الحاج حسن لـ«البناء»: ضرورة رسم سياسة اقتصادية مستدامة لتجنّب أي كارثة في البلد
أدونيس كيروز
أثرت الأحداث الأمنية والسياسية في سورية على حركة الصادارت اللبنانية براً، فانخفضت قيمتها عبر المعابر الحدودية البرية من 740 مليون دولار عام 2012، إلى 595 مليون دولار عام 2013.
وانخفضت نسبة انسياب الصادرات عبر المعابر البرية من 33 إلى 20 في المئة، وارتفعت نسبة الصادرات بحراً من 30 إلى 42 في المئة، كما ارتفعت نسبة حركة الصادرات عبر الجو من 10 إلى 11 في المئة، بين عامي 2011 و2013،
من جهة أخرى، وبحسب الإحصاءات الجمركية الصادرة عن المجلس الأعلى للجمارك، تراجعت الصادرات اللبنانية بنسبة 22.7 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2014، وبلغت 2219 مليون دولار في مقابل 2870 مليوناً في الفترة نفسها من 2013.
إنّ أزمة الصادرات ومشاكلها العديدة، أكانت في الحجم، أم في كلفة النقل المرتفعة، وإيجاد أسواق لها، هي جزء لا يتجزأ من الأزمة الأكبر التي يواجهها الصناعيون نتيجة غياب السياسات الاستراتيجية وغياب التخطيط.
في هذا السياق، وفي حديث إلى «البناء»، أشار وزير الصناعة حسين الحاج حسن إلى «ضرورة رسم سياسة اقتصادية مستقرة ومستدامة، لتجنّب أي كارثة في البلد»، لافتاً إلى أنّ «العجز التجاري متوقّع أن يصل إلى 17 مليار دولار مع نهاية العام الحالي، فإلى أين نحن ذاهبون في ظلّ غياب السياسات الحمائية المتكاملة أو المستدامة، وعدم استقرار السياسة؟».
وأضاف الحاج حسن أنّ «هناك فئة في لبنان تؤمن بعدم وجود مستقبل للصناعة وللزراعة، وتريد تحرير الأسواق والتجارة»، لافتاً إلى «ان المشكلة الكبيرة التي أنتجتها هذه السياسة للقطاعات الصناعية الإنتاجية، إن من ناحية غياب الرسوم الحمائية، أو عدم وجود سياسة دعم، وفي ظلّ وجود سياسات حمائية وتشجيعية في كلّ المنطقة، لا سيّما في الدول العربية، مما يشكّل منافسة غير عادلة للبضائع اللبنانية».
وأشار رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل من جهته، إلى «دعم بعض الدول العربية لصناعتها، حيث باستطاعتها أن تبيع منتجاتها بسعر أقلّ بكثير من سعرها العالمي، كما أنّ الدول الأوروبية تستخدم الغاز كوسيلة طاقة في صناعتها، في مقابل غياب الدعم في لبنان واستمرار استخدام «الفيول» ذي الكلفة المرتفعة، مما يؤدي إلى أفضلية لصادراتهم على منتجاتنا، لا سيّما في صناعة تدوير الورق، والزجاج، والسيراميك»، لافتاً إلى أنّ «هذه القطاعات الصناعية هي من الأقدم والأبرز في لبنان، إذ إنّها توظّف حوالى 7000 عامل، إضافة إلى تحريكها الدورة الاقتصادية عبر سلسلة الإمداد Supply Chain ».
كما أشار أمين سرّ الصناعيين في المكلّس، صاحب معمل HTG لتصنيع الزجاج ابراهيم معلوف، إلى أنّ «غياب التخطيط والتشريعات اللازمة لتمكين القطاع الصناعي من النهوض، والنمو، والمنافسة، هو المدخل الأساسي لأي حلّ مستدام»، لافتاً إلى أنّ «بعض القوانين الحالية غير منطقية، سيّما في ما يتعلّق بموضوع الرسوم على الواردات غير المنافسة، فيما بعض الواردات المنافسة لبضائعنا، غير خاضعة للرسوم».
ومع غياب السياسات الحمائية والتشجيعية من قبل الدولة، رأى معلوف أنّ «الصناعيين يواجهون منافسة شرسة من قبل منتجات الدول الداعمة لصناعاتها»، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يلفت إلى «سياسة تركيا التشجيعية لصناعييها عبر تقديم خصم للصناعيين على مبيعات صادراتهم بنسبة 30 في المئة».
وعن دور الوزارة في دعم الصادرات، أشار الحاج حسن إلى أنّ «الوزارة قدّمت مشروع قانون خفض الضرائب على الصادرات بنسبة 50 في المئة إلى وزارة المال، ونحن بانتظار الموافقة»، مضيفاً أنّه «اقترح مشروع قانون لخفض الرسوم على بعض الواردات من المواد الأولية التي يحتاجها الصناعيون».
أما في ما يتعلّق بإيجاد أسواق جديدة والتصدير إلى روسيا، أشار إلى «أننا نتابع مع وزارة الاقتصاد والتجارة هذا الموضوع بصفتها الوزارة التي تسلّمت هذا الملف، ونحن نعمل على فتح الأبواب أمام الصادرات اللبنانية إلى روسيا»، لافتاً إلى «تشجيعه المصدّرين، أكانوا صناعيبن أم مزارعين، أن يكتشفوا السوق الروسي ويعملوا على الدخول إليه».
وأضاف الجميّل أنّ «جمعية الصناعيين وضعت خطة عمل لدخول السوق الروسية لرفع حجم الصادرات»، لافتاً إلى أنّ «السوق الروسية كبيرة ونوعية، ونحن نعمل على إقامة شراكة مع روسيا، وذلك للفرص الكبيرة المتاحة أمام اللبنانيين من صناعيين وزراعيين»، مشيراً إلى أنّ «نوعية وكمية الإنتاج اللبناني يناسبان الاستهلاك الروسي من جهة، إضافة إلى أنّ حجم الإنتاج اللبناني قابل للتصريف».
ولا شك في أنّ دعم الصادرات، وزيادة حجمها، وإيجاد أسواق جديدة لها، يساهم في دعم الاقتصاد ككلّ، لا سيّما في خفض العجز في الميزان التجاري، ورفع حجم الناتج المحلي الإجمالي. إلا أنّ مشكلة القطاع الصناعي الجوهرية، تكمن في كلفة الصناعة الأكبر وهي فاتورة الطاقة.
وشدّد الحاج حسن في هذا السياق، على أنّ «صعوبة تخفيض الكلفة اليوم لا تمنع قيام إجراءت أخرى من شأنها أن تدعم الصناعيين»، مشيراً إلى «ضرورة تقديم حوافز ضريبية، أو رسوم حمائية، أو سياسات حمائية، كسائر دول العالم التي تقوم بذلك»، ولافتاً إلى «ما قامت به بريطانيا التي أنشأت صندوقاً بقيمة 7 مليارات جنيه إسترليني لدعم الصناعيين في مجال الطاقة المكثفة».
وأيد الجميّل هذا التوجّه، ولفت إلى أنّ «كلفة الطاقة عند الصناعيين تصل إلى ما بين 30 في المئة من مجموع المبيعات في بعض القطاعات»، مشيراً إلى «أننا ما نريد هو الفرصة المناسبة للوصول إلى الكلفة عينها مع المنافسين من أجل التنافس العادل».
كما شدّد على أنّ «الاعتقاد السائد بعدم تدخل الدول لدعم صناعتها، غير صحيح»، لافتاً إلى ان «ما تقوم به العديد من الدول الأوروبية، ومطالباً بمشروع مثيل بالنموذج البريطاني»، وفي هذا السياق لفت إلى «الشراكة القوية مع وزيري الصناعة والاقتصاد لتحقيق هذا الهدف، لا سيّما أنّ الوزير الحاج حسن أشار علناً إلى مشروع وضع رسوم طاقة على بعض الواردات، لدعم الصناعيين في تأمين التمويل اللازم لهذا الصندوق».
من جهته، أكّد معلوف «خطورة هذه الأزمة التي يعانيها الصناعيون»، لافتاً إلى «الأمور الإضافية وغير المباشرة المتعلقة بقطاع الطاقة، سيّما أنّ بعض الإدارات لا تسهّل عمل المواطنين عموماً، والصناعيين خصوصاً»، مشيراً إلى «عدم انتظام فواتير الكهرباء والأخطاء التي تنتج في تحصيلها، في حين نواجه شتى المتاعب في تحصيل الضريبة المضافة»، مضيفاً أنّ «عمل دائرة الـTVA كان منتظماً أكثر في السنوات الماضية».
وفي ما يخصّ المستثمرين الجدد، أشار معلوف إلى أنّ «عامل الأرض أصبح اليوم تحدّياً كبيراً أمام كلّ من يريد تأسيس مصنع أو توسيعه، إن من ناحية كلفة الأرض، أم عدم توفّر المساحات المناسبة في المدن، سيّما أنّ بعض الصناعات لا تستطيع أن تكون قائمة في البقاع مثلاً»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ «تمازج المدن الصناعية والسكنية أصبح غير مقبول»، ومطالباً بـ»فصل المدن الصناعية عن نطاق البلديات، ووضعها تحت إشراف وزارة الصناعة مباشرةً».
من جهته، أشار الجميّل إلى «إنشاء 4 مناطق صناعية، 3 في الجنوب وواحدة في البقاع»، لافتاً إلى أنّ «معظم القطاعات الصناعية تستطيع أن تقيم مصانع في تلك المدن».
أما اليد العاملة للقطاع الصناعي، فيوضح الجميّل أنّ «الجمعية تعمل لخلق فرص عمل للبنانيين»، مشيراً إلى «طرحها مشروع «أول عقد عمل»، حيث تتكفل الحكومة ببعض المصاريف، لا سيّما كلفة الضمان، وذلك لتشجيع توظيف الشباب اللبناني»، لافتاً إلى «الحاجة إلى استراتيجية عامة لمعالجة العمالة الموسمية، وهي تعالج مع وزير الصناعة وسنصل إلى نتيجة، والحاجة إلى التوجيه والتدريب، حيث تنقصنا بعض المهارات على كلّ المستويات المهنية والجامعية، وبالتالي الحاجة إلى إيجاد برامج تقنية وعملية فيها».
وعن دور اللجنة المشتركة بين مصرف لبنان وجمعية الصناعيين اللبنانيين، أشار الجميّل إلى «أهمية وجود برنامج اقتصادي متكامل ضمن منظومة اجتماعية اقتصادية، لتحفيز كلّ الاقتصاد»، لافتاً إلى ضرورة القيام بالإصلاح الإداري، وتقسيط سلسلة الرتب والرواتب، وتصحيح الرواتب للقطاع الخاص»، وأضاف: «أننا نعمل على برنامج للنازحين السوريين، عبر جعل المجتمع الدولي تقديم مساعدات لدعم القطاعات التي يستطيع السوريون العمل بها، وألا تقتصر المساعدات على تغطية مسائل أمنية وغيرها».
تبدو المبادرة التي أطلقتها جمعية الصناعيين بالتعاون مع مصرف لبنان، شاملة ومنطلقة من أسس متكاملة، وهي تلبّي حاجات القطاعات الاقتصادية المتنوّعة، لا سيّما في ظلّ غياب التخطيط والتشريعات اللازمة لدعم الإنتاج. لكن هل ستأتي المساعدات المطلوبة من المجتمع الدولي لتمويل هذه الخطة؟
وفي السياق، لم تضع الدولة اللبنانية أي خريطة طريق للقطاع الصناعي أو القطاع الزراعي، إلا أنّ «هذه السياسات تتغيّر مع تغيّر المسؤولين»، بحسب الوزير الحاج حسن الذي أشار إلى «أهمية تحديد أهداف، من زيادة فرص العمل، وتوسيع القطاعات الإنتاجية، وزيادة الصادرات، وتحديد كيفية تحققيها»، إضافة إلى «رسم السياسات وإنجاز التشريعات في المجلس النيابي». فهل نشهد التغييرات المطلوبة لحماية ودعم إنتاجنا؟