إدلب الحسكة الجولان

منير برجاس

«لا تلعبوا بالنار». تحذير ورد مرتين في مهلة أقلّ من أسبوع. ورد أولاً على لسان قائد المقاومة السيد حسن نصرالله، ثم ورد على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. الأول كان يتوجّه إلى الداخل اللبناني، وتحديداً إلى المراهنين على المحكمة الدولية لتضييق الخناق على حزب الله وحلفائه، والثاني كان يتوجّه إلى بعض دول الحلف الأطلسي وتحديداً إلى الثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي، ومن خلفهم «إسرائيل»، بخصوص فبركة مسرحية الكيميائي لتبرير توجيه ضربة عسكرية ضخمة لسورية بغية إنقاذ ما يفوق المئة ألف إرهابي يتجمّعون في إدلب ومحيطها.

المنطق الذي يحكم هذا التحذير واحد، والجهة التي يوجه إليها التحذير واحدة، وهذا لا يُخفى على أحد. فالأقنعة كلها سقطت، والأكاذيب التي تشكل ركيزة الخطاب السياسي لدول الحلف الأطلسي جاء سقوطها مدوياً، خصوصاً تلك القائلة بـ «الحرب ضدّ الإرهاب»، إذ ثبت بما لا يقبل الشك أنّ المنظمات الإرهابية كافة، من النصرة إلى داعش مروراً بالتركي وجيش الإسلام وغيرهما، هي ميليشيات إجرامية شديدة القسوة والتوحّش… وتابعة لحلف شمال الأطلسي. وفي كلّ مرة يتعرّض فيها الإرهابيون للحصار أو لخطر الإبادة يهبّ حلف شمال الأطلسي لنجدتهم.

هكذا، وبقدرة قادر أصيبت عواصم الحلف الأطلسي، من أنقرة إلى باريس ولندن وبرلين، وصولاً إلى واشنطن، بنوبة حرص على سلامة المدنيين في إدلب. هذه الغيرة على سلامة المدنيين لم تظهر طيلة السنوات الثلاث من تحكم هذه الميليشيات الدموية بالمدنيين منذ احتلالها لإدلب ولجسر الشغور. لم يتفوّه الغرب ولو بكلمة تنديد واحدة لوقف المذابح التي ترتكبها الميليشيات في إدلب ومحيطها، مثلما تسكت هذه العواصم، وتسكت معها أجهزة إعلامها، على الجرائم الثقافية المتمادية التي ترتكبها ميليشيات ما يُسمّى بـ «قسد» وقوات «حماية الشعب الكردي» بحق المدرسة الوطنية السورية في القامشلي وعموم قرى منطقة الحسكة، وفرض الميليشيات برامج تعليمية تتنكر لسورية الوطن والهوية الثقافية. كما يتجنّب الإعلام الغربي أية إشارةٍ إلى الانتفاضة الشعبية العارمة الحاصلة هذه الأيام على امتداد منطقة الحسكة، وفي قلب مدينة القامشلي حيث تعمّ التظاهرات الشوارع والساحات رافعة علم الجمهورية السورية ومطالبة بالجيش السوري لينقذها من ظلم هذه الميليشيات، التابعة مباشرة لقوات الاحتلال الأميركية في منطقة الجزيرة، في الشمال السوري.

ولا يمكن للإنسان العاقل إلا أن يجد أكثر من وجه شبه بين هذه الانتفاضة الشعبية الوطنية الحاصلة في الشمال السوري، تمسكاً بالهوية السوريّة، وتلك المتواصلة في منطقة الجولان السوري المحتلّ، حيث الانتفاضة لا تعرف الهدوء وحيث العلم الوطني السوري يرتفع على أيدي الأطفال قبل الشيوخ. وهذا دليل إضافي على أنّ المؤامرة الكونية ضدّ سورية تتقهقر أمام صمود شعبنا وجيشنا، مع التقدير الكامل للمساهمة القيّمة التي يقدّمها الحلفاء، من روسيا وإيران إلى المقاومة اللبنانية وأبناء النهضة السورية القومية الاجتماعية، والعديد من التشكيلات الوطنية.

بكثير من الهدوء والموضوعية يمكن القول لا بل الجزم، بأنّ هذا الصمود السوري الأسطوري يعطي ثماره وسوف يتوّج بالنصر المبين، مهما تراكمت الدعاية الحربية لحلف شمال الأطلسي، مهما عهّرت الميليشيات الخائنة، ومهما عربدت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في الجولان الصامد. فسورية كانت ولا تزال وستبقى للسوريين، واللعب بالنار لن يجدي نفعاً. فمن إدلب إلى الحسكة إلى الجولان، المعركة واحدة والعدو واحد، والنصر حتمي مهما بلغت التضحيات فـ «لن تكوني لسوانا يا شرايين دمانا / سوريانا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى