نصرالله والعقيدة: بفضل جراحكم ينعم لبنان بالأمن والاستقرار

روزانا رمّال

في كل مرة يحيي حزب الله ذكرى عاشوراء تعود مسألة الانتماء العقائدي والايديولوجي التي ينتمي اليها الحزب الى الواجهة، ويصبح الحديث عن مسألة القتال متشعباً وتحضر مفاهيم ومفاهيم مقابلة، لكن منذ العام 2011 حتى اليوم ومع اندلاع معارك الايديولوجيا الإسلامية التكفيرية مقابل تلك المعتدلة حضر السلوك الذي يكرّسه حزب الله في القتال وممارسة العمل السياسي مقارنة مع قوى ومجموعات إسلامية متطرفة وصار مفهوم الجهاد يحمل شقين من الشروح البعيدة كل البعد عن بعضها البعض.

الجهاد بالنسبة لحزب الله يحمل مفهوماً عقائدياً واضح الخلفية. وهو مفهوم ديني محض يعتمد على الارتكاز الى العقيدة الإسلامية المحمدية بشقها «الحسيني». فيستقي شكل الشهادة من هذه السيرة التي نسج معها نوعاً من متلازمة الموت او الحياة من أجل الحق او ما يؤمن به الحزب ويراه الحق واليقين في خيارات طائفته التي يمثل في العالم الشيعي ككل. هذا المفهوم يعني الشهادة مقابل إحقاق عدالة ما ينادي بها من اجل الإنسان مواجهاً الاضطهاد او الاحتلال او محاولة التعدي على حقوق الناس. وبهذا يطرح مفهوم الثواب والعقاب فما الذي يربحه المقاتل في حزب الله وما الذي يخسره من أجل هذا الغرض.

الأكيد أن لا إغراءات دنيوية في مفهوم العقيدة القتالية في حزب الله، لكن الأكيد أيضاً انه لا يوجد اغراءات «أخروية» فنادراً ما ينظر مقاتلو حزب الله الى فكرة وجود الحوريات او جماليات الجنة ومكتسباتها بابتسامة يتساءلون فيها عن إمكانية ان يتقبل الله شهادتهم، لكن من دون مسعى من اجل هذه الغايات التي قد لا تكون واقعاً ملموساً في العالم الأخر بالمنظار نفسه المروج له في الروايات. فتحضر هنا فكرة القتال من اجل «الحق» والشهادة من أجل قضية والتضحية من اجل الآخرين لوجه الله بدون غايات ومصالح. مع العلم بان هذا الطريق هو طريق الصلاح الذي يأخذ الشهيد الى جنات النعيم عملاً بمبدأ المكافأة.

القتال من أجل رفع الظلم هو واقع سيرة الحسين الذي يعتبر قدوة الحزب وعقيدته القتالية الوحيدة في رؤيته لمفهوم الشهادة، ولا يوجد في هذا كله أي نوع من أنواع الضغط على المقاتل فلا يمكن لأي عنصر من عناصر الحزب القيام بمهمة قتالية وهو مرغم عليها لأنها تطلب الايمان بهذه العقيدة أولاً وأخيراً. هذا الشيء جعل من حزب الله عقائدياً بامتياز ورسم علامات استفهام حول امكانية مشاركة باقي الطوائف في القتال معه ضد «إسرائيل» او الإرهاب ليتبين بعدها واقع فسّر نفسه بنفسه قبل أن يعرض الحزب التعاون مع فكرة إنشاء سرايا المقاومة الجامعة التي تضمّ مقاتلين لبنانيين من كل الطوائف، إذا رغبوا بالمشاركة إلا ان هذه السرايا لن تنجح إلا بوجود عقيدة متماسكة يحتاجها أي تنظيم مسلح او جيش نظامي، أكانت وطنية أو دينية.

الفارق بين التنظيمات الجهادية وحزب الله هو هذه العقيدة التي ينتمي إليها، واستاذها الامام الحسين الذي جعل من فكرة الدفاع عن الحق او رفض الظلم او حقن الدماء أساساً لسياسته في المواجهة. الامر نفسه الذي ينطبق اليوم على حزب الله الذي ينتهج سياسة محلية مهادنة صرفة. وحجته في هذا بعد مساءلة جمهوره وامتعاضه من بعض التنازلات السياسية هو «حقن الدماء» والهرب من أي اشتباك داخلي يدرك تماماً ان استدراجه اليه هدف لا يغيب عن بال الولايات المتحدة و«إسرائيل» والقوى المحلية الحليفة لكلتيهما فكراً وسياقاً في الممارسة السياسية.

بالعودة الى المقارنة بين مفهوم العقائد تحضر العقيدة التكفيرية في التنظيمات الإرهابية المسلحة بشقها الداعشي أو الوهابي أو النصروي وما بينها وما حولها لترفع الغاية الشخصية الدنيوية وتلك الموعودة في الآخرة الى اعلى المستويات وتصبح أنانية المقاتل في الحصول على موقع رفيع في الآخرة مع غاية الفوز بالمكافأة الكبرى اي بمجاورة الحور العين التي صارت أكثر العبارات التي تكفلت بتسخيف القضية التي يحاربون من أجلها هي الأكثر بروزاً، لكن الأهم بين شكل «الجهادَين» هو مبدأ البيع والشراء أياً كانت العقيدة.

تذكر أغلب التقارير الأمنية الاستخبارية الأميركية والروسية بشكل خاص أن نسبة هائلة ممن تم تجنيدهم في المجموعات الإرهابية المذكورة منذ العام 2011 على امتداد العالم العربي وليس سورية فقط بل العراق وليبيا التي احتلت حيزاً مهماً من الدراسات انهم خضعوا لذلك بتأثير المال وأن جزءاً وفيراً منهم ما كان لينضمّ لولا هذا الإغراء الكبير ما يكشف ضعفاً في العقيدة وتحفيزاً مصطنعاً لإحيائها. وفي اللحظة التي سحبت الدول الممولة او خففت من الدعم انتقل جزء كبير الى المقلب الآخر او سلم نفسه او سلم زملاءه. وهو الأخطر للأعداء. وهذا جرى بنسبة كبيرة في سورية وانقلبت المفاهيم وبعض المعارك نتيجة خيانات وقعت في صفوف قادة كبار من المتطرفين.

بالعودة لحزب الله فإن أي نوع من انواع الخيانات او مفاجآت تقلب المعارك غير وارد. والعارفون بالمردود المادي الذي يقدّمه حزب الله للمقاتلين فهو زهيد نسبة لتضحياتهم. وإذا كان الأمين العام للحزب صرّح عن مقاضاته 1400 دولار، فإن شيئاً لن يوازي تقديم الروح مقابل قضية أياً كانت.

يلفت الثبات في العقيدة والاختلاف بأنواع الجهاد وهو بحر واسع من الطروحات الإسلامية، لكن ما يلفت أكثر هو تمسك جرحى حزب الله بهذا المفهوم، رغم الجراح والألم والخسارة العضوية التي تتكفل وحدها بالاستسلام النفسي. لفت حضور هؤلاء في الضاحية الجنوبية لبيروت في مجالس عاشوراء التي يقيمها حزب الله ولفت كلام الأمين العام لحزب الله بحضورهم، أي بحضور جرحى المقاومة في الليلة السابعة وتوجّه إليهم كجرحى بالشكر على التضحيات التي بذلوها بفضل الدماء. وقال لهم «إن لبنان ينعم بالأمن والاستقرار بفضل التضحيات التي بذلوها» ليحضر ثبات هذه العقيدة اللافت الذي أخذ مراكز الأبحاث الأميركية على اقتراح مواجهة حزب الله من قلب الطائفة الشيعية كأفضل حل عمل ويُعمل عليه، عندما تسمح الفرص.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى