الفكر التكفيري بعد الأزمة السورية

د. رآفات أحمد

بعد أن أفرزت الأزمة السورية واقعاً مفاده وجود بيئات حاضنة لهذا الفكر، عملت على احتضانه وساهمت في نموّه وتصاعد تأثيره وتغلغله بين أطياف المجتمع السوري، فما هو واقع هذا الفكر عقب الأزمة؟

في بعض المناطق الساخنة الواقعة تحت سيطرة العصابات التكفيرية المسلحة تمّ تطبيق ـ وعلى مدى سنوات الأزمة الثلاث ـ مناهج مدرسية قائمة على الفكر الوهابي التكفيري: تاريخ مشوّه وتعاليم دينية قائمة على القتل والإجرام وجهاد مناكحة. الفكر النظري يتمّ تطبيقه عملياً على الأرض بشكل مباشر. في مناطق أخرى لا دراسة ولا تدريس ولا مناهج إلا القتل المباشر والإجرام على مرأى ومسمع الأهالي.

عقب تحرير هذه المناطق سنكون أمام جيل وعى على الدم والتكفير ورفض الآخر، جيل اضطربت المفاهيم الإنسانية والوطنية لديه، فخيانة الوطن «حق» ينطلق من حق الاختلاف بالرأي!

من دافع عن أرضه وعرضه وانخرط في صفوف جيش الوطن وحارب عصابات التكفير ومات فهو شهيد، ومن رفع السلاح في وجه الدولة ومات فهو أيضاً «شهيد»! في سورية الغد سيكون ابن هذا الشهيد وذاك «الشهيد» على مقعد دراسة واحد، فكيف التواصل وما السبيل إلى وضع اليد باليد والتطلع للمستقبل بكثير من الحبّ والأمل؟

هل نعوّل على استراتيجية تربوية أصيلة تأخذ في الاعتبار المستجدات الطارئة أم نعوّل على وعي المواطن السوري وهو كفيل بإخراجه من فخ التكفير؟ وهل فعلاً يملك المواطن السوري هذا الوعي الذي يمكن التعويل عليه للخروج من هذا الفخ الذي بات حقيقة لا يمكن نكرانها؟

لقد أشار الرئيس الأسد، هذا القائد الاستثنائي بصموده ووعيه وفكره واستيعابه لمفرزات الأزمة، في لقائه مع القيادات الحزبية في فرع دمشق في حزب البعث العربي الاشتراكي في 8 آذار 2014 إلى أنّ الأزمة ساعدت المجتمع السوري على التمييز بين الدين وبين الإسلام السياسي، وأنّ الأولوية الآن تُعطى لمشكلة غياب الوعي، فهناك فراغ فكري خطير لم يكن طاف على السطح في ما مضى، وهذا هو التحدي الأول لحزب البعث في مرحلة ما بعد الأزمة، فهل يكون الحزب أهلاً لهذه المهمة في ظلّ عقلية بعض القيادات الحالية؟

عقب الأزمة، الخطر كلّ الخطر من تسويات تروّج للفكر المتطرف باسم جمعيات دينية مرخصة تمارس نشاطها تحت سقف الوطن. تسويات تفرض واقعاً تعليمياً تربوياً حاضناً بشكل أو بآخر للفكر التكفيري.

الخطر من اقتصاديات السوق الحرة التي تنبثق من تسويات وتحالفات تجارية قائمة على تطمينات لرأس المال بعودة المناخ الاقتصادي القادر على النمو والتحرك بسلاسة وحرية على أرض خصبة ومعطيات إعادة الإعمار والبناء.

هنا الخاسر الوحيد والأكبر هو المواطن الذي عانى من الإرهاب في ظل الأزمة، وسيعاني من تبعاته عقب الأزمة وتثقل كاهله تكاليف معيشية باهظة باسم الانتصار، فيغدو الواقع الاجتماعي أكثر قتامة، وندخل مجدّداً في حلقة مفرغة من بحث العقل وسعيه إلى الاستقرار والاتزان في ظلّ واقع مُحبِط مشبع بالفكر التكفيري المُحتضَن سلفاً في بعض البيئات السورية.

فهل يكون المجتمع السوري « قد التحدي»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى