رسائل حزب الله بين السيادية والرئاسية؟

روزانا رمّال

لم يعتد حزب الله يوماً تمرير رسائل لحلفائه من على المنابر الإعلامية، ولم يعتد أيضاً بثّ الشبهات حول علاقته بهم، الا ان موقف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم استنفر المعنيين، خصوصاً الطامحين لرئاسة الجمهورية واستنفر معهم التحليلات بعد أن تلقوا الموقف كـ»جرعة دواء مرة» وبتفاصيل الكلمة تشديد من الشيخ قاسم على «أن الوقت ضاق بما يتعلق بتشكيل الحكومة وصار يجب إنجازها لمصلحة الناس. كل هذا عادي قبل أن يربط مساعي التشكيل والعرقلة بمعركة الرئاسة المقبلة وفتحها بشكل مبكر محذراً من أنه «إذا كان البعض يظن أن ربط تأخير تشكيل الحكومة بالخارج أو بأزمات الخارج يؤدي إلى حل، فنقول له لا إنما ذلك يؤدي إلى مزيد من التعطيل. وإذا كان البعض يربط تشكيل الحكومة برئاسة الجمهورية ويعتقد أن موقعه في داخل الحكومة يهيئ له أن يكون رئيساً للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي فهو واهم»، مؤكداً أن «رئاسة الجمهورية لم تكن يوماً في لبنان مرتبطة بتشكيل الحكومة، فقبل انتخاب رئيس الجمهورية كانت دائماً تحصل تداخلات محلية وإقليمية ودولية وأحياناً يكون الحل غير متوقع قبل 5 أشهر من موعدها، وبالتالي رئاسة الجمهورية لها مسار آخر عندما يحين وقتها. فلا تضيّعوا الوقت على أحلام لا يمكن أن تتحقق من خلال الحكومة».

كلام الشيخ قاسم أربك الطامحين للرئاسة ومَن حولهم، لكن ليس أولئك الذين أوحت التقديرات استهدافهم بهذا الكلام أي «حلفائه»، لأن الموقف السياسي وأجواء «الانتصار» التي يكرسها حزب الله معهم والتي تؤكد على «انسجام» كامل بينه وبين حلفائه مقابل تفكك 14 آذار وانفراط اي محاولات خارجية سعودية لربط ما تم قطعه بينهم يتناقض مع إمكانية أن يرسل حزب الله رسالة الى التيار الوطني الحر او تيار المردة. فكيف بالحال اذا كانت الرسالة مباشرة «للمعطلين» وأي من حلفائه لم يصنف من المعطلين حتى اللحظة من قبله، بل إنه من المعروف ان حزب الله قادر وبسلاسة على استخراج موقف موحّد من حلفائه تجاه التشكيلة الحكومية وسواها من الملفات المعقدة والتجربة تشير الى الانضباط الواضح في ما يتعلق بالوقوف وراء المصلحة الاستراتيجية للحلف، فكيف بالحال الحكومة اللبنانية وضرورة انطلاقتها؟

يؤكد مصدر متابع لـ «البناء» أن اللغط حول الكلام الواضح لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم مقصود وأن البعض من قوى 14 آذار تقصد زج حزب الله في متاهة الرئاسة مبكراً للتشويش على نياته تجاه العهد استكمالاً لكلام امين عام حزب الله الأخير حول محاولات الإيحاء باستتباع الرئاسة لإيران أولاً، وللقول لمن يهمه الأمر إنه هو من يقرر ثانياً. وهو الأمر الذي عبرت عنه بعض المواقف في 14 آذار مباشرة. وعن إمكانية ان يكون حزب الله يرسل رسائل مبطنة لحلفائه نفى المصدر امكانية ان يكون الحزب أصلاً قد طرح مع اي من حلفائه معارك رئاسية او طرحوها معه او حتى ترجيحات وأن التعطيل معروف ومقصود. وقد اتهم حزب الله في غير مرة المملكة العربية السعودية بالتعطيل. وهذا يعني حكماً ان المقصود مسيحيا هو حزب القوات اللبنانية الحليف الاول للرياض وهو يتقدم على المستقبل في هذه العلاقة اليوم كـ»رابح» بأشواط بدلاً عن المستقبل «المتراجع» نيابياً.

وبين هذا وذاك، وبعيدا عن فهم منطق حزب الله بالنظر الى الرئاسة اللبنانية، فإن أياً من حلفائه يدرك تماماً بعد تجربة الرئاسة مع العماد ميشال عون وتمسك حزب الله بترشيحه لمدة سنتين، فإن أياً من الربط الحكومي بتفصيل من هذا النوع لا يقدّم أو يؤخّر بعد ما تبين أن الأقوى في المرحلة السياسية هو مَن يقرّر مرشحاً رئاسياً صاحب حظوظ وافرة .

لأول مرة يكشف حزب الله زاوية جديدة من زوايا الكباش الحكومي الذي كان من المفترض أن يحمل بأبعاده المحلية نيات خارجية مبيّتة لاستعادة بعض ممن تمّت خسارته في الانتخابات النيابية الأخيرة. وربما هذا الموقف من حزب الله أتى بسبب الاهتمام السعودي الكبير بالقوات اللبنانية ومطالبها وما تم طلبه من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ومضمونه تقوية موقع القوات اللبنانية في الحكومة بوجه التيار الوطني الحر. وهو ما يعني تقوية موقع القوات مسيحياً وزارياً، تماماً كما قدم الحريري ما يلزم نيابياً لتقوية موقع القوات «نيابياً». وقد نجحت في الاستفادة من كل الظروف التي هيأتها السعودية. وبالتالي فإن ترشيح جعجع بالنسبة لحزب الله هو المنطق التي تتقدّم به السعودية في تقوية موقع القوات مسيحياً، بحيث من المفترض أن تكون ترجمة اتفاق معراب الذي يلفت تمسك جعجع فيه بالرغم من تخلي التيار الوطني الحر بلسان رئيسه عنه بعد سوء تفسيره من الطرفين أن يكون سمير جعجع هو المرشح المقبل لرئاسة الجمهورية .

وكما كانت معارك النيابة مسيحياً موضوعة ضمن الأطر الرئاسية ومعارك الشمال بين جعجع وفرنجية وباسيل يبدو أن هناك مَن يريد استكمال المعارك هذه وزارياً، بغض النظر عن موقف حزب الله من حلفائه الذين سيقرأون بدورهم تمسك الحزب بتأجيل أي طموح رئاسي لحينه، وهو الذي يتكفل بمنع أي تشويش في اختيار الحقائب في الوقت الذي لا يستبعد فيه أن تكون فكرة التمسك بالحقائب «السيادية» عند القوات اللبنانية محاولة مباشرة لفرض حضور وازن على الساحة المسيحية يمنحها الوصول لسدة الرئاسة. فكيف لحزب يطمح لرئاسة الجمهورية غير قادر على انتزاع وزارة سيادية؟؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى