الأحمد: سورية صمدت بفضل مثقفيها وعراقة تاريخها

رانيا مشوِّح

من خيال الكلمات إلى ظلال الألوان إلى مناهل العلم تسمو وترقى سيدة الحضارات من زمن إلى زمن، وكعادتها وفية لأبنائها، شاكرة لمبدعيها، ممتنة لكتاب تاريخ أيامها، تكرّمهم شكراً، وتحتويهم حباً، وترفد بهم عنان السماء للمستقبل، ومن هنا قامت وزارة الثقافة، وبرعاية وحضور وزير الثقافة محمد الأحمد بإقامة حفل تسليم جوائز الدولة التقديرية لعام 2018 في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.

وذهبت الجائزة في مجال النقد والدراسات والترجمة إلى الدكتور محمود السيد نائب رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق، أما في مجال الفنون التشكيلية فقد فازت بها الفنانة التشكيلية أسماء فيومي، وفي مجال الأدب كانت الجائزة من نصيب الشاعر والأديب نزيه أبو عفش.

الأحمد

وفي كلمته خلال توزيع الجوائز تحدّث وزير الثقافة قائلاً: «أحييكم جميعاً أصدق تحية، ويطيب لي ويشرفني أن أكون بينكم في هذا الحفل الثقافي الرفيع، لنحتفل معاً بمنح جوائز الدولة التقديرية للسادة الأكارم، الذين استحقوها بفضل ما قدّموه لبلدهم وشعبهم من جهد فكري وتميز إبداعي في مجالات المعرفة على اختلافها. أودّ أن أعرب وقبل كل شيء عن تهنئتي الخالصة للأساتذة الفائزين بحصولهم على جائزة الدولة التقديرية. فهم أهل لها، وعطاؤهم لوطنهم مشهود له، وهو عطاء مميّز، له مكانته الرفيعة لدى أبناء بلدهم وشعبهم، ومَن يعملون معهم، ولدى كل مَن يعرفهم على كافة المستويات».

وتابع: أهنئ أولاً الدكتور محمود السيد معلمي وصديقي، الذي يصفه كثيرون بحقٍّ إنه واحد من فرسان الفصحى المعدودين، وعالم من علماء التربية الكبار، ومنظِّر ثقافي من طراز رفيع، ارتبط اسمه بالفكر التربوي والثقافي والأكاديمي والمجمعي، وصار علماً متألقاً في كل هذه المجالات، وأضفى حضوره الإيجابي وحيويته الفائقة، في كل مجال منها، تألقاً وجِدّةً، ونظراً صائباً، مستقبلياً يتطلع إلى آفاق أرحب مما نحن فيه، وإلى تقدم تبتغيه أمتنا العربية وتعمل على تحقيقه. وأهنئ ثانياً الأستاذة أسماء فيومي التي نعرف جميعا أنها من أولى الرائدات في الفن التشكيلي السوري. إن لوحاتها لتزدحم بوجوه نساء وأطفال تربطهم علاقة حميمة مع الأرض، فرسمت المرأة ضمن المدينة، ورسمتها داخل البيوت وهي تحتضن الطفل لأن المرأة والطفل هما أسطورة الخلق. فالفن، حسبما ترى، ليس فوضى بل هو خلق خالص. وأهنئ أخيراً شاعرنا المرهف ذا الأعصاب المشدودة كأوتار الكمان، موسيقار الكلمة الأستاذ نزيه أبو عفش، الذي يحاول بشعره أن يوسّع هذا الزمن الضيق، ويزرع هذه الأرض الواسعة، ويحفر في الظلام الموحش كي نبصر أسماءنا في آخره، وكي ينفخ الحياة في الحبر، ونرى ما لا يُرى إلا بعين القلب».

وأردف الأحمد: «إن النزعة الإنسانية متأصلة في الفكر السوري والتاريخ والثقافة السوريين، بل قل إن الثقافة الإنسانية قد نهلت منذ طفولتها من الثقافة السورية التي فاضت خيراً على شعوب المعمورة، وللإنسان في كل مكان، عابرة حدود الدين واللون والعرق والمعتقد السياسي. لقد ابتكر السوريون القدماء الأبجدية الأولى والنوتة الموسيقية الأولى، في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يكتشفون الزراعة، ويسخرون قوى الطبيعة ومواردها لخدمة الإنسان. وإن هذا ليحمل معنى عميقاً ونبيلاً، جوهره أن العمل والثقافة متلازمان ولا يمكن إبعاد أحدهما عن الآخر من دون أن تصيب الخسارة الجسيمة كليهما. إن الدولة السورية تحرص على كل ما من شأنه تشجيع الإبداع والمبدعين في كافة فروع الثقافة والعلوم، والوفاء دائماً لهؤلاء المبدعين، تقديراً وتشجيعاً وتكريماً بأشكال مختلفة، وعلى رأسها جوائز الدولة التقديرية، وجوائز الدولة التشجيعية التي سنسعد بتقديمها خلال الفترة القريبة المقبلة، انطلاقاً من رهان بلدنا وإيمان القيادة السياسية العليا، بكون الثقافة قاعدة أساسية للفكر التنويري والتنمية الشاملة، التي تعود خيراً ورخاء على الأوطان والشعوب، وعلى كل بني البشر قاطبة. إننا ننظر إلى الجائزة التقديرية على أنها جانب هام من فعاليات وزارة الثقافة، التي تعمل على تطوير رؤى واستراتيجيات العمل الثقافي الوطني، بشكل يسهم فعلياً، في النهوض بالإنسان السوري علمياً ومعرفياً، وتأصيل هويته الحضارية بأبعادها الإنسانية، وتعزيز مساهمته في تنمية وطنه ومجتمعه».

ثم ختم كلمته قائلاً: «المثقفون الحقيقيون هم خير عون لبلدهم في تخطي الصعاب ومواجهة المحن في الأزمنة الصعبة كزمننا هذا. إن سورية تصمد وتنتصر بفضل قائدها وجيشها وأبنائها الصامدين المدافعين عنها، وهي تصمد وتنتصر أيضاً بفضل ثقافتها العريقة وحضارتها الممتدة في التاريخ، وبفضلكم أنتم أيها الأدباء والباحثون والفنانون المبدعون.

أكرر التهنئة باسمي وباسم وزارة الثقافة والحكومة السورية للأساتذة المكرمين من صناع الثقافة، لتأكيد رسالتنا الثقافية الإنسانية المنفتحة على العالم، ومن أجل مستقبل أكثر أمناً وسلاماً وإشراقاً، وحرصاً على الهوية والقيم الإنسانية النبيلة. واسمحوا لي باسمكم جميعاً أن أتوجه بالشكر والعرفان للرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية، راعي هذه الجائزة، لأنه رغم الأعباء الهائلة الملقاة على عاتقه لا يتوقف لحظة عن متابعة الشأن الثقافي والاهتمام بكل تفاصيله، وتقديم الدعم للعاملين فيه».

وفي تصريح له قال الدكتور محمود السيد: «أعتز كل الاعتزاز بهذه الجائزة التقديرية لأنها من الدولة، وما كانت لتكون لولا مسيرة من العطاء الفكري الملتزم بقضايا الدولة وتراث الأمة»، مشيراً إلى أن «هذه الجائزة ما كانت لتستمر لولا مرحلة الأمن والاستقرار التي وفّرتها تضحيات وبطولات بواسل جيشنا وحكمة قيادتنا».

بدورها أشارت الفنانة أسماء فيومي إلى أن منحها الجائزة يعني لها الكثير ولاسيما أنها حصلت عليها من بلدها، مبينة أن الجائزة بمنزلة تقدير لعملها ومسيرتها الفنية وهي برهان على اهتمام الدولة بجهد وتعب الفنان أو الأديب أو أي شخص كان.

اما الأديب نزيه أبو عفش فقال في تصريح مماثل: «أنا سعيد لأن في هذه البلاد الكريمة من لا يزال يعتقد أنني مستحق هذه الجائزة وحزين أيضاً لأن ثمة رواداً رحلوا قبل أن تتاح لهم فرصة الفوز بها وآخرين يصارعون الحياة وهم على مشارفها الأخيرة يستحقون هذا الفوز أيضاً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى