الحرس الوطني: بيشمركة الأنبار

عامر نعيم الياس

نقلت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية في عددها الصادر في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، عن محللين استراتيجيين أميركيين اقتراحهم «تشكيل حرس وطني سنّي بالاعتماد على العشائر والضباط البعثيين السابقين الذين لم ينضموا إلى داعش». وقبل يومين، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن المستشارين العسكريين الأميركيين بالتعاون مع الحكومة العراقية والعشائر، تسعى إلى عزل «داعش» في مدينة الموصل العراقية تمهيداً لاستردادها خلال الأشهر المقبلة. كل ذلك يأتي في الوقت الذي لا يزال الوضع «مائعاً» على الأراضي العراقية، وخاضعاً لمبدأ الكرّ والفرّ على امتداد غرب العراق ووسطه. كما تأتي هذه التطوّرات في ظلّ التعهّد الذي أطلقه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بعدم قصف المناطق التي يتواجد فيها «داعش» بحجّة وجود مدنيين. وهو أمر فسّر حينذاك برغبة رئيس الحكومة العراقية باستمالة السنّة من جهة، ووضعهم أمام مسؤولياتهم من جهة أخرى. فما حقيقة ما يجري في العراق، ولماذا طرحت فكرة تشكيل الحرس الوطني في وسطه وغربه؟

الواضح أن الاستراتيجية الأميركية بعد العودة إلى المنطقة تتركز على استكمال تفتيت العراق، بما يضمن عدم حدوث انتكاسة للنفوذ الأميركي كتلك التي حصلت مع رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي، والذي صار أقرب إلى المحور المقاوم في المنطقة. وعلى رغم أنّ سياسات الحكومة العراقية لا تتغير بتغيّر الأشخاص، إلا أن الانكفاء عن ممارسة الحكومة العراقية دورها وضعف سلطتها في وسط العراق وغربه، معطوفاً على التوجه الأميركي الجديد لإحياء الصحوات، كل هذه الأمور تدلّ على وجود توجّه يهدف إلى تعزيز اللامركزية في البلاد بحجة محاربة «داعش». وهنا نرى أنفسنا في مواجهة بيشمركة أخرى في وسط العراق، إذ تقول «لوفيغارو»: «يعتبر الأميركيون أنّ الحرس الوطني السنّي سيكلّف بمهمة أمن المناطق السنّية في العراق بعد إعادة تشكيله، وستحظى هذه المناطق باستقلالية واسعة، إذ تطالب الأقلية السنّية التي اضطهدها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي خلال السنوات الأخيرة بالحصول على وضع لا يقلّ عن ذلك الذي انتزعه جيرانهم الأكراد عبر البيشمركة».

إن قرار تشكيل الحرس الوطني في العراق والعلاقة مع الحكومة المركزية، فضلاً عن وضعية قوات الحشد في المنظومة العراقية وعلاقة الحكومة العراقية مع العشائر والأميركيين، ملفات تطرح على بساط البحث وبحاجة إلى الإجابة عنها من قبل كافة الأطراف المعنية، خصوصاً واشنطن وطهران من أجل المضي في الخطة التي ادّعت «نيويورك تايمز» وجودها بشأن تحرير مدينة الموصل العراقية من «داعش». وحتى ذلك الوقت، فإن «داعش» في العراق حالة عضوية يمتزج فيها الطائفي العشائري بالأخطاء التي أدّت إلى عودة التنظيم إلى الواجهة بعد نجاح تجربة الصحوات في بداياتها، وبالتالي فإن عوامل تمدّد التنظيم لا تزال على حالها، ومعالجة الأسباب التي أدّت إلى ذلك تتجه بالاتجاه المعاكس، أي فرز القوى على مستوى العراق أولاً، وتعزيز اللامركزية ثانياً، عبر فرزٍ بين ما هو موالٍ للأميركي وما هو معارض له ممثلاً بـ«داعش» الذي يرفع راية الجهاد.

وهنا تنقل «لوفيغارو» عن أحد الضباط الغربيين قوله في اتصال هاتفي معها: «المشكلة تكمن في العثور على عدد كافٍ من السنّة المستعدّين للدخول في هذا الرهان. لقد نجح الأميركيون في تجنيد بعض العشائر المعادية لداعش بفضل الأموال التي أغدقوها على هذه العشائر، ولكن تدريبها لن يكون سهلاً نظراً إلى الوضع القائم على الأرض».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى