بولتون يفضح التلاعب الأميركي بالمحاكم الدولية: ليست شرعية وسنعاقبها إذا قاضت «إسرائيل» الحريري في لاهاي ينتظر المحكمة… ويردّ على عون بالاحتكام للثقة… والهجوم على الفرزلي

كتب المحرّر السياسيّ

مرّ العاشر من أيلول من دون حكومة في لبنان وفي العراق، وثبت أن قرار التعطيل مطلوب بذاته، وأن الانتظار قرار، وأن اللعبة مفتوحة في المنطقة على دفرسوار إدلب الذي تجمّع فيه كل رجالات أميركا في سورية الذين موّلتهم وسلّحتهم ودرّبتهم ونظّمتهم وكالة المخابرات الأميركية ضمن برنامج «تامبر سيكامور»، لإسقاط سورية ورئيسها وجيشها وفشلت. وحيث ضباطها هناك يديرون الاستعدادات لعرقلة اكتمال نصر سورية وإيران وروسيا، للبقاء في شرق الفرات، نفّذت المخابرات الأميركية عملية اغتيال لضباط وعناصر أمنية سورية بأيد كردية، في رسالة عن حجم المواجهة المصيرية التي تخوضها واشنطن في إدلب، تحت سقف عدم التورط في حرب شاملة، لكن بتوظيف كل مقدراتها ومقدرات حلفائها سياسياً ودبلوماسياً ومخابراتياً ومالياً لعرقلة نصر سورية وحلفائها.

بالتوازي، تحضيرات متأنية للعمليات العسكرية في إدلب، حيث يتواصل التمهيد الناري، والاتصالات الروسية التركية، والتحضير للعمليات الميدانية، مع أخذ الخصوصيات بالحساب، حيث لا باصات خضراء تقلّ المسلحين هذه المرة، وحيث الآلاف من الأجانب الذين لا مفرّ لهم من القتال، وحيث الإيغور والتركستان من منشأ صيني وروسي سيقاتلون حتى الموت، لكن القرار بالحسم لا رجعة عنها، وستحمل بشائره الأيام القليلة المقبلة.

في العراق انقلبت الوقائع لصالح محور المقاومة مع تخطي الانقسام الذي تسبّب به ترشيح رئيس الحكومة حيدر العبادي لولاية ثانية، والذي خيضت لأجل تثبيته المخاطرة بخراب البصرة، لتأتي النتائج عكسية فيُطاح العبادي وتنفتح أبواب الحوار مجدداً بين تكتلي سائرون والفتح تحت عنوان الحكومة الجامعة، والبحث عن اسم مرشح توافقي لرئاسة الحكومة، بعد وضوح مضمون بيان المرجعية في النجف، وتشجيعها على التوافق والحوار، واستبعاد الأسماء التي سبق وتولت الحكم عن الترشيح، ما يعني استبعاد العبادي نهائياً، باعتبار أن الرئيس السابق للحكومة نوري المالكي لم يكن مرشحاً أصلاً.

في لبنان حيث يتوقع أن تكون لإطلالات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بمناسبة ليالي عاشوراء، مواقف سياسية من التطوّرات مع بدء أعمال المرافعات في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، توجّه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري إلى لاهاي لحضور افتتاح أعمال دورة المرافعات الأخيرة للمحكمة التي جرى إعدادها أميركياً لتجريم حزب الله، والتي لم يخفِ نواب تيار المستقبل ربطها بعملية تشكيل الحكومة، ليكتمل مشهد التلاعب السياسي بالمحاكم الدولية والمعايير المزدوجة للتعامل معها، بالكلام الذي قاله مستشار الأمن القومي الأميركي عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تنظر في الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، أن حكومته لن تتسامح مع أي محاكمة بحق «إسرائيل»، وستقاضي قضاتها وتعاقبهم وتجمّد أصول المحكمة، وتمنع القضاة من دخول الأراضي الأميركية، بينما يطلب من اللبنانيين التعامل بقدسية مع المحكمة الخاصة، واعتبار أحكامها منزلة، لمجرد أن واشنطن ترضى عن أعمالها، وتسيّرها، وواشنطن لا تخفي أنها تؤيد المحاكم المطيعة، والتي تنفذ طلباتها، وتهدّد وتتوعّد المحاكم التي قد تطال جانباً من الالتزامات الأميركية تجاه «إسرائيل».

