قطع المساعدات عن «أونروا» وارتباطه باقتراح الكونفدرالية…؟
حسن حردان
أثار قرار الإدارة الأميركية التوقف عن تقديم مساعداتها المالية، إلى وكالة «أونروا» لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، موجة عارمة من الاحتجاجات، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، على اعتبار أنّ مثل هذا القرار الأميركي، عدا عن كونه تخلياً أميركياً عن التزاماتها الدولية التي يفرضها قرار مجلس الأمن الدولي عام 1949 بإنشاء «أونروا» وتوفير المستلزمات المادية لها لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين ريثما تتأمّن شروط عودتهم إلى أرضهم وديارهم التي شرّدوا منها عام 1948 يشكل خطراً داهماً يستهدف شطب وإلغاء حق العودة، بعد الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية العنصرية، في سياق هجوم أميركي «إسرائيلي» لتصفية القضية الفلسطينية وفرض الحلّ الصهيوني للصراع، والذي بدأت مؤشراته بالكشف، تزامناً مع وقف المساعدات الأميركية، عن اقتراح إقامة اتحاد كونفدرالي يربط مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية بالأردن… هذا الاقتراح تبلغه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من واشنطن، وهو اشترط الموافقة علية بأن تكون الفدرالية بين الأردن والضفة والكيان «الإسرائيلي»، الأمر الذي يرسم علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كان ذلك يندرج في سياق تمهيد الطريق أمام تمرير صفقة القرن، ذلك أنّ مثل هذا الموقف لعباس يعني عملياً الموافقة على إلغاء حق العودة. ويؤشر إلى وجود اتفاق أنجز وراء الكواليس لتهيئة الأجواء لتمرير صفقة القرن.. وهو ما كان قد أفصح عنه صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير لـ «فورين بوليسي» بالقول: «لا يمكن أن يكون هدفنا الحفاظ على استقرار الأمور كما هي… ففي بعض الأحيان عليك أن تخاطر بطريقة استراتيجية وتقوم بتفكيك الأشياء للوصول إلى مسعاك»، وذلك في إشارة إلى عدم ممانعته أن يتسبّب انهيار «أونروا» وغيرها من الخطوات المعقدة في حدوث أضرار جانبية.
إنّ مثل هذه الخطوة الأميركية الهادفة إلى محاولة تحقيق هدف «إسرائيل» الاستراتيجي بإنهاء القضية الفلسطينية وشطب حقوق الشعب الفلسطيني وإلغاء حتى أيّ حق له بإقامة دولة مستقلة، إنما تسعى إلى نفي وجود هذا الشعب وجعله ملحقاً إما بالأردن، أو بمصر، أيّ اعتبار الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أقلية تحوز فقط على حق إقامة سلطة حكم ذاتي في الضفة مرتبطة بالأردن، وفي غزة مرتبطة بمصر، وهو الحلّ الذي كان قد اقترحه رئيس الحكومة الصهيونية مناحيم بيغن للقضية الفلسطينية، في أثناء المحادثات مع مصر أيام حكم الرئيس أنور السادات…
لكن هل من الممكن أن تحقق واشنطن وتل أبيب هدفهما في تمرير صفقة القرن؟
الأمر ليس بهذه البساطة، صحيح أنّ هناك مخططاً خطيراً ويملك القدرات والإمكانيات، وهناك من هو على استعداد لمساعدته فلسطينياً، وتحديداً السلطة الفلسطينية المرتبطة بالاحتلال، مادياً وأمنياً وسياسياً، لكن الصحيح أيضاً أنّ هناك العديد من العوامل التي تقف عقبة حقيقية أمام تنفيذ مثل هذا المخطط التصفوي للقضية الفلسطينية، وأهمّ هذه العوامل هي:
العامل الأول: فلسطينياً، إنّ رئيس السلطة الفلسطينية لا يملك تأييداً فلسطينياً يدعم خطوته الخطيرة بالموافقة على الكونفدرالية وشطب حق العودة، بل أنّ الغالبية من الشعب الفلسطيني ترفض هذا الخيار، وتتمسك بحق العودة مسيرات العودة الكبرى على تخوم غزة ، وهذه الغالبية متواجدة في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية ومخيمات الأردن وسورية ولبنان. وقطع المساعدات عنها سوف لن يقود سوى إلى تأجيج المقاومة والانتفاضة في الضفة وغزة، ودفع الشباب الفلسطيني للالتحاق بصفوف المقاومة وبالتالي إعادة تزخيم عمليات المقاومة والانتفاضة. وهو ما حذر منه ضباط صهاينة، إذ قال أحد كبار هؤلاء الضباط من الوحدة العسكرية التي تدير الضفة الغربية، في تعبيره عن القلق من قطع المساعدات عن «أونروا»: «هذه مصلحة أمنية تهمّنا جميعاً… نحن لا نريد أن يشعر الأطفال بالملل، وأن يبدأوا برمي الحجارة».
كما عبّر كبار مسؤولي الأمن «الإسرائيليين» عن هذا القلق. ووفقاً لتقرير في التلفزيون «الإسرائيلي» في نهاية الأسبوع الثالث من آب الماضي، إذ قال بعض من أولئك المسؤولين لمجلس الوزراء «الإسرائيلي» بأنّ هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية على «إسرائيل»، وقد «تضرم النار على الأرض». وحذر آخرون من أنّ حركة «حماس» ستملأ الفراغ الناجم عن أيّ تراجع في خدمات «أونروا».
أمّا أسباب القلق فليس من الصعب إدراكها. فكما ذكر أحد الدبلوماسيين الدوليين في القدس المحتلة ذات مرة، إنّ «أونروا» هي بالفعل «وكالة شبه حكومية» في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوفر التعليم والصحة والخدمات الأساسية الأخرى لحوالى مليوني شخص. وإلى جانب الضرر الأكبر الذي سيلحق بالاقتصاد الفلسطيني بعد وقف تطوير مشاريع النية التحتية – التي تشمل الطرق، والصرف الصحي، ونقل إمدادات الكهرباء والمياه وما شابه ذلك – هناك مشكلة شخصية وملحّة أكثر. وإجمالاً، يستفيد عشرات الآلاف من فلسطينيّي الضفة الغربية، سواء بشكل مباشر أو عبر أوساط الأسرة الموسعة، من التوظيف في هذه المشاريع. وفي هذا السياق قال المقدم المتقاعد في الجيش «الاسرائيلي» ألون إفياتار «ليس هناك من بدائل لجميع هؤلاء الناس، من حيث فرص العمل»، وفي إشارة إلى الخطر الأعظم المتمثل في الفراغ السياسي، أضاف: «إذا قَطعْتَ يداً، عليك أن تتأكد من أنّ اليد الأخرى تطعمهم».
العامل الثاني: إنّ قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة تملك القدرات المتزايدة على مواجهة مثل هذا المخطط وهي خرجت من الحروب التي شنّتها عليها «إسرائيل» أكثر قوة وتصميماً على مواصلة القتال والمقاومة لتحرير الأرض واستعادة الحقوق.
العامل الثالث: إنّ الظروف الدولية والإقليمية تبدّلت في غير مصلحة الهيمنة الأميركية واستطراداً «إسرائيل» التي تستمدّ قوتها من أميركا، فمعظم دول العالم باتت ترفض الهيمنة الأميركية وتسعى إلى إقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب، وهذه الدول لا توافق على إنهاء دور وكالة «أونروا»، وبالتالي لا تستطيع واشنطن أن تحظى بدعم مجلس الأمن لتمرير صفقة القرن المتعارضة مع جوهر القرارات الدولية والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدّمها حقه بالعودة إلى أرضه ودياره.