حكومة اللاحكومة ولعبة الوقت الضائع

ميسم حمزة

إنّ الاتفاق الذي ولَّدته القوى الخارجية ليكون أداة لدفن طموحات القوى الوطنية لبناء دولة ديمقراطية عادلة يكون المواطنون فيها سواسية أمام القانون على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية والسياسية، هذه الطموحات التي دفعت الشعب اللبناني والقوى الوطنية من دماء شبابه ثمن تحقيقه، هذا الاتفاق الذي جاء نتيجة لحرف الثورة الشعبية عن مسارها بعد الاجتياح الإسرائيلي وسحب سلاح القوى الوطنية وإبقاء السلاح بيد المنظمات الطائفية والمذهبية التي كانت في بداية نموها وجعلتها هي الممثلة للشعب خلال المفاوضات فتم إنجاز ما يسمى اتفاق الطائف الذي جعل السلطة بيد الحكومة مجتمعة تجتمع فيها كل القوى الطائفية والمذهبية فأعاد إنتاج نظام ما قبل الحرب الأهلية ولكن بشكل أسوأ وأكثر تقسيماً للشعب اللبناني ويحمل في داخله بذور حروب داخلية جديدة.

هذا الاتفاق أعطى لكل طائفة إمكانية تعطيل السلطة ساعة تشاء ولم يكتف بذلك بل سعى لتمزيق كلّ طائفة إلى طوائف لمنع حصول استقرار دائم يسمح ببناء الدولة القوية العادلة.

ولذا نجد منذ توقيعه وحتى اليوم المعوقات والصراع على تقاسم جبنة الحكم وعلى حليب بقرة الدولة يؤخر قيام الحكومة عند اختلافهم ويعجل بقيامها بشكل عشوائي عند توافقهم على الحصص.

واليوم وبعد أكثر من ثلاثين عاماً على إنجاز هذا الاتفاق نرى الوطن يغرق أكثر فأكثر، وتصبح الحياة فيه شبه مستحيلة، ولا نجد أيّ وسيلة للإنقاذ فيه، أو أيّ سبيل للحياة، لأنّ القانون شبه النسبي لم يكن قانوناً إصلاحياً للنظام التمثيلي بل جاء قانوناً زاد من التفتت داخل القوى المذهبية الحاكمة.

عندما نتحدّث عن لبنان الذي كان يُقال إنه «سويسرا» نجد اليوم لبنان الغارق كلياً في بحر الظلام الذي لا نهاية له، فلا ماء ولا كهرباء، ولا حلّ لأزمة النفايات، ولا استشفاء ولا طبابة ولا سبيل للعيش الكريم، رغم عشرات المليارات من الدين الذي تحوّل إلى أرقام في حسابات بعض الحكام . ناهيك عن الحديث المخيف اليوم عن إمكان انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية إلى كمّ المشكلات التي يعاني منها لبنان، وأوّلها مشكلة التلوّث في نهر الليطاني الذي ما زال مرتعاً للسموم بدل أن يشكل شريان حياة يروي المزروعات، كلّ ذلك والأجهزة الحكومية والرقابية غائبة ولا سياسة واضحة تنقذ البلاد من الوضع المتردي.

ولبنان اليوم، وفي خضم هذا الخطر المحدق يعيش دون حكومة فعلية، وحكومته هي حكومة تصريف أعمال، بانتظار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ليقدّم صيغة لحكومة من المفترض أن تكون حكومة وحدة وطنية جامعة، وتكون على قدر المسؤولية الملقاة عليها، ولا يتمّ إلغاء أيّ مكوّن سياسي من مكونات الوطن، وأن تكون عادلة مع النتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة، ولكن حتى اليوم لا شيء جدي، وكلّ ما يتمّ الحديث عنه ما زال مجرد حبر على ورق أو مناكفات لتضييع الوقت، الأمر الذي يجعل من إنجاز تشكيل الحكومة مرشحاً للتأجيل إلى وقت غير معلوم. كما أنّ الصيغة الأولية التي قدّمت أعادت كلّ المباحثات والمشاورات إلى نقطة الصفر، في ظلّ ما يُطرح من عقد مفتعلة تمثل رغبة عند البعض في تعطيل تشكيل الحكومة، انتظاراً لاستحقاقات إقليمية لن تكون أبداً لمصلحة الفريق المعطل الذي بات معروفاً بارتباطاته وبمطالبه وبعقده، والمستغرب أنّ الرئيس المكلف المعني بالتأليف يحمل مطالب هذه القوى ويتمسك بها متعمّداً وضع العراقيل لنفسه علَّ المتغيّرات الإقليمية والدولية تمنحه سلطة يتجاوز بها ما جرى الاتفاق عليه ضمن الاستشارات النيابية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعكس نتائج الانتخابات النيابية دون استئثار أو إلغاء لأيّ مكوّن وطني، وأن تكون معايير التشكيل واحدة عند المكونات كافة.

والرئيس المكلف قدّم صيغة حكومية من خارج التفاهمات الوطنية تحمل رؤى أحادية لا تتوافق مع الأغلبية النيابية وبالتالي يضع العقبات لنفسه في تشكيل حكومة جامعة، يجب الإسراع في تشكيلها وفق المعايير والقواعد التي ترعى تشكيل الحكومات، لأنّ المرحلة السياسية تحتاج إلى حكومة وحدة وطنية لمجابهة كلّ التحديات التي تحيط بالوطن داخلياً وخارجياً.

ونحن ننصح الرئيس بقراءة تاريخ لبنان الذي لم يقرأه ولم يعرفه خلال مراحل دراسته لأنه أقام ودرس خارج لبنان ليعرف أنّ كلّ من حاول الاستئثار بالسلطة في لبنان انتهى بخروجه من السلطة وقيام نظام آخر على أنقاضه، ولكن بعد أن جعل لبنان والشعب اللبناني يدفع غالياً من دماء أبنائه واقتصاده ثمن عناده.

كما أنّ كلّ الأمبراطوريات التي قامت عبر التاريخ وسيطرت في مرحلة من مراحل حياتها على العالم ومنه لبنان قد انهارت وزالت وزال سلطانها وسلطان حلفائها ومن راهن عليها وبقي لبنان والأمبراطورية الأميركية أيضاً اقترب زمان سقوطها وسيسقط حلفاؤها معها.

فلا تراهن يا دولة الرئيس على مشاريعها للمنطقة فكلّ هذه المشاريع ستسقط وسيسقط معها من راهن عليها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى