عاشوراء مقاومة في الماضي والمستقبل!
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
لم تكن مراسم إحياء شعائر أهل البيت ع في يوم من الأيام منطلقاً للفرقة والفتنة بين المسلمين. الصوت الذي يعلو من هذه المراسم هو صوت الوحدة والحق والمحبة. هذه المراسم هي أكثر حرصاً على سلامة الدين والإنسان لأنّ النهضة الحسينية في منطلقها وأساسها تهدف إلى إشاعة الخير ومواجهة الظلم والتأكيد على حرمة دماء الإنسان وعرضه وكرامته. ومن المفيد أن نقول في مواجهة حركة التضليل التي لا تتوقف: إنّ البكاء والسواد لا يشكلان إلا جزءاً بسيطاً من ملحمة إنسانية تختزن في ضفتها الحسينية كل معاني الإيمان والفداء والشهامة والرحمة، وفي ضفتها اليزيدية كل ألوان الردة والرداءة والخسة والتجبر. الحسين قاوم الظلم الذي أراد أن يمزق حياة الناس وأمنهم وطمأنينتهم ويشوش عليهم إسلامهم وإنسانيتهم من خلال الأفكار العنصرية والتكفيرية التي كانت تنذر بنهاية الإسلام. لقد جنّب الإمام الحسين في ثورته الأجيال كلها هلاك القيم ودمار الإنسانية واندراس معالم الإسلام الذي كان أمام خطر البقاء والاستمرارية. الثورة الحسينية ليست مقاومة في الماضي وإنمّا مقاومة في المستقبل. مقاومة في وجه كل طاغية وكل عنصرية وكل فساد في كل مكان وفي كل عصر. هي صدام مع كل فكر منحرف ومع كل استبداد واستغلال سواء كان باسم الدين أو الطائفة أو العشيرة. هي دعوة لاستثارة الحق ونصرة المظلوم وحفظ الأنفس وتحقيق العدالة والسلام والسعادة لبني البشر.
وفي لحظتنا الراهنة تبدو المقاومة شديدة الالتصاق بالحسين وثورته ومبادئه لجهة ردع الشر ونصرة الحق وإصلاح المجتمع. وكما تعرض الإمام الحسين لحملة تشويه لإجهاض رسالته وأهدافه تتعرض المقاومة الحسينية المنطلق والتوجهات لحملة تشويه لئلا يكون للحق وجود وللإنسان كرامة. ففي نشاطاتها، لم تكن المقاومة في يوم من الأيام في معرض تهديد الكيان اللبناني أو تقسيمه أو السيطرة عليه بل كانت جهود المقاومين كلها في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار والوحدة بين اللبنانيين جميعاً. ومواجهة المقاومة للإرهاب جاء في إطار حماية الإنسان والمواطن اللبناني في وقت تخلت قوى أساسية وجماعات عن مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية والتاريخية.
وهكذا فإن المقاومة لعبت دوراً أساسياً إلى جانب الجيش اللبناني في صد العدوان التكفيري الذي كان يخطط لاجتياح مناطق واسعة في الشمال وضرب الأمن. ولقد أسفرت العمليات الاستباقية للجيش إلى إفشال
مخططات كانت تستهدف نقل المعركة من طرابلس إلى صيدا. ومن خلال استهداف مجمع السيدة الزهراء ع الصرح الوحدوي الوطني المقاوم كان يراد تأجيج النار المذهبية ولكن مكرهم باء بالفشل.
إنّ قيادة الجيش التي اعترضت هذا المخطط قبل تنفيذه واستطاعت كشف المجموعة التي كانت تسعى لإشغال الجيش وإشعال الفتنة من بوابة الجنوب اللبناني دفعت الكثير من المخاطر التي بلا ريب كانت ستثير أعمالاً عنفية لا حد لتداعياتها. ولكن بعد الذي جرى من ملاحقات وتفكيك للمجموعات المسلحة نرى بأم العين كيف يتصدع الإرهاب بفضل الجهود المتواصلة التي يقوم بها الجيش. إنّ الإرهاب الذي يقوم على التعصب والكراهية ونشر الرعب والذعر في صفوف الناس مآله الفشل في لبنان طالما أنّ هناك جيشاً وطنياً ومقاومة صادقة.