نعم يا سيد المقاومة الصراع سياسي بامتياز

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

في ظهور نادر وعلني لسماحة السيد حسن نصرالله، موجهاً كلمة إلى أنصاره وإلى كل الشرفاء في هذه الأمة على اختلاف منابتهم الفكرية ومشاربهم السياسية في ليلة العاشر من محرم «ليلة عاشوراء»، قال إنّ الصراع الدائر حالياً في المنطقة والمغذى من قبل أميركا والدول الاستعمارية الغربية، هو صراع سياسي بامتياز، وليس صراعاً مذهبياً، ولكن هناك قوى دولية وإقليمية وعربية، هي من تلبس هذا الصراع لبوس المذهبية والطائفية خدمة لأهدافها ومشاريعها في المنطقة، والهدف المركزي لذلك إعادة صياغة مركبات سايكس- بيكو القديم، لإنتاج سايكس- بيكو جديد، يقوم على أساس التقسيم المذهبي والطائفي للعالم العربي، وبما يضمن لـ»إسرائيل» البقاء كدولة قوية ومسيطرة على المنطقة لعشرات السنين الآتية.

كذلك أكد السيد نصرالله أن المعركة المركزية والمحورية للأمة، هي مع أميركا والقوى الاستعمارية والصهيونية العالمية والتكفيريين، وليس مع طائفة بعينها، فالتكفيريون يستهدفون سحق الجميع، وما يجري في العالم العربي خير شاهد على ذلك، حيث صراع المحاور المندلع في أكثر من قطر عربي، فليبيا التي تمّت «صوملتها»، والتي تحوّلت بفعل ما أسماه «الناتو» ثورة، إلى ساحة صراع وحرب بين ميليشيات وعصابات متعدّدة الولاءات والقرارات على السلطة والمصالح والنفوذ، يحتدم الصراع فيها الآن بين المحور القطري- التركي والمحور السعودي ـ الإماراتي.

وما جرى ويجري في العراق، حيث استهدف المسيحيون بالقتل والتهجير في أوسع عملية تطهير عرقي، تصل حدّ الإبادة الجماعية، وكذلك صراعات القوى والجماعات التكفيرية في سورية، «داعش» و»النصرة» والسلفية وغيرها، المتصارعة والمتقاتلة على المصالح والنفوذ، والمدارة والمشغلة من قبل أكثر من محور عربي وإقليمي ودولي.

وفي الشأن الداخلي اللبناني، قال السيد نصرالله إنّ الجيش اللبناني، هو الضمانة الوحيدة للاستقرار والأمن والدفاع عن البلد، على رغم أنّ هناك قوى من جماعة 14 آذار تتآمر على الجيش، وتدعم قوى الإرهاب والتطرف والفوضى والفلتان، وأشاد بدور الجيش ومرجعيات طرابلس السياسية وعلمائها وفاعلياتها، التي كانت لها مواقف مشرّفة بالوقوف ضدّ القوى التكفيرية والظلامية، وفي الشأن الرئاسي اللبناني، دعا إلى استعادة موقع الرئاسة المختطف من قبل قوى عربية وإقليمية ودولية، وإلى عدم الاستمرار في حالة الفراغ السياسي المدمّرة للبلد، وأن حزب الله لم يطرح نفسه بالمطلق بديلاً عن الجيش في حفظ الأمن والنظام والسلم الأهلي.

وفي إطار تحليلنا للظهور العلني للسيد نصرالله، فهذا يعبّر عن مدى ثقته بقدرات المقاومة، وبمدى جاهزيتها للتصدي لأيّ عدوان «إسرائيلي»، لأنّ «إسرائيل» تدرك تماماً أنّ أيّ تحرّش أو عدوان، قد يدفع المقاومة إلى الردّ بإطلاق آلاف الصواريخ على الدولة العبرية، أو قد تقوم قوات النخبة في حزب الله باقتحام مناطق في الشمال الفلسطيني المحتلّ، خصوصاً أنّ «إسرائيل» اختبرت ردود فعل المقاومة على اعتداءاتها، وآخر الردود كان تفجير العبوة الناسفة بدورية «إسرائيلية» حاولت التوغل إلى الأراضي اللبنانية، وكانت رسالة واضحة لـ»إسرائيل»، بأنه على رغم انشغال المقاومة في سورية، فهي يقظة وجاهزة وقادرة على المجابهة والمواجهة على أكثر من جبهة، ولن تسمح لـ»إسرائيل» بتغيير قواعد الاشتباك، أو إقامة شريط عازل لحلفائها من مرتزقة وعملاء جبهة «النصرة» وغيرها، يمتدّ من الجولان وحتى شبعا، وبما يطوّق حزب الله ويشكل خطراً على قواته وقدرته على الحركة.

نعم… الصراع في المنطقة سياسي بامتياز، ولكن هناك من أراد أن يحرف هذا الصراع عن أصوله وقواعده، من صراع عربي «إسرائيلي» إلى صراع عربي- إيراني، واعتبار أنّ الخطر على الأمة ومصالحها يأتي من إيران وليس من «إسرائيل»، وقد تجنّدت لذلك مع «إسرائيل» وأميركا ودول الغرب الاستعماري، مشيخات النفط والغاز في الخليج العربي، والجماعات السياسية «المتأسلمة»، وسعوا إلى نقل الصراع من الإطار الرسمي إلى الإطار الشعبي، لكي تحدث الفتنة السنية الشيعية. وحتى يتمكنوا من تطبيق مشاريعهم ومخططاتهم، شنّوا حملة إعلامية وسياسية على إيران وكلّ محور المقاومة، ولا سيما حزب الله وسورية، وخلقوا حالة عالية من الاحتقان والتحريض، أدّت إلى قتل عدد من المواطنين الشيعة في مصر على الخلفية المذهبية في عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي، وكذلك أغرقوا الضاحية الجنوبية بالتفجيرات من خلال الانتحاريين والسيارات المفخخة، من أجل خلق الفتنة، وضرب الاستقرار والسلم الأهلي ونشر الفوضى في لبنان.

لكن السيد حسن نصرالله لم يضيّع البوصلة، ولم يقبل بحرف الصراع عن قواعده وأصوله، فهو يدرك جيداً بأنّ مصدر الشرور والبلاء، يكمن في «إسرائيل» وأميركا وفي الجماعات التكفيرية التي جرى تخصيبها وتغذيتها وتسمينها، لكي تمارس القتل والتخريب والتدمير والتفكيك، ولو أن حزب الله قبل بالشروط الأميركية، والتزم بعدم التعرّض لـ»إسرائيل»، لكان اليوم متحكماً بلبنان كله، ولم تكن هناك حاجة لوجود «داعش» وغيرها من الحركات التكفيرية الأخرى، ولكن السيد نصرالله صاحب رسالة ومبدأ وموقف، وهو لن يساوم، ولن يقبل بسيادة أو بحكم «إسرائيل» للمنطقة، ولذلك سيبقى في دائرة الاستهداف، وستبقى المقاومة كذلك أحد أهمّ عناوين القوة والفعل والتأثير في المنطقة العربية، وأيضاً على المستويين الإقليمي والدولي.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى