واشنطن تغتال «الروح» و«الرمز» وفي لبنان شركاء؟! 1

روزانا رمّال

ما يعني لبنان واللبنانيين من قضية قطع الولايات المتحدة الأميركية التمويل عن منظمة الأونروا المخصصة للاجئين الفلسطينيين كبير، ويكاد يكون لبنان أكثر الدول تأثراً بهذا القرار وبالحد الأدنى تحسباً له، لأن المؤشر الذي ارسلته الإدارة الأميركية الى المنطقة ولبنان تحديداً، سيئ للغاية لجهة رفع قضية النزوح الفلسطيني مجدداً الى الواجهة، بعد أن كان المجتمع اللبناني يركّز بالكامل على النزوح السوري، باعتبار ان عودة الفلسطينيين محتومة ولو بعد حين، إلا ان المرجو أميركياً هو العكس. فوقف التمويل عن الاونروا التي تشكل «رمزاً» للقضية الفلسطينية بشعارها وروحها وألوانها الزرقاء وتقديماتها هو «قتل» الأمل ونسف هذا «الرمز». فهذه المنظمة الأممية صارت ممزوجة بعبق القضية بالرغم من تجاوزات المؤسسة الأممية الكثيرة وعجزها الا انها والاونروا في المنطقة جزء لا يتجزأ من روحية «العودة». وهذه المؤسسة التابعة للأمم المتحدة تعمل في البلدان خارج الارض المحتلة ضمن مفهوم عودة الفلسطينيين الى بلادهم. وقد تأسست المفاهيم التربوية والتعليمية لهؤلاء الاطفال الذين استفادوا من المساعدات التعليمية على هذا المفهوم. إلغاء العمل فيها يعني محو هذه الذاكرة من عقل كل طفل وأم وأب فلسطيني ونسفها من منطق الجيل الجديد.

عبء اللجوء الفلسطيني على «إسرائيل» كبير باعتبار أن الامل في العودة هو ضغط متلازم يلاحق «إسرائيل» لسبب اساسي وهو أن مفهومها يعني تعزيز القتال والمقاومة وتوسيع دائرة الطامحين للعمل المسلح بوجه «إسرائيل»، أما التخلص من هذا المفهوم فمن شأنه أن يحط عزيمة وهمة فلسطينيي الشتات وفلسطينيي الارض المحتلة المستفيدين بدورهم من مساعدات الأمم المتحدة. لكن الأهم يبقى توقيت هذا الموقف الأميركي الذي جاء في لحظة فلسطينية حساسة يعيش فيها الرئيس محمود عباس لحظات صحية حرجة إضافة الى الهدف الأضخم المعوّل عليه في إدارة ترامب ألا وهو «صفقة القرن» التي أوهم البعض الرئيس عباس انه تمّ الاستغناء عنها بعد رفض عربي سعودي. وهو الأمر الذي نقضته معلومات ومصادر دبلوماسية متابعة. فالصفقة توضع وترتب لها ارضية جدية تبدأ بتغيير المفاهيم لتصل الى وقت تنضج فيه العملية السياسية التي تحتاج تمهيداً يجب وضع الحجر الاساس فيه للاستتباع والحجر أميركي.

يصعب على الدول الأوروبية ان تنتهج هذا الخيار. وهي سارعت الى التمسك بالتقديمات للمنظمة منها المانيا. وهذا يوضع ضمن الخلاف السياسي الكبير بين انجيلا ميركل ودونالد ترامب، لكن الامور التي سارت بعكس مصلحة ورجاء الفلسطينيين بشأن نقل السفارة الأميركية الى القدس بدون تأثير أوروبي يذكر تمر اليوم بالطريقة ذاتها، بما يتعلق بالأونروا. فكل العوامل تأتي ضد المصلحة الفلسطينية ومن ضمنها انشغال الدول العربية بملفاتها وهمومها الكبرى من سورية والعراق والسعودية واليمن فليبيا وانفراط عقد القمة العربية والإجماع العربي حتى ضاع الطرح السياسي للقضية وفقد الأطر. وهو ما يؤكد ان «إسرائيل» وبالرغم من هزيمة مشروعها مع الأميركيين في سورية والعراق من تقسيم المنطقة، إلا انها نجحت من دون أدنى شك بتمييع القضية الفلسطينية عبر إلهاء العرب بخلافاتهم وادخالهم بحرب ضد إيران لتضيع القدس ومعها حقوق الفلسطينيين، وربما هذا ما يجعل مسألة إعادة الحساب بمبدأ الربح والخسارة عند المحاور خصوصاً أن محور المقاومة بديهي.

منذ اعلان النية الأميركية في البدء بفرش ارضية مناسبة لتمرير ما عرف بصفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية بالكامل من منظار عنصري، بدأ التساؤل عن دور المملكة العربية السعودية من كل ما يجري. الرفض المباشر الذي جاء على لسان الملك سلمان لصفقة القرن قوبل بصد من قبل الجهات التي تعتبر الرياض أحد أبرز المتورطين بالصفقة ليؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان منذ أيام أنه «التقى زعماء دول عربية لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل في تل أبيب وأن «القضية الفلسطينية لم تكن مطروحة في هذه اللقاءات». ولفت إلى «أنني أرى أين وقفنا أمام العالم العربي عندما دخلت إلى مكتب رئيس الحكومة عام 1996، وأين نقف اليوم ولقد عبرنا معهم ثلاثة أرباع الطريق ونحن نتحدث معهم عن التهديدات الحقيقية: إيران ، القاعدة ، والحركات الإرهابية»، مشيراً إلى»أنهم يدركون ماذا يمكن أن يحصلوا عليه من «إسرائيل»: معلومات استخبارية، خبرة، تكنولوجيا وتعاون استراتيجي ولا أذكر أن هؤلاء الزعماء العرب طرحوا بمبادرتهم القضية الفلسطينية، ليس كبند أول أو ثان أو ثالث،» مضيفاً حول العلاقات غير المعلنة بين هذه الدول و»إسرائيل»: «السبب هو أنه ما زالت هناك فجوة عميقة بالنظر إلى إسرائيل بين مواقف القيادات والشارع»، في تلك الدول يقصد ليبرمان بالتأكيد الشعوب والحكام..

مجلة فورين بوليسي نشرت نقلاً عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة على القضية، أن ترامب اتخذ قراره مطلع شهر آب 2018 وذلك خلال اجتماع مع مستشاره وصهره جاريد كوشنر ووزير الخارجية مايك بومبيو وأن الإدارة الأميركية أبلغت حكومات عدة لم تذكرها بهذا القرار.

اسم جاريد كوشنير المرتبط بصفقة القرن وما حولها.. وتصفية القضية الفلسطينية على المحك اما في لبنان وحدها الخارجية اللبنانية المتمثلة بوزيرها جبران باسيل تحذّر من أبعاد قطع المعونات عن الأونروا وما يعنيه من توطين في لبنان، مذكرة بصفقة القرن، وذلك بغياب تام للمواقف من على المقلب السياسي الآخر. والسؤال الأخطر لبنانياً صار «هل صار هناك شركاء محليون لبنانيون من حلفاء الولايات المتحدة وبعض الدول الخليجية في تمرير صفقة القرن بالسكوت او المشاركة وربما بالاطلاع على التفاصيل المقدرة كافة؟ وهل هناك دور مباشر لهم يترجم في المرحلة المقبلة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى