التشويش على معركة إدلب والحدث في 7 أيلول

روزانا رمّال

تترقب المنطقة الاجتماع الأهم على مستوى قيادات المنطقة العربية والإقليمية الذي سيعقد في طهران ويضم كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني المضيف حسن روحاني. هذه القمة هي الثالثة من نوعها على مستوى الأطراف المجتمعة بعد انعقاد الأولى في سوتشي والثانية في انقرة واليوم في طهران. والإشارة الأبرز بهذا الإطار تؤكد على تماسك هذا الخيار التفاوضي الثلاثي بعد ثبات واضح باتجاه دراسة ما لها وما عليها تجاه الازمات، في وقت تقدّمت تركيا بشكل أسرع مما كان متوقعاً باتجاه روسيا وإيران بعد الأزمة السياسية الكبرى التي تعرّضت لها ولا تزال منذ لحظة تدبير الانقلاب العسكري تموز من عام 2015 واستكمالاً حتى الحصار الاقتصادي وانهيار العملة التركية من دون أن يعني ذلك أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية جمدت، لأن حجم العلاقات والمصالح المتداخلة تحول دون ذلك. وعلى هذا الأساس صار حساب القوى الإقليمية والدولية على «القطعة» هو الأكثر تفسيراً لهذا التناقض القادر على جمع الأتراك بالإيرانيين بعد كل الصراع على الأرض السورية والدماء التي سالت. وهو الأمر عينه الذي يجمع روسيا بتركيا بعد إسقاط الطائرة العسكرية الروسية الشهيرة وقطع العلاقات بين البلدين لفترة مهمة من عمر الأزمة.

الثبات والخلاصات اتخذت والقمة الثلاثية تأتي وسط تطورات غاية في الأهمية. أبرزها اقتراب الجيش السوري وحلفائه من المباشرة بعملية تطهير واسعة لإدلب بكل حساسياتها ومحاذيرها. وهي المكان الذي تم تجميع الإرهاب «الفار» من أغلب الأماكن والمناطق المحررة ويمكن تخيل شدة خطورة هذه الأرض وما تحويه من تطرف ويمكن ايضاً تصور حجم التورط الدولي الكبير والحاجة الى إخفاء حقائق وبعض الأسماء والقيادات المتطرفة هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن أياً من الدول الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية لا تجد أي مصلحة في تخليص النظام السوري من عبء هذه البقعة الجغرافية. وعلى هذا الأساس فإن التقدّم نحو تحريرها هو بشكل أو بآخر بثّ الارتياح الكبير في أوساط الدولة السورية التي صارت بحكم المنتصر على خصومها وبطور تعزيز انتصارها قيادة وجيشاً ودولة. وبات الشعب السوري أكثر التفافاً وراء رئيسه بشار الأسد بعد ما حقق من انتصارات بطبيعة ما تحكمه الطبيعة السياسية لتطور المشهد في اذهانهم.

تركيا التي تشكل الجهة الأكثر قدرة على إحداث فارق في هذه المعركة، قادرة على حسم الكثير وإرسال رسائل مباشرة للأميركيين والخليجيين الذين يتوجّهون يوماً بعد الآخر لحصارها ومعركة إدلب قادرة على أن تكون «ساعي بريد» تركياً «موفقاً» لهذه القوى. لهذا كله سيكون من المنتظر التركيز على ما ستقدمه أنقرة من تنازلات في هذه المعركة بعد أن قدمت الدعم الكبير لجبهة النصرة تحديداً كأكبر فصيل مؤثر في سير العمليات.

لفت في الساعات الماضية إعلان تركيا «هيئة تحرير الشام» التي تحوي المنظمة المعروفة بالاسم الأشهر «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة وأقوى أفرعها، صاحبة أكبر تحالف للمتشددين في إدلب حالياً، وهي آخر منطقة كبيرة او واسعة الامتداد سياسياً وعسكرياً ولوجستياً تحت سيطرة ما عرفت بالمعارضة وخارج سيطرة دمشق. ما يعني ان تركيا رفعت الغطاء بالكامل وكشفت نياتها باستكمال المعركة سياسياً وعسكرياً مع الأميركيين والخليجيين من بوابة سورية ورفض تقسيم أراضيها، بعد أن كان الهدف الأميركي الاول من عمر الصراع في كل المنطقة كما كانت الصورة لحظة الحث الخليجي الأميركي الإسرائيلي على إعلان دولة كردستان.

وسواء كان اللهب المتصاعد من مطار المزة وجواره غارة إسرائيلية أو احتكاكاً كهربائياً، كما أعلن مصدر عسكري سوري، فإن الأكيد ان اي عمل عدائي شامل باتجاه سورية في هذه الأيام هو متوقع ويوضع ضمن التشويش على معركة إدلب وعرقلة هذه الخطوة والضغط على الأسد للتراجع وتقديم تنازلات مباشرة ليبقى المؤشر الأكيد على نيات العراقلة سيل التحذيرات الروسية من أن الأميركيين يحضرون لمسرحية جديدة أو تمثيلية أخرى من تمثيليات منظمة «الخوذ» البيضاء في إدلب باتهام سورية باستخدام السلاح الكيميائي وضرب تجمّعات مدنية من العزل فيصبح القتدم نحو ضربة عسكرية مبرراً على غرار المرات السابقة في خان شيخون وغيرها.

لا شيء يوحي بأن الغارات الأميركية الفرنسية البريطانية أو شنّ ضربة عسكرية على سورية قد تلاشى إلا أن جديد روسيا في كشف المخطط سلفاً عبر معلومات استخبارية موثقة نجح في وضع الأميركيين أمام موقف محرج إذا تمّ فعلاً وقوع الحادث. وعندها لن يكون في السياسة والتطورات العسكرية ما قد تمّ وقوعه عن إطار «الصدف». فالواقع لا يحتمل مثل هذه التأويلات وعندها تكون الرسالة الروسية الردعية غير ناجعة في عودة الأميركيين عن موقفهم ويصبح قرار الضربة العسكرية الغربية على سورية قراراً محسوماً سلفاً.

التشويش على معركة إدلب سيد الموقف والمتوقع من قمة 7 أيلول أن تؤسس للمرحلة المقبلة بين مواجهة اقتصادية وسياسية واسعة بين القوى الثلاث التي تقع تحت العقوبات الاقتصادية الأميركية والتضييق السياسي، لتصبح القمة «الحدث» التي ستسبق ما قبل الإقلاع نحو مفاوضات المرحلة الأخيرة وما بينهما من وضع خطة تصدٍّ لأي تصعيد عسكري محتمل من المحور الخصم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى