إلبيرا نابارو: أستسلم لحدسي لأنّ التخطيط للكتابة غير مجدٍ
محتفياً بالكتابات الإسبانية الشابة والمتميزة، حاور الموقع الإلكتروني لـ «مركز الإبداع للكُتّاب» في مدريد الروائية إلبيرا نابارو 1976 . التي صدرت لها حتى الآن ثلاث روايات هي «المدينة في الشتاء» و«المدينة السعيدة» و«العاملة»، وحازت عدداً من الجوائز، واعتبرتها صحيفة «الكولتورال» واحدة من أهم عشرة كُتّاب في الألفية الجديدة، وهنا وقائع الحوار:
أنتِ كاتبة وبروفيسورة وناشرة، ونبداًمن كونك بروفيسورة في الآداب، حدثيني منذ متى بدأتِ هذا العمل، وما هي الأشياء التي لا يمكن الاستغناء عنها على الأقل بالنسبة إليك في هذا المجال وما يعنيه التدريس لك؟
– بدأت في تدريس الأدب منذ 2009. قبل ذلك عملت مصححة من الخارج مع دور نشر، لمدة ستة أشهر فحسب، وتركتهم لأنهم لم يدفعوا لي أجري. تجاوزت هذه المرحلة بمساعدة أنطونيو خيمينث إلى مرحلة أخرى هي التدريس في ورش الكتابة الإبداعية. حينها اكتشفت أمراً لم أعرفه أبداً عن نفسي: قدرتي على التدريس. وفي رأيي، لا يمكن الاستغناء عن دينامية المجموعة، أن يشارك الجميع وأن يقدموا تقويماً مختلفاً في وجهات النظر حول الأدب. أحاول كذلك أن يكتشف الدارسون أي نوع من الكُتّاب هم، وأن أحترمهم وأساعدهم بناءً على ذلك في ما يبحثون عنه. بذلك أرى أن التدريس لا يصح أن يكون دوغمائياً. لا شيء أشد عداوة للمعرفة من الدوغما.
لدى اتخاذ قرار كتابة رواية، ما الذي ترينه ضرورياً؟ وما العائق الرئيسي في رأيك الذي على الكاتب الانتصار عليه؟
ـ أكثر ما أراه ضرورياً الحاجة إلى الكلام، إلى الاكتشاف. شيء ما يصبغ روحك بعمق، رغم أنني لا أعتقد ذلك قانوناً عالمياً. هناك من يعتبر الضرورات أموراً أخرى، ويكتب من تلك المنطقة. كذلك لا أعتقد أن ثمة صخرة أكبر من أخرى، فاعتبار وجود عقبة رئيسية يتوقف دوماً على القدرات والتحديدات الخاصة بكل كاتب.
ما هي عاداتك الخاصة ككاتبة؟
-أحب الكتابة مع فنجان شاي، أو أي مشروب عشبي آخر.
في روايتك الأخيرة «العاملة»، يلعب الميتاسرد دوراً مهماً، وسواءً في تأملات الراوية «إليسا» حول عملها، خاصة قصتها التي تقدمها إلينا في البداية على هيئة نسخ من حكاية سوسانا، أو المحادثة النهائية في الجزء الثالث من الكتاب، يشغل التأمل حول الكتابة جزءاً كبيراً في الرواية، لماذا؟
-لم أخطط لذلك مسبقاً، وأودّ القول إن التأمل حول الكتابة نفسها لم يكن جزءاً من الأفكار التي انطلقت منها للكتابة، لكنها فرضت نفسها لأسباب خاصة بالحبكة: احتجت إلى لحظة أصبحتْ فيها المصححة كاتبة لتنسج التوازي بين نصيبها في العمل الفني وعمل سوسانا، هذا ما دفعني للتأمل حول الكتابة داخل الرواية.
تضم الرواية، في جانب آخر، عناصر رمزية ومجازية متعددة: الحشرات، رجال الشاحنة، الذين يجمعون ويطلقون الورق المقوى، تشوه فابيو، السجن الذي اختفى، الخرائط وهذه المدينة الأخرى التي ترسمينها، ومحيط المدينة… كيف تعملين على المستوى الدلالي لحكاياتك؟
-التخطيط للكتابة لا يجدي نفعاً معي، أستسلم لحدسي فحسب. أي أنني، وعلى نحو واعٍ، لا أمنح قيمة رمزية أو مجازية لهذه العناصر، ما لا يمنع أن يفسرها القارئ كما يشاء، بل إنني قد أرجع ذلك إلى الشيء نفسه على مستوى اللاوعي. الحشرات، القزم، السجن… كلها تظهر كعناصر جاذبة لي إذ تحتوي على دلالات لفظية تلميحية أكثر منها تصريحية، لكنني لا أريد أن يُفهم أن السرد يسير منفرداً، أوضح أنني أسيطر على الجزء المنطقي بالحكاية، غير أن ثمة منطقة ظلال تنتشر وحدها، ومن الضروري أن تنتشر وحدها، فمثلما يحدث في الحياة ثمة عناصر تظهر من دون أن نفهم السبب، وهذا الظلام يبدو معقولاً أكثر من الرقابة الشديدة على المعنى، فهذه الأخيرة تؤدي إلى «ميكانيزم» يعطي تأثير الورق المقوى.
ثمة لحظة تقول فيها الراوية إن الأشخاص الذين ينتحرون من فوق جسر ليسوا يائسين، بل هم ببساطة أناس وصلوا قبل نهايتهم وتحركهم روح عملية. في لحظة أخرى تقول الراوية عن الموت إن نتيجة التحول إلى الإلحاد كان، فجأة، الإيمان بالموت، «الإيمان بالموت فوق كل شيء». يمثل الموت في روايتك أحد المواضيع الرئيسية بلا شك، هل هو موضوع رئيسي لك ولأدبك؟
– في «المدينة في الشتاء» و«المدينة السعيدة» لم يكن للموت بطولة، باستثناء استخدامه على نحو مجازي تعبيراً عن التغيير، لكنه في «العاملة» موضوع يطل برأسه في مناسبات ليست قليلة، رغم أنه ليس الموضوع الأساسي في الرواية. أعتقد أن ظهور الموت في الكتاب ناتج من خبرات حياتية محددة، فمنذ فترة قريبة مات شخصان مهمّان في حياتي وكانا في سن الشباب. عندما يحدث ذلك تشعر بأن الموت يطرق أيضاً بابك، وتنتبه بطريقة أكثر حميمية إلى هشاشتنا بشراً، ما يدفعك إلى التأمّل غير التنظيري، بل المرتبط بكيف تتحمل اختفاء من تحبهم واختفاءك نفسه.
إذا كان الموت مرعباً فلأننا لا نتحمل مسؤوليته، لكن عندما يموت عزيز لدينا نقبل ذلك مضطرين. في روايتي التي أعمل عليها الآن يمثّل الموت موضوعاً رئيسياً، من دون أن أعرف هل سيتحول إلى موضوع أساسي في كتابتي أم لا.
لو تحتم عليكِ اختيار كتاب واحد من بين سائر الكتب، ماذا تختارين؟
– «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي.