الأونروا.. الصفقة الخبيثة تتكشّف فصولها

سماهر الخطيب

إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من تمويل وكالة الأونروا تزامن مع إعلان سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وإذا ما عدنا للوراء في الأشهر القليلة المنصرمة فإننا سنجد الكثير من انحياز واشنطن للكيان الصهيوني على أرضنا بل نجد أن ستار وغطاء السياسة الأميركية تجاه دولة الاحتلال قد تكشّف وظهرت ما كانت تكنه من نيات في طياتها العنصرية والاستعمارية.

منذ نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس وإعلانها عاصمة لدولة الاحتلال مروراً بانسحاب أميركا من مجلس حقوق الإنسان لكونه بحسب زعمها يظلم حقوق الشعب الصهيوني، وصولاً إلى التصديق على قانون يهودية دولة «إسرائيل» كل ذلك يصب في مصلحة الكيان الصهيوني وراعيته أميركا، فما جاء به ذاك المدير الترامبي وصهره من نداءات لـ»صفقة القرن» قد بدأ يحيك فصولها بدقة متناهية منذ تسلمه دفة القيادة دون أن يرفّ لهما جفن. فالدول العربية منشغلة وكذلك الأوروبية والآسيوية لا مجال الآن للالتفات إلى ما يعنيه قرار الأمم المتحدة 181 بشأن القدس ولا حتى القرار 194 بشأن حق العودة ولا حتى هل سيكون قرار إنشاء الأونروا متاحاً للنقاش والتي أنشئت بقرار من الأمم المتحدة والتي من المفترض أن تكون أعلى سلطة عالمية لولا تحكم الولايات المتحدة الأميركية بقراراتها وانتهاكها لمبادئ الشرعة الدولية.

في القرارين الأميركيين اللذين أظهرا صهيونية ترامب وهيلي أكثر من الصهاينة أنفسهم يفسران بعضهما البعض، فإذا ما أسقط حق العودة فليس للأونروا عمل بعد اليوم ليصبح جميع اللاجئين الفلسطينيين مواطنين داخل الدول التي احتوتهم. وهو ما علا الصوت به نهاية العام المنصرم بتوطين اللاجئين، ولم يكن الهدف منه اللاجئين السوريين إنما الفلسطينيون هم من كانوا مقصودين بالتوطين ليسقط حق العودة وتنسحب الولايات المتحدة من تمويل الأونروا لانتفاء الحاجة إليها ويتوافق ذلك مع يهودية «إسرائيل».

أما بالنسبة للضفة الغربية والقطاع بعد أن حلّ ترامب وصهره قضية القدس فإنّ لهما تتمة في السيناريو الأميركي المعنون بصفقة القرن. فالكيان الصهيوني لن يكلّ أو يملّ دون أن يضمهما أو يضم إحداهما لحكمه الاستعماري. وليتم ذلك أولاً الخضوع والاعتراف بيهودية هذا الكيان، ولمن رفض فله سيناء. تلك تتمة السيناريو الخبيث فلم يعد خافياً على أحد تلك القمة السرية في البحر الميت من دهاء بين الرئيس المصري والأردني ورئيس وزراء العدو لتتدافع بعدها اللقاءات وحبك المؤامرات ونقل ما صنعوه من ممثلين وبدعتهم الإرهابية إلى سيناء وإفراغها من سكانها الأصليين ريثما يحين الموعد «توطين الفلسطينيين».

في تلك الأثناء طفت على السطح أزمة تيران وصنافير أحد فصول «صفقة القرن»، وليس الهدف من جعلها سعودية إلا إرضاء للكيان الصهيوني، لما تشكله هاتان الجزيرتان من رمزية النصر المصري والفشل الصهيوني إبان عدوان 1967 على مصر. فكانت تنطلق منها القوات البحرية باتجاه الأراضي المحتلة هذا من جهة ومن جهة أخرى ربما يريد العدو تحويل المياه في البحر الأحمر إلى مياه دولية فيستطيع العبور فيها والتجارة دونما تعليق يذكر. وأبعد من ذلك فالعقل الصهيوني الخبيث لا يستبعد أن يذهب نحو إنشاء قناة مائية من قطاع غزة باتجاه البحر الأحمر ينسف فيها وجود قناة السويس ليتحكم بطريق التجارة المائية. وهو أمر غير مستبعد بعد سلسلة قرارات أميركية وصهيونية اتخذت وسط صمت دولي وتراخٍ عربي.

ولا نعوّل على الساحة الدولية والمنابر الأممية فما أحدثه صناع القرار السياسي جعل الكل يتخبط في حروب إرهابية واقتصادية لا هم له سوى الانتشال منها بأقل الخسائر.. وكذلك لم يعد لدولة الاحتلال ذاك الحلم بالتوسّع وخوض الحروب طالما أنها توسعت في «مجالها الحيوي» فلِمَ تخسر عسكرياً وهي تكسب اقتصادياً وثقافياً وفنياً واجتماعياً..! بعد حملة التطبيع التي جالت معظم البلاد العربية من خليجها إلى مغربها، وهو ما أشار إليه بنيامين نتنياهو في مكان تحت الشمس بإنشاء حلف اقتصادي تقوده دولة الاحتلال..

أما على الساحة السورية، فإنّ فيها ما سيسقط هذا المشروع الأميركي الصهيوني. فالحرب في الشام أصبحت شبه منتهية بنصر الدولة السورية وحلفائها على الإرهاب. وفي العراق كذلك كما في لبنان وفي الداخل الفلسطيني تبقى المقاومة عتية عن القبول بالانصياع نحو قرارات أميركية ووجود لكيان غاصب. وكذلك الحليف الأول إيران لا تزال عصية على الانكسار. وفي كل بلد لا تزال فيه أنفاس المقاومة فالشعوب تبقى صاحبة القرار لو بعد حين.

وتلك الصفقة لا تعني فقط «صفقة سلام»، كما يروج لها راعيها، بل وأكثر أن تصبح دولة الاحتلال دولة إقليمية ذات قوة اقتصادية وعسكرية وأمنية متحكمة ومسيطرة على القرار الإقليمي. وهو ما ظهر في مضمون تصريح سفير واشنطن في الأراضي المحتلة ديفيد فريدمان، حين قال: «الشرق الأوسط ليس الولايات المتحدة، وطريقة التفكير هناك مختلفة. هناك عالم صعب حقاً، وعليك أن تكون قوياً، لأنه ما من سبيل آخر في ذلك الجزء من العالم لكسب الاحترام»..

فإذا ما بقي ذاك السيناريست الصهيوني والمخرج الأميركي يجسدان فصول تلك الصفقة اللعينة من دون صحوة أممية وشعبية قبل الدولية، فإن النتيجة ستكون بما لا تُحمد عقباها..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى