«بولينغ» تركية ١/٢
نظام مارديني
كشفت الحرب الدائرة على الأرض السورية عن مدى توغل الفكر العثماني المتسلّط بقوة النص، وعن مدى استباحته العقل وجرّه إلى حظيرة الطوائف والمذاهب، حيث إراقة الدماء وهتك الأعراض باسم المقدس النص الديني . فبين العقل والنص معركة قائمة منذ مئات السنين، منذ أن قُمع العقل المتحرك للمعتزلة ودب عقل النصوصيين المتخلف، ولم ينتهِ بعد ولكنه خلّف وراءه أشلاءً وأجساداً بلا رؤوس.
في معركة عين عرب «كوباني» ظهر العقل التركي كاستمرار للعقل العثماني الذي لا تصعب قراءة استراتيجيته في ما يخص الأكراد عامة، فموافقة أنقرة على دخول عناصر من «البيشمركة» إلى هذه المدينة السورية ذات الأغلبية الكردية شكل وسيشكل مادة «اشتباك» بين حزبي رئيس «إقليم كردستان» مسعود البارزاني والرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، ما يشير إلى أن السياسة التركية في ما يخص معركة عين عرب أشبه بسياسة لاعب البولينغ الذي يضرب هدفاً في سبيل اسقاط هدف آخر:
من ناحية سلّفت أنقرة الولايات المتحدة ورقة مشاركتها في حربها ضد الإرهاب، ولو شكلياً. ومن ناحية أخرى أرسلت حلفائها، من بقايا ما يسمى بـ «الجيش الحر» قائد هؤلاء المرتزقة غير مأمون الجانب من قبل مواطنينا الأكراد ، وقوة مئة عنصر من البيشمركة التابعة للبارزاني إلى هذه المدينة لمحاربة «داعش» وتنفيذ سياستها الخاصة، وفي تدخل تمّ التنسيق بشأنه بين واشنطن وأنقرة. فهل هي عملية «توريط» لأكراد العراق أم عملية «دعائية» تم الترويج لها أميركياً من خلال القول بأن البيشمركة ستحمي «كوباني» وبذلك العدد الذي أعلن عنه.
إنها مسرحية أميركية ـ تركية تثير السخرية والشفقة أكثر مما تثير الإعجاب، خاصة وأن «وحدات حماية الشعب» أثبتت قوتها في مواجهة العصابات الإرهابية منذ أكثر من شهر، رغم تفاوت العديد والعتاد بين الطرفين. أيضاً لم تكن ضربات ما يسمى بالتحالف الدولي للقضاء على التنظيم، أكثر من استعراض، فضح التآمر على عين عرب، لا سيما أن «داعش» زحف بألياته وعناصره على مرأى من هذا التحالف وغاراته الفارغة غارة واحدة لطائرة من دون طيار تقتل عشرين عنصراً من القاعدة في اليمن، و«غارات» التحالف كما تكشف بياناتها تقتل خمسة عناصر فحسب! .
السؤال الذي يطرحه المراقب حول تداعيات المعركة في هذه المدينة السورية: لِمَ كانت الاستجابة السريعة من قبل البارزاني بإرسال «البيشمركة» رغم وجود اخطار «داعش» على تخوم «إقليمه»؟ وماذا سيترتب عن ذلك بين الأحزاب الكردية في المستقبل القريب؟
ما تعيشه عين عرب ـ كوباني في نظر أنقرة فرصة تاريخية لا يمكن تعويضها، بعد فشلها في مدينة رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة، وهي تسعى إلى تحقيق حلمها في كسر شوكة «وحدات حماية الشعب»، ولذلك كانت حرب «داعش» ضد هذه الفئة من شعبنا باعتبارها حرب أنقرة والتنظيم الإرهابي إنما يخوضها بالنيابة عنها، لذا يمكن فهم سبب رفض تركيا جميع المطالب الدولية الداعية لإقفال حدودها أمام تدفق عناصر التنظيم الإرهابي، ووقف المجزرة في حق أكرادنا الذين تحولوا إلى أيقونة المقاومة في سورية ضد التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وضد الأعداء في المنطقة.
وفي الحقيقة لا بد من الإشارة إلى أن مواطنينا من الأكراد لم يبيعوا دماء السوريين مقابل الأموال والسلاح إلا فئة قليلة منهم وهي منبوذة على الصعيد الكردي ، لأي محور طائفي في المنطقة، بل فتحوا بيوتهم لسائر المهجرين السوريين، ما زاد من جنون أنقرة وحلفائها. وفي ضوء ذلك يجب فهم سبب الحملة الإعلامية الظالمة ضد مقاومة عين عرب في وجه «داعش»، ومن المثير هنا أن تتحدث واشنطن عن «الخيار الكردي»!
فما عساه هذا الخيار الكردي؟