تخيّلوا..!
ماجدي البسيوني
تخيّلوا لو فشلت هبّة الشعب المصري في 30 حزيران 2013، ولم يعلن الجيش المصري وقوفه إلى جانب شعبه… تخيّلوا ما الذي يمكن أن تكون عليه حال مصر والمنطقة العربية والعالم كله الآن؟
تخيّلوا لو نجحت قوى الشرّ العالمية في الوصول الى دمشق، وهيمن من تمّ جلبهم من شتى بقاع العالم بكافة أنواع التقتيل والتدمير والتخريب والإبادة، ما الذي كان يمكن أن تكون عليه حال سورية الكبرى وامتدادها بكلّ الجغرافيا الممتدّة من سيناء وحتى حدود روسيا بما فيها الخليج العربي…؟
هل كنا نحن الشعوب الحية منا وغير الحية لو حدث هذا سنكون أحسن حالاً مما نحن عليه اليوم…؟
في عام واحد فقط اعتلى «الإخوان» سدة الحكم في مصر برعاية واشنطن، فجعلوا مصر كلها مستباحة لكلّ الأعداء، وصار الكيان الصهيوني «عزيزاً»، وبدئ في تنفيذ المشروع الأميركي باستبدال الحق الفلسطيني في الأرض بمنح أربعين كيلومتراً من سيناء لإنهاء القضية برمّتها بمباركة حمساوية، التنازل عن أجزاء في الجنوب على البحر الآحمر «حلايب وشلاتين» بموجب مادة تمّ دسّها في الدستور تقرّ بحق رئيس الجمهورية في إعادة ترسيم الحدود، وكذا فتح الحدود الغربية كاملة لعبور جماعات الإرهاب القادمة من ليبيا الممزقة، فتحوّلت الأراضي المصرية إلى سوق مفتوحة للسلاح وللعناصر الإرهابية، مانحاً أردوغان حقوقاً تجارية في مصر مجاناً اتفاقية الرورو والتأهب لمنح قطر تأجير قناة السويس وكافة أثار مصر…
كلّ هذا يقابله المزيد من المعاناة اليومية والمعيشية للشعب، في حين طالبه مرسي وجماعته بالضغط على القوات المسلحة للتراجع عن رفضها والقبول بالذهاب سريعاً لمقاتلة الجيش العربي السوري الذي أطلق عليه وصف مشبوه شبيحة الأسد ، كلّ هذا ويزيد في عام واحد فقط، فتخيّلوا لو تمّ وأد بركان الشعب العربي في مصر وإبعاد الجيش المصري عن مساندته ونصرته كما كانت تريد واشنطن واستمرّ المخطط حتى اليوم…؟
أربع سنوات من صمود سورية شعباً وجيشاً وقيادة ليس في مواجهة جماعة إرهابية بعينها ولا جيشاً يمتلك أعتى أنواع السلاح وفقط، فيكفي أن تعلم أنّ ما يزيد عن 40 دولة على رأسها واشنطن قرّرت الحرب على واحدة من هذه الفرق «داعش» التي هي نفسها من ربّتها ودرّبتها وسلّحتها وهيّأت لها كلّ المناخات واسباب القوة، فرقة من بين مئات الفرق تصدّت لها سورية ولا تزال في حرب كونية لم يعرف التاريخ ولا الجغرافيا مثيلاً لها.
حرب على كلّ الحدود السورية شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً، تقتيل وتخريب ودمار وسفك دماء لم تعرفه البشرية من قبل، ولم تعرف مثل هذا الكمّ من ذبح الأطفال الذين استصرخوا ضمير العالم ولا من مجيب، ترى ماذا لو لم تصمد سورية حتى الآن وغداّ… هل كان سيتبقى ـ لا قدّر الله ـ من الشعب شعباً، هل كان سيتبقى حجر على حجر.
أربع سنوات من صمود سورية، وما من بيت إلا وتألّم، وما من أسرة إلا ونزفت، وما من معمل أو مصنع إلا ونهب أو سرق، لكن الوطن ما زال واقفاً على قدميه، ولن ينثني أمام أعتى المخططات.
قلناها منذ البداية إنّ سورية لم تكن تدافع عن سورية فقط، ولا عن العالم العربي فقط، ولا عن الإنسان العربي فقط، بل دافعت ولا تزال عن كلّ الإنسانية المصابة بالخرس.
صمود سورية أسقط القطب الأوحد… صمود سورية قدم حلفاً عالمياً بقوة تزيد عن قوة القطب الأميركي… لو سقطت سورية لكانت إيران في وضع غير الوضع الذي هي عليه اليوم كقوة اقليمية وعالمية… وصمود سورية هو من يعطي للدولة اللبنانية حتمية القدرة على الصمود.
كنت اردّد قبل 30 حزيران، وفي ظلّ هيمنة «الاخوان» على الحكم في مصر، بأنّ سورية رغم ما يحدث فيها إلا أنها أحسن حالاً من الوضع في مصر، لأن عليها أن تبدأ أولا بإزاحة الإرهاب الإخواني من الحكم، ثم تبدأ في تحدّي المشروع التقسيمي العالمي، بينما في سورية صمود يحول دون صعود الإرهاب إلى الحكم، لهذا أقولها بوضوح تام: لولا صمود سورية لما انفجر البركان البشري 33 مليوناً لإزاحة «الإخوان» وعزلهم بهذا الزخم وهذا الإصرار.
صمود سورية واستنهاض مصر بكلّ وضوح أفسد المخطط الكوني الأميركي الصهيوني ومؤكد أنّ خزائن الأموال السعودية / القطرية ستنضب بألف وسيلة ووسيلة، وبعدها ستحتاج «مملكة الرمال» إلى مَن يلقنها صحيح الإسلام وصحيح العروبة، حتى ولو خلا المشهد من آل سعود وآل حمد.
رئيس تحرير جريدة «العربي» ـ مصر
Magdybasyony52 hotmail.com