الأموال التي تعطى للاجئين حقوق وليست هبات ولا يُستعاد ما سلب بتقبيل الأيادي بل بسيف العزّ والكرامة
اياد موصللي
قرّرت أميركا وقف جميع أنواع الدعم لمنظمة «أونروا» الخاصة بشؤون وحياة اللاجئين الفلسطينيين وذلك بإلغاء دفع حصتها من الأموال للمنظمة..
المورد المالي لإغاثة اللاجئين وتأمين معيشتهم هو هذه الأموال التي يعتبرونها هبات وصدقات وحسنات تجود بها الدول المانحة لشعب سرقت أرضه واستولت عليها ووهبتها لليهود تحقيقاً لمشروعهم بإنشاء دولة «إسرائيلية» صهيونية.. بعد أن اشترتها من قادة أمة وصفهم التاريخ بقادة أمة خجلت من عارها الأمم..
ان ما يدفع من أموال لـ «أونروا» لتأمين احتياجات النازحين الفلسطينيين ليس صدقة ولا زكاة، إنه حق من حقوقهم في وطن سلب ولشعب شرّد.. إنها حقوق.. ولكن أميركا التي قامت ونشأت على سلب الحقوق من بدء تكوينها ونشأتها.. فالهنود الحمر سلبوا.. والبلاد التي سكنوها استولوا عليها من أهلها بالقوة كما فعل الصهاينة بمساعدة أميركا وبريطانيا.. أميركا هذه لا تؤمن بالحقوق..
لو حدثت هذه المسألة في غير هذا الزمن وغير أمة العربان لوجدنا بدل أعمدة الكهرباء مشانق تتأرجح عليها جثث الخونة في كلّ شارع وزقاق، ولكننا لم نسمع شيئاً مشابهاً حدث في العالم القديم والحديث وإذا حدث فإنّ له ردة فعل ووقفة غضب..
أقول ليس لترامب ولكن لأولئك الذين احتفلوا بوصوله لرئاسة الجمهورية الأميركية ودعوه الى بلادهم يرقصون أمامه بالسيف والدبكة، ويقدّمون له نقداً وعداً ما يقارب الستماية مليار دولار عربون حب ومودة وصداقة وخنوع.
أموال زكمت رائحتها أنوف سكان المخيمات والشتات من أبناء أمة ضحكت من جهلها الأمم.
وصفت هذه الأمة بأنها خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
فإذا نظرنا إليهم نجد أموالاً ونِعماً أعطيت لهم مصحوبة بالقول الكريم «وأنفِقوا مما رزقناكم»… أنفقوا على أهلكم وشعبكم. والأقربون أوْلى بالمعروف، وأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث.. فماذا فعل هؤلاء؟
الطغاة تئنّ شعوبهم من الظلم والقهر والجوع فيما عدوّهم يتمدّد ويتوسع بدعمهم وتشجيعهم.
هؤلاء العربان الذي تجمّعوا يوماً في جامعة العار لاتخاذ القرارات التي تحفظ حقوق الأمة قرّروا بحق سورية التي جابهت التآمر والعدوان ما لم يقرّروه بشأن «إسرائيل» وشكلوا الجيوش لقتل أبناء اليمن وتدمير بلادهم تحقيقاً للمشروع الصهيوني الذي حدّده البروتكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون والذي رسم المخطط الإداري للسيطرة على البلاد المجاورة ووضعها تحت الهيمنة «الإسرائيلية» حيث جاء فيه:
«وهذا الوضع من شأنه أن يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين الذين يملكون ملايين العيون اليقظة التي لا تنام. ولهم مجال مطلق يعملون فيه بلا قيد. وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على الحقوق القومية الخاصة في نطاق المعنى المألوف لكلمة حق. فيتسنّى لنا أن نحكم الشعوب بهذه الحقوق تماماً كما تحكم الدول رعاياها بالقانون المدني داخل حدودها».
انها المحاولات التي شهدناها في كثير من المحافل الدولية وآخرها ما حاولت أميركا تحقيقه الآن.
ويقول لينين: «اننا لا نعطي للجماهير اية فكرة واضحة عن الأسباب التي تؤدّي إلى انفجار الحرب، والأسباب التي تقود إليها، ومن واجبنا ان نوضح للمواطنين الوضع الحقيقي، وان نكشف لهم النقاب عن أسباب تحضير النزاعات».
«إسرائيل» لم تخلق لتكون وطنا لليهود، وضمان مستقبل شعب مشرّد ومضطهد فقط، إنما وجدت لتكون قاعدة لتحقيق الأهداف الاقتصادية وتحقيق السيطرة الاستعمارية للدول التي صنعتها كلّ حسب دوره، لذلك تقوم «إسرائيل» بكلّ الأعمال غير المشروعة وترتكب الجرائم ضدّ الإنسانية، تسرق المياه تضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط ولا من يسأل أو يبالي، وحدها تخالف القوانين النووية، تبني المفاعلات ترفض التفيش وسؤال واحد «ما فيش» تلعب باقتصاديات الدول وتهزّ عبرها حكومات وتسقط سلطات وتثير الاضطرابات. تأسّست «إسرائيل» على العنف والإرهاب واستمرّت فهذا جزء من معتقدها الديني ومخططها وهدف قيامها.
فإذا تابعنا نشاط اليهود ومسعاهم من أجل تحقيق مشروعهم بتكوين وطن لهم في فلسطين وإنشاء حكومة منذ كان هذا المشروع فكرة يحلمون بها الى ان أصبح دولة. وفي المقابل تابعنا ما فعله قادة العرب وشعوبهم فهنالك فرق كبير بين شعوبنا وقياداتنا بعكس اليهود حيث كان الجميع يداً واحدة إرادة واحدة تعمل لتحقيق حلم… أصبح حقيقة فيما العرب حوّلوا الحقيقة إلى حلم…
نتوقف أمام هذه المرحلة التي وصلنا اليها بفعل التخاذل والتراجع والتنازل.. عام 1948 العالم بقراراته قرّر إعطاء نصف فلسطين لليهود.. لكن اليهود قبلوا بالنصف وعملوا لكي يستولوا على الباقي تحقيقاً لمشروعهم وأهدافهم.. اخذوا الباقي.. ماذا فعلنا نحن أمام ما فعلوا.. أسّسنا منظمات لتحارب «إسرائيل» فحاربت بعضها بعضاً وتوزّعت متناحرة متباغضة.. تركنا فلسطين أو ما تبقى منها ورفعنا راية غزة وسط نزاعات متنوّعة.. اتفاقيات شرعنت الوجود «الإسرائيلي» واعترفت به أمام العالم كله وارتفعت أصوات المطالبة بدولتين واحدة «إسرائيلية» موجودة أما الثانية فحلم يتقلص بحدود ترسم في كلّ مرة بشكل جديد وحجم جديد، عُقدت اتفاقيات «كامب ديفيد» و»وادي عربة» و»أوسلو».. هرولنا وزحفنا لنيل بعض الحق فما نلنا سوى الأكاذيب…!
أنهت «إسرائيل» خطواتها الأساسية في تركيز حدود دولتها وبدأت الآن مشروعها بتثبيت حدود دولتها والقدس عاصمتها.. وبدأت أيضاً بإنهاء موضوع اللاجئين بإلغاء عودتهم وتوطينهم حيث هم، ووقف التمويل هو قطع شريان الحياة إتماماً لإنهاء هذه الحياة ثم حفر القبور للدفن… وبهذه الخطوة تنتهي المسألة بشكل كياني وتبقى التظاهرات التي لم تتوقف هي والاحتجاجات منذ عام 1948 حتى اليوم وتبقى القرارات حبراً على ورق، في وقت تنكشف الاتصالات والاتفاقيات بين الأعراب و»إسرائيل».
سؤال بسيط ماذا بعد؟ منذ عام 1936 الى اليوم لم يتغيّر أسلوبنا ولم تتغيّر نتائجه، ضاع الوطن ولفت الأجساد بالأكفان ولا زلنا «تيتي تيتي متل ما كنتي بقيتي».
الآن جاء دور التوطين فماذا نفعل؟ صخب وضجيج وأموال تصرف وتهدر في تدمير الوطن والعروبة…
السعودية تدمّر اليمن، وحاولوا تدمير الشام والعراق ولبنان، فشلت محاولاتهم وبقيت أمانيهم بتحقيق مشروعهم بالسيطرة على العالم العربي وتقاسم النفوذ مع «إسرائيل».. بدأت التحضيرات للمرحلة الأخيرة. التمدّد نحو الجوار، سئل بن غوريون كيف تواجهون الدول المحيطة بكم عندما تسكنون فلسطين قال:
« 1 علاقات متينة مع الدول القوية التي تؤمّن الحماية الدائمة لإسرائيل مقابل أن تضمن إسرائيل مصالح هذه الدول. 2 تكوين جيش قوي يضمن الحماية لدولة إسرائيل من أيّ خطر يتهدّدها. 3 العمل على وتفتيت الدول المجاورة وخلق دويلات طائفية صغيرة حول إسرائيل وإذا ما حققنا ذلك نضمن أمننا وسلامنا إلى الأبد».
هنالك مثل عامي يقول: «الرزق الداشر يعلم الناس الحرام»،
اعترفوا بالحقيقة… فلسطين ضاعت بيعت نهبت سرقت بفعل تآمر وتواطؤ الأعراب الذين قال عنهم الله.. «والأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً»…
«لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم». قرار ترامب هو إعلان واضح عن الخطوة المقبلة لإنهاء المسألة الفلسطينية عبر التخلي عن اللاجئين ومبدأ العودة.. والتظاهرات والأناشيد والخطب لا تعيد حقاً سُلب.. فما أخذ بالسيف بالسيف يستردّ..
لذلك ننادي مع نزار قباني:
«يا من يصلي الفجر في حقل الألغام، لا تتنتظر من عرب اليوم سوى الكلام، لا تنتظر منهم سوى رسائل الغرام.. سمّيتك الجنوب، يا شجر الورد الذي يحترف الغناء يا ثورة الارض التقت بثورة السماء يا جسداً يطلع من ترابه قمح وأنبياء اسمح لنا بأن نبوس السيف بين يديك.
يا أيها السيف الذي يلمع بين التبغ والقصب. يا ايها المهر الذي يصهل في بريه الغضب، إياك ان تقرأ حرفاً من كتابات العرب، فحربهم إشاعة، وسيفهم خشب، وعشقهم خيانة، ووعدهم كذب.
اياك ان تسمع حرفاً من خطابات العرب فكلها فجور وقلة أدب، وكلها أضغاث أحلام ووصلات طرب، لا تستغيث بمأرب، أو وائل، او تغلب، فليس في معاجم الأقوام قوم اسمهم عرب!
ونعيد ما قاله ديفيد بن غوريون رئيس وزراء حكومة «إسرائيل»… «سيأتي من نسلك ملوك ويحكمون حيث تطأ قدم الإنسان… اعطِ كلّ الأرض التي تحت السماء، وسوف يحكمون كلّ الأمم حسب رغبتهم، وبعد ذلك سوف يسحبون الأرض كلها اليهم ويرثونها الى الأبد». هذا هو دستور «إسرائيل».
ونردّ بما قاله سعاده: «لم يتسلط اليهود على جنوبي بلادنا ويستولوا على مدن وقرى لنا إلا بفضل يهودنا الحقيرين في ماديتهم الحقيرين في عيشهم الذليلين في عظمة الباطل.
انّ الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن ان يكون فقط في فلسطين بل في كلّ مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود، انّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب.
عوا قضيتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».