الحريري ينتظر تثبيت حصة القوات بـ 3 حقائب ووزير دولة… لينطلق نحو العقد الباقية

كتب المحرّر السياسيّ

التصعيد المسيطر على المشهدين الدولي والإقليمي يكفي للاستنتاج بأننا نعيش الربع الأخير من الساعة في الحروب المشتعلة على مساحة المنطقة، ولسنا على أبواب انتقالها إلى حرب أكبر، كما قال مصدر دبلوماسي واسع الاطلاع. فالتجاذب يدور حول قضايا مصيرية للفرقاء المتقابلين، ويصعب التسليم بالخسارة من الفريق الذي تقوده واشنطن وهو يملك أوراق الضغط التي تمثلها العقوبات، لكنه يكتشف أنها أوراق ستستدرجه للمواجهة المباشرة التي يسعى لتفاديها، كما هو حال الردّ الإيراني المنتظر على العقوبات النفطية، إذا تمّت وفقاً للسيناريو المرسوم أميركياً، بإغلاق مضيق هرمز وما يرتّبه من تحدٍّ ميداني عسكري على الأميركيين. ومثلما كان الوجود الأميركي في العراق بمنأى عن الاستهداف بغطاء قواعد الاشتباك التي توصل إليها الأميركيون مع الإيرانيين، فإن نسف هذه القواعد يجعل القواعد الأميركية مكشوفة أمام قوى المقاومة العراقية. والتهديد الأميركي بتحميل إيران مسؤولية أي استهداف لقواعدها في العراق استجلب رداً إيرانياً قاسياً على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني، بتذكير من تنشر قواعدهم في دائرة شعاعها ألفي كليومتر حول إيران، بأن الصواريخ الإيرانية شديدة الدقة ولا يمكن تفاديها.

بالتوازي ربحت موسكو الرهان على معركة موقع أنقرة في السباق مع واشنطن، حيث راهن الأميركيون على جذب تركيا لموقع خارج التحالف مع روسيا وإيران في معركة إدلب، وقدموا لتركيا عروضاً مغرية بتفويضهم ترتيب إدلب بقرار أممي إذا صمدوا بوجه التهديدات الروسية السورية الإيرانية ببدء الحسم العسكري. وكانت حصيلة الثبات الروسي السوري الإيراني استعداد تركيا لتولي أمر جبهة النصرة وسائر الجماعات الإرهابية المطلوب تفكيكها وإخراجها من محافظة إدلب، وبعضها يستحيل التعامل معه بغير القوة العسكرية. وقالت مصادر روسية إعلامية إن مهلة شهر منحت لتركيا لتظهير الجدية في المسار الذي تعهّدت به، والذي يفترض أن تكون الخطوة الحاسمة فيه نهاية هذا الشهر مع انعقاد قمة روسية تركية مرتقبة يحضرها رؤساء الأركان ووزراء الدفاع والخارجية.

لبنانياً، وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري الحالة الحكومية بالـ «مقفلة عالآخر»، منتقلاً بذلك من «التشاؤل» كمرتبة بين التفاؤل والتشاؤم الذي أعلنه قبل أسبوعين، وجاءت صيغة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري التي قدّمها إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وما تلاها من سجالات وتباينات لتنقله إلى التشاؤم، مع فسحة أمل أبقاها للتشاور الذي يُفترض أن يعود بين الرئيسين عون والحريري بعدما عادا من الخارج.

على مستوى المشاورات تقول مصادر متابعة إن الرئيس الحريري الذي عاد برؤية واقعية سياسياً من حضوره لجلسات المحكمة الدولية، وظهور محدودية جدية ما قدّمه الإدعاء العام كأدلة تضعف الدور المأمول سياسياً من المحكمة. وقالت المصادر إن هذه الواقعية التي لا يجوز إنكار خلفيتها الوطنية أيضاً، ستظهر بسعي الحريري لتثبيت حصة القوات اللبنانية عند أربعة وزراء بثلاثة حقائب ووزير دولة والسعي لتحديد نهائي لهذه الحقائب بالتراضي مع رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، ليحصل بعدها على موافقة القوات، لأنه لا يريد التحرك مرة أخرى على جبهة القوات من دون ضمان مسبق بقبول التيار ورئيس الجمهورية بما يصل إليه. وقالت المصادر إن الحريري يعتقد بأن نجاحه على هذا المحور سيفتح الباب للعقدة الدرزية والاستعانة بالرئيس بري لحلها، وسيتكفل بتقديم عرض لرئيس الجمهورية حول العقدة السنية، وفسّرت المصادر التصعيد الذي بدأه الحزب التقدمي الاشتراكي ضد رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، تحت شعار العهد الفاشل، يأتي تحسساً من الاشتراكي لكونه سيكون الحلقة الثانية للتنازلات بعد حلحلة العقدة القواتية، ولهذا فهو يشجّع القوات على عدم التنازل تفادياً للحظة الصعبة.