الحريري قبل افتتاح المحكمة في لاهاي، مرّر عبر نوابه ردوداً على رئيس الجمهورية، بالقول إن المعيار لصحة التشكيلة الحكومية التي يقدّمها الرئيس المكلف هي الثقة النيابية، ما يعني اعتبار رئيس الجمهورية ملزماً بتوقيع أي تشكيلة يقدّمها الرئيس المكلف، وهو ما دفع مصادر سياسية مطلعة، للقول ولماذا يجب أن يوقع رئيس الجمهورية على التشكيلة وفقاً للدستور وأن يشكل الحكومة بالتشارك مع رئيس الحكومة، أليس من الأفضل في هذه الحالة أن يشكل الرئيس المكلّف حكومته ويذهب بها إلى المجلس النيابي، وعندما تنال الثقة تحكم؟

المصادر رأت بالتصعيد الذي بادر إليه تيار المستقبل في أكثر من اتجاه بعيداً عن المضمون السياسي افتعالاً لسجالات تنسجم مع السعي لتوظيف المحكمة في العملية الحكومية، وتوظيفهما معاً في الانتظار المرتبط بعملية إدلب. ووضعت المصادر الهجوم على نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي في هذا الإطار.

وبينما تواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين « الأونروا» عجزاً يُقدّر بـ 200 مليون دولار وتستعدّ للمشاركة في لقاء الجامعة العربية اليوم في وقت حاسم لأزمة غير مسبوقة مادياً، يحمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، جارياً على عادته هموم الفلسطينيين والنازحين السوريين والانتهاكات الإسرائيلية الى البرلمان الأوروبي. فالرئيس عون يدرك من منطلق استشرافه مآل التطورات في المنطقة أن الولايات المتحدة الاميركية تسعى الى توطين الفلسطينيين حيث هم لبنان والأردن على وجه الخصوص . فهي قبل أن تلجأ الى قطع مساعداتها عن الاونروا، اعترفت بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقلت سفارتها الى القدس من تل أبيب.

وعلى هذا الأساس أشارت مصادر متابعة لزيارة ستراسبورغ لـ«البناء» إلى أن رئيس الجمهورية الذي يلقي كلمة لبنان امام البرلمان الأوروبي، سيؤكد تصدّي لبنان لتوطين الفلسطينيين الذي يرفضه الدستور، وسيشدّد على أهمية دعم الأوروبيين لوكالة الأونروا، لما لذلك من تأثير إيجابي على اوضاع الفلسطينيين الاجتماعية والتعليمية والصحية. كما سيتناول الرئيس عون ملف النازحين السوريين لجهة تحقيق عودتهم الى بلادهم ودعم المبادرة الروسية التي لا تنتظر الحل السياسي، لا سيما أن أكثرية المدن السورية جرى تحريرها من الإرهاب. كما سيتناول الرئيس عون في كلمته وفي لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين اهمية تطوير العلاقات الاقتصادية اللبنانية الأوروبية لا سيما ان هناك اتفاقية شراكة بين لبنان والبرلمان الأوروبي دخلت حيز التنفيذ في العام 2006.

وكان الرئيس عون أكد أمس، في دردشة مع الصحافيين على متن الطائرة التي اقلته الى ستراسبورغ أنه «عندما تصبح الصيغة الحكومية متوازنة يتم تشكيل الحكومة وفق المعايير والمبادئ التي أطلقتها في خطابي يوم الأول من آب الماضي والتي تلقى تجاوباً من كل الأطراف». وأضاف: «لا يجوز لأي فئة او طائفة احتكار التمثيل او تهميش فئة لمصلحة أخرى او إقصاء أحد». وردا على سؤال، اعتبر أنه «يتم حالياً التلهي بمسألة الصلاحيات لصرف الأنظار عن المسألة الاساسية، وهي تشكيل الحكومة، في حين أن الدستور ينص على الشراكة بين الرئاستين الاولى والثالثة في التأليف. فليفسّروا لنا معنى هذا، إذ لا مجال للاجتهاد بوجود النص الدستوري». وعن نيته توجيه رسالة الى المجلس النيابي هذا الشهر لحضّ الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، اكتفى عون بالقول: «يمكن ذلك، وهذا حق دستوري».

اختيار الفرزلي ليس عبثاً

وعلى صعيد الصراع المستحكم بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، فإن معدّي مقدمة أخبار تلفزيون المستقبل لم يختاروا شخص نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي للتصويب عليه عن عبث. فاتّهام تلفزيون المستقبل الفرزلي بأنه «يفتح اليوم خزائنه القديمة ليكرر مع الرئيس سعد الحريري ما صنعه مع والده الشهيد، وما صنعه مع الرئيس العماد ميشال عون، وهو الذي كان لسنوات طويلة رأس حربة النظام السوري في الهجوم على الرئيس عون يومذاك»، مشيــرة الى أن «الفرزلي تولى في العام 1998 إعداد الفذلكة الدستورية والسياسية لتجيير أصوات عدد من النواب خلال الاستشارات النيابية بهدف إخراج الرئيس الشهيد من الحكم بأمر عمليات سوري»، كما ورد في مقدمة «المستقبل».

وفي السياق تؤكد مصادر المستقبل لـ«البناء» أن ما تقدم يأتي في سياق التصدي لأي اتهام من قبل فريق الفرزلي للرئيس الحريري بأنه المعطّل لمسار التأليف، مشددة على أن أزمة الفراغ الحكومي اذا استمرت طويلاً ستصيب شظاياه العهد الذي كان يعوّل على هذه الحكومة العتيدة بصفتها أولى حكومات عهده بعد الانتخابات النيابية من اجل تحقيق ما يريد من إنجازات. وعلى هذا الأساس تشير المصادر الى أن لا مصلحة لأحد برفع السقوف والتحدي، وفرض شروط تتجاوز الصلاحيات المناطة بالرئاسة الأولى، معتبرة أن الفرزلي لم يتحدث بهذه اللهجة من تلقاء نفسه.

وعلى هذا الأساس وضعت مصادر متابعة للعلاقة بين بعبدا وبيت الوسط لـ«البناء» شنّ الهجوم على الفرزلي في خانة توجيه الرسائل لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعيداً عن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لا سيما أن الفرزلي يمثل أهم رمزيات العملية الانتخابية، لا سيما أن انتخابه جاء رسملة لما يسمّى البرلمان الجديد، وبالتالي فإن الهجوم عليه جاء تجاوزاً وتخطياً لما حصل عليه نائب رئيس مجلس النواب من رأسمال سياسي – انتخابي.

ورغم ذلك، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيبقى، بحسب مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» مصراً على اعتماد معيار نتائج الانتخابات لتشكيل الحكومة، لا سيما أن ما طرحه الرئيس عون من ملاحظات على صيغة الرئيس المكلف سعد الحريري يهدف إلى تصويب مسار التأليف بطريقة تحفظ عدالة التمثيل، باعتماد المعيار الواحد، وهو على موقفه أنه لن يوقع على مرسوم تأليف الحكومة الذي لم تكن منسجمة مع تطلعاته لحكومة فاعلة ومنتجة.

استمرار المراوحة

وتشدد مصادر مطلعة سياسية لـ«البناء» على أن الأمور لا تزال تراوح مكانها، فشدّ الحبال لا يزال سيد الموقف عند المكونات السياسية التي لا تزال ترفض التراجع عن مطالبها مستخدمة ورقتي الصلاحيات والدستور، ولفتت المصادر إلى ضرورة استبعاد السجالات الطائف والصلاحيات لا سيما أن الحكومة لن تتألف من دون توافق وتفاهم المكوّنات السياسية، مشدّدة على أن الرئيس المكلف معني بضرورة بذل الجهود لتأليف حكومة بأسرع وقت، على قاعدة اعتماد النسبية التي من شأنها أن تحدّد الأحجام الحقيقية لكل فريق من دون إقصاء أي مكوّن، لا سيما أن اعتماد النسبية في الانتخابات النيابية أعطى كل فريق حجمه الطبيعي من دون أي تضخيم.

سأل عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق عن «خلفية تأخير تشكيل الحكومة، وهل التأخير هو متعمد أم عمل بريء؟»، مشدداً على أن «التأخير في التشكيل له خلفية وأهداف سياسية تتلخص بمشروع ركِّب في الخارج، وفرض على اللبنانيين إقامة تحالف واصطفاف جديد لمواجهة سياسية جديدة لأهداف خارجية، والمستهدف بالدرحة الأولى ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون».

وشدد قاووق على أن حزب الله في موقع متقدم في متابعة المساعي لحل العقد وتسريع تشكيل الحكومة، شرط أن تكون حكومة وحدة وطنية، تعتمد معياراً واحداً، وليست استنسابية في المعايير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى