الكونفدرالية الفلسطينية الأردنية

عباس الجمعة

تعلو هذه الأيام على الساحة الفلسطينية مرة أخرى الأطروحات الخاصة بمسألة قيام كونفدرالية بين فلسطين والأردن، ومن المعروف أنّ هذه الأطروحات كانت دوماً مرتبطة بسيناريوات الحلول المقترحة، وهي تتزامن مع صفقة القرن، ومواكبة للضغوطات الأميركية الإسرائيلية التي تستهدف حقوق الشعب الفلسطيني.

هنا نرى الموقف الأردني الرافض لإقامة كونفدرالية، ونحن نتطلع الى استمرار نضالنا بعد الصمود الوطني والشعبي بمواجهة ما تحيكه الإدارة الأميركية من مشاريع، فالشعب الفلسطيني الذي يقدّم التضحيات اليومية هو مع تطبيق الحقوق الفلسطينيّة المتمثّلة بإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» ودعم الفلسطينيّين لنيل حقوقهم.

انّ خطورة المرحلة اليوم عندما نرى تسارع العرب باتجاه التطبيع مع كيان الاحتلال بشكل واضح، كما هناك تراجع في المواقف الحازمة لبعض المواقف العربيّة تجاه «إسرائيل»، مما يتطلّب موقفاً عربياً موحّداً قائماً على أساس الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والعمل من أجل عقد مؤتمر دولي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي مقدّمة القرارات القرار 194 القاضي بحق العودة للاّجئين الفلسطينيّين الى ديارهم وممتلكاتهم، لذلك نقول كفى مراهنات على المشروع الأميركي وهذا يستدعي دعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله حتى تحقيق مطالبه العادلة بالعودة والحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال، من دون الحديث عن كونفدرالية مع الأردن وغيرها من هذه المشاريع المرفوضة من قبل الشعب الفلسطيني.

أنّ الشعب الفلسطيني يعيش مرحلة تحرّر وطني، والصراع ليس نزاعاً بين دولتين على تحديد الحدود، إنما صراع وجود بين احتلال وشعب تعرّض لنكبة أفضت إلى ابتلاع أرضه، واقتلاع أكثر من نصفه، واغتصاب حقوقه الوطنية والتاريخية، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، التي تكفل الحدّ الأدنى من الحقوق الفلسطينية لا يجوز التفاوض عليها، أو اختزالها، فالحقوق الوطنية في العودة والدولة وتقرير المصير لا مبادلة أو مفاضلة في ما بينها، وحتى إقامة دولة على حدود 1967، وعاصمتها القدس، كمهمة مباشرة للنضال الوطني، هي مهمة كفاحية.

من هنا نؤكد بأنّ المخاطر والتحديات التي تواجه شعبنا وقضيته الوطنية، تتطلب تطبيق اتفاقات المصالحة وتعزيز الوحدة الوطنية والشراكة الجادّة في تقرير السياسات من الصعب النجاح في مواجهتها، وخاصة هناك التحدي الدائم بوجود الاحتلال بكلّ مكوّناته، وسياساته التي تعمل على فرض الأمر الواقع في الأراضي الفلسطينية بما يحول دون إمكانية تجسيد الدولة بل ويقطع الطريق عليها، فالاستيطان يتسارع بشكل غير مسبوق.

في ظلّ هذه الأوضاع نرى انّ مواجهة سياسة الاستيطان تتطلب نضالاً متواصلاً وأشكالاً نقيضة للاستيطان، وهناك تحدّ سياسي آخر، وهو ما يمكن ان يبنى على نتائج «صفقة القرن» من مشاريع حلول تتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني كاملة بعد وقف المساعدات الأميركية عن وكالة «أونروا» ونقل السفارة الأميركية الى القدس واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، تستدعي كلّ هذه الأمور صحوة وطنية، ولعلّ خيار الكونفدرالية مع الأردن الذي يجري تداوله الآن يصبح أحد المشاريع المتداولة خلال الفترة المقبلة.

إنّ المطلوب الآن ودون تردّد هو رفض هذه الضغوط، وعدم الاستجابة لأيّ مبادرات تعيدنا إلى نقطة الصفر، وإلى اعتماد سياسة الصمود والتحدي التي اختبرت وثبتت نجاعتها، وانّ إثارة موضوع إقامة كونفدرالية بين الأراضي الفلسطينية والأردن في هذا التوقيت يعتبر مفاجأة للرأي الفلسطيني، خاصة انّ الكونفدرالية تنشأ بين دول مستقلة، والفلسطينيون لم يحققوا هذه الدولة بعد، فالحديث عن إمكانية تحقيق كونفدرالية يقطع الطريق على إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ختاماً لا بدّ من القول إنّ شعبنا الفلسطيني لديه درجة عالية من الوعي والإدراك لحقوقه الوطنية، وقادر على أن يناضل في كلّ الظروف من أجل استعادة هذه الحقوق، وهذا يتطلب من الجميع استثمار الظرف الموضوعي الموجود الآن لإنهاء الانقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة، وإجراء مراجعة شاملة للمسار الفلسطيني، وتعزيز للوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى