه ربما القوى الخارجية الداعمة للأفرقاء المعنيين. وإذا كان من معنيين بهذا التحذير فهي القوى الخليجية والغربية الداعمة لمن يواجهون حزب الله وحلفائه محلياً، وتحديداً السعودية والولايات المتحدة. وهذا التهديد والتحذير موجّه مباشرة إليهما فحلفاؤهما لن يتحركوا بأي ضغط من دون إشارة مباشرة منهما.
نصرالله لأول مرة ومنذ عقد من الزمن يحذّر ويرفع سقف التحرك محلياً. وهذا لا يشي بأن الأيام المقبلة ستكون سهلة في الصراع السياسي المحلي، لكن كلامه ربما يشكل قوة ردع وتراجع عن أي مخطط يتحضّر للبنان بعد أن فتح كل الاحتمالات ومن بينها بدون شك «العسكرية» في حال التصعيد.
السعودية التي تعتبر أن حزب الله يستفزها باستقباله الناطق باسم التيار الحوثي محمد عبد السلام في بيروت وبمشاركته الحوثيين بالقتال في اليمن، ربما تجد في العبث بالساحة المحلية خطوة مشروعة تضغط فيها على حزب الله ورئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر وكل مصالح حزب الله للتراجع بضوء أخضر أميركي، وربما هذا ما يفسر رفع سقف نصرالله للتحدّي وفتح كل الأبواب والاحتمالات.