في وقت يستعدّ رئيس الحكومة المكلف لجولة جديدة من المشاورات لحلحلة العقد أمام تأليف الحكومة، واصلت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري جلسات المحاكمة في لاهاي، لكن فريق الادعاء أمس، رفع مستوى اتهامه لحزب الله، فبعد القيادي في الحزب الشهيد مصطفى بدر الدين زُج باسم المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل في التورط بالاغتيال من دون تقديم أي دليل على ذلك سوى ربط داتا الاتصالات بالحيّز المكاني، متبعاً بذلك سياسة الهروب الى الأمام ومزيداً من تضليل الرأي العام والتعمية على ثغرات المحكمة وافتقادها الى الأدلة والقرائن فضلاً عن اعتمادها فرضية واحدة وتجاهلها فرضيات أخرى. وقالت مصادر مطلعة لــ»البناء» إن «المحكمة فقدت ثقة الرأي العام واستمرارها في عملها عبثاً وعبئاً كبيراً على لبنان واللبنانيين وعلى عائلة الرئيس الحريري أيضاً»، مشيرة الى أن «فريق المقاومة لا يعنيه مسألة المحكمة وموقفه بات معروفاً منها مهما بلغت قراراتها، فهي محكمة مسيّسة وأداة أميركية إسرائيلية للاقتصاص من المقاومة ولن تتمكن الولايات المتحدة من ابتزاز حزب الله بذلك، وكما واجه الحزب الحروب والمشاريع الأميركية في العام 2016 وفي سورية وغيرها سيواجه اي عدوان جديد متمثل بالمحكمة». وفي سياق ذلك، أعربت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن «المحكمة تثبت للجميع بأنها محكمة سياسية منذ إنشائها حتى الآن. وكلنا يعرف طريقة وظروف تأليفها غير الدستوري فضلاً عن كلفتها المرتفعة من جيوب اللبنانيين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة»، موضحة أن «موقفنا معروف من هذه المحكمة التي لم تعد مجدية».

الحريري: التعديلات لن تخرج عن التوازن!

بالعودة الى الشأن الحكومي، بدأ الرئيس المكلف سعد الحريري اتصالاته مع مختلف القوى السياسية في محاولة جديدة لتذليل عقد التأليف، وقالت أوساط الرئيس المكلف لـ»البناء» إن «التواصل مع الرئيس ميشال عون ومختلف القوى السياسية لم ينقطع»، مشيرة الى أن «الرئيس الحريري يجري اتصالات بعيداً عن الإعلام وهو يعمل على تشكيل الحكومة على قاعدة احترام التوازنات السياسية وليس فقط نتائج الانتخابات، لأن المجلس النيابي يحاسب الرئيس المكلّف وليس رئيس الجمهورية، لذلك يعمل الرئيس المكلف على إدخال بعض التعديلات التي طلبها عون لكن ضمن سقف هذا التوازن». ولفتت الى أن «الآليات الدستورية لتشكيل الحكومات معروفة، إذ إن المجلس النيابي هو الذي ينظر الى توازنات هذه الحكومة وملاءمتها للدستور ونتائج الانتخابات من خلال منح الثقة أو حجبها». ونفت المصادر أي رابط بين المحكمة والحكومة، مضيفة: «الحريري أعلن موقفه المسؤول والوطني وفصل المحكمة عن الوضع السياسي في لبنان». وعن موقف الحريري حيال أي قرارات جديدة للمحكمة قالت المصادر: «الحريري انتهج منذ سنوات سياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن سياسة المحاور، وبالتالي لن ينخرط بأي محور ضد محور آخر، بل تهمه مصلحة لبنان واستقراره».

وعن علاقته بالسعودية لفتت المصادر الى أن علاقته بالمملكة جيدة وسيزورها بعد تأليف الحكومة.

وأكد الحريري في تصريح من بيت الوسط، أنه «مستمر في مساعيه وجهوده الدؤوبة لتشكيل الحكومة الجديدة»، وقال: «بالرغم من الاختلافات والتباينات بين الأطراف السياسية نحن نأمل من خلال تعاطينا الهادئ والمسؤول مع كل الاطراف وتحلينا بالصبر، أن نصل في النهاية الى تأليف الحكومة والمباشرة بحل المشاكل التي تواجه البلد، لأنه من دون التحلي بالصبر ومقاربة الأمور بالحكمة لن نستطيع حل هذه المشاكل والنهوض بالبلد».

