حملة أوباما الطويلة
عامر نعيم الياس
أبرزت الصحف الأميركية الصادرة لهذا الأسبوع مكامن الخلل في استراتيجية الرئيس باراك أوباما في سورية، وبالأرقام وعلى كافة المستويات، بدءاً بالمستوى الاقتصادي، مروراً برؤى الإدارة الأميركية حول شكل العمل البرّي في سورية والعراق، وليس انتهاءً بملفّ عبور «الجهاديين» إلى سورية ومحاولات منعه. أمر يبدو موجّهاً أكثر من أيّ وقت مضى للضغط على الإدارة الأميركية من أجل إحداث تغيير ما في الاستراتيجية، وجعلها أكثر تماسكاً ووضوحاً. هذه النقطة التي طرحها وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل في مذكرة رفعها إلى سوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي، توقّع فيها انهيار خطة أوباما في محاربة «داعش» في سورية «بسبب عدم وضوح نوايا الولايات المتحدة إزاء الرئيس السوري بشار الأسد»، تساؤل استدعى ردّاً من جانب البيت الأبيض لنفي أيّ خلل في الاستراتيجية، وطمأنة الحلفاء على عدم وجود تغيير في الأهداف الأميركية في سورية وفي مقدّمها ملف الرئاسة.
وبالعودة إلى مكامن الخلل، تجدر الإشارة إلى ما يلي:
الفشل في وقف تدفّق الأموال، مع ما يعنيه ذلك من تكيّف «داعش» مع الضربات الجويّة، ووجود مكامن قصور متعمّد في بنك الأهداف الأميركي داخل سورية، وهنا تُعنْوِن صحيفة «لوس آنجلس تايمز»: «الدولة الإسلامية تجني الملايين على رغم محاولة الولايات المتحدة وقف تدفّق الأموال». تقرير يتقاطع مع آخر رسميّ صادر عن الأمم المتّحدة حول تنظيم «داعش» و«الجهاديين» الأجانب في سورية، جاء فيه أن «داعش يسيطر على مناطق واسعة في سورية والعراق، يقطنها حوالى 6 ملايين شخص، وذلك بفضل إيراداته من النفط نحو مليون دولار يومياً، وكذلك حصوله على ما يقارب 45 مليون دولار كفدية مقابل الإفراج عن الرهائن المحتجزين لديه».
البديل في سورية والقوة المعتدلة والتي «تواجه عقبات رئيسة» بحسب «لوس آنجلس تايمز» والتي ذكرت أن تأليف قوة من 15 ألف شخص، دونها عقبات. «عدم وجود وحدة وطنية، وتحالف الجيش الحر مع المتشددين الإسلاميين» فضلاً عن أن «الأمر سيستغرق سنوات لتدريب قوة جديدة قادرة على شنّ هجوم ضدّ داعش»، من دون أن ننسى أن «المعتدلين لن يساهموا في الجهد الدولي من إذا لم يكن هدفه الرئيس إسقاط الرئيس بشار الأسد».
الفشل في وقف تدفق المقاتلين بحسب «واشنطن بوست» الأميركية التي أوردت أن «معدّل تدفق المقاتلين الأجانب إلى سورية أي ألف مقاتل في الشهر، لم يتغيّر منذ بدء عمليات التحالف في هذا البلد»، الأمر الذي يتقاطع بدوره مع ما نقلته «غارديان» البريطانية عن تقرير أممي اعترف بتدفق أعداد غير مسبوقة من «الجهاديين» الأجانب إلى سورية والعراق، إذ جاء فيه: «يقاتل في سورية 15 ألف مقاتل أجنبيّ من ثمانين دولة، وعددهم في سورية منذ عام 2010 وحتى اللحظة، يفوق عدد الجهاديين الأجانب بين عامَيْ 1990 و2010».
إن الصراع القائم داخل الإدارة الأميركية حول الخيارات الواجب اتّباعها في سورية، والارتباك في ردود الفعل حول البدائل، يعكسان في الشكل والمضمون نزوع الإدارة الأميركية إلى التجريب في سورية والعراق على قاعدة الرهان على الاستنزاف طويل الأمد في حربٍ لا مكان للحسم فيها، ووصّفتها صحيفة «لوس آنجلس تايمز» في أحد تقاريرها بأنها «بداية لحملةٍ طويلة الأمد»، فكيف يمكن تفسير تدفق هذا الكم من إرهابيي العالم إلى سورية وسط هذا الاستغراب الدولي السياسي والإعلامي الموجّه، في الوقت الذي قامت به الدنيا ولم تقعد لإرغام الأتراك على السماح لـ150 مقاتلاً من البيشمركة بعبور الحدود التركية مع مدينة عين العرب السورية.
كاتب سوري