هجوم الاشتراكي على بعبدا…

في غضون ذلك، واصل الحزب التقدمي الاشتراكي هجومه على التيار الوطني الحر والعهد ورفع من سقف التصعيد والمواجهة أمس، من خلال موقف النائب وائل أبو فاعور الذي صوّب على بعبدا مباشرة، وقال في تصريح رداً على تصريحات الرئيس عون من ستراسبورغ: لا يزال البعض المستأسد بالسلطة، يعيش ثأره التاريخي ضد اتفاق الطائف وتوازناته وأركانه، وكل الذي يجري هو محاولة يائسة لتجويفه تمهيداً للانقلاب عليه». ولفت الى أن «محور الصراع الدائر حالياً، هو الحفاظ على الطائف أو دفنه كما يريد هذا البعض، وسيسجل التاريخ لهذه الولاية الرئاسية أنها رفعت منسوب الطائفية والشحن المذهبي بين اللبنانيين من قانون الانتخاب الى الخطاب السياسي، وأنها أعادت لبنان سنوات الى الوراء بعكس مسار السلم الأهلي وتضعه مجدداً أمام مخاطر الفتنة التي سعينا وسنسعى لوأدها مهما حاولوا وسنبقى أهل المصالحة وحماتها».

..و«التيار»: جنبلاط يريد تعطيل العهد

في المقابل يرفض التيار الوطني الحر هذا التهجّم العشوائي على التيار ورئيس البلاد، وأشار مصدر نيابي في التيار الوطني لـ»البناء» الى أن «الهجمات الكلامية المتتالية للاشتراكي على التيار ورئيس الجمهورية يثبت أنه يريد تعطيل العهد ويكشف الغضب الاشتراكي بعد أن تمّ إبلاغه من الرئيس المكلف بأنه من الصعوبة بمكان منحه 3 وزراء». ولفت المصدر العوني الى أن «الاشتراكي تعوّد على الاستئثار بالحكم والحصص والتفرد بالتمثيل الدرزي، وبالتالي يعمل على محاربة النهج الجديد الذي يمثله الرئيس عون ورؤيته للمرحلة المقبلة، فكيف يتهم الاشتراكي عون بالطائفية وهو من أركان الحرب الأهلية؟ وأكد بأن «الرئيس عون لن يقبل بمنح النائب وليد جنبلاط الحصة الدرزية الكاملة لأنه لن يقبل وجود أطراف معرقلة لعمل حكومة العهد الأولى وبالتالي تعطيل العهد ولن يتراجع تحت الضغوط السياسية والتهديد بحروب وعقوبات تارة وانهيار اقتصادي ومالي طوراً».

وأسف المصدر لموقف القوات اللبنانية المراوغ والمموّه، بالتهجم على التيار وتحييد رئيس الجمهورية. وهي أول من يستهدف الرئيس عون وعهده. ودعا الرئيس المكلف الى التغلب على الضغوظ الخارجية وابتزاز بعض الداخل واتخاذ خطوات جدية باتجاه حلحلة عقد تمثيل القوات والاشتراكي، موضحاً أن عدم تحديد مهلة للتأليف في الدستور يُتيح للرئيس المكلف بتضييع الوقت ما يضعنا أمام أزمة دستورية وسياسية إذا طال أمد التأليف».

«القوات»: لن نتنازل…

في المقابل، قال نائب رئيس حزب القوات النائب جورج عدوان إن «القوات لا تصعّد أبداً بل تدافع عن حصّة من تمثّل». وإذ أكد أن القوات تريد الحكومة اليوم قبل الغد، قال على هامش مشاركته في جلسة اللجان النيابية المشتركة إن «القوات» وصلت الى مكان لا يمكن أن تتنازل عن حقها التمثيلي»، مضيفاً «أعتقد أن المقترح الذي قام به الرئيس الحريري أقرب الى الواقع. فهو يهدف الى عكس التمثيل النيابي في الحكومة، وإذا هناك أي مقاربة أخرى من أي طرف تجب محاولة حلّ الموضوع».

حزب الله: بعض الداخل يعطّلون التأليف

بدوره، رأى رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن «المشكلة التي تحول دون تشكيل الحكومة هي أن البعض يستخفّ بفريق سياسي معين، ويرغب في تمثيل فريق سياسي آخر كما يشاء، ولا يريد لهذا الفريق أن يشارك في الحكومة. وبالتالي فإننا من خلال هذه الطريقة والمنطق نقع في الاستنسابية التي لا يمكن أن يرضى من يجب أن يرضوا من أجل تشكيل الحكومة». وقال خلال كلمة له في الجنوب: «نحن لا نقول إن هناك عاملاً وإيحاءات خارجية، ولكن هذه الأمور موجودة ولا نستبعدها، ولكن لا نشير إليها كسبب رئيسي، ولكن لولا الظروف والانتفاخات الداخلية عند البعض، والأهواء الداخلية عند البعض الآخر، لما أمكن للإيحاءات الخارجية أن تتدخّل لتعيق تشكيل الحكومة».

على صعيد آخر، كشف مصدر أردني رسمي لـ»رويترز» أن «سورية والأردن يجريان أول محادثات فنية لفتح معبر نصيب الحدودي المغلق منذ 2015».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى