لامارتين والأمير عبد القادر في «بحيرة الملائكة»

«بحيرة الملائكة» رواية جديدة للجزائري محمد فتيلينة صدرت حديثاً لدى عن دار «إبداع للنشر والتوزيع والترجمة» في القاهرة وفيها استحضار للتاريخ ضمن سعي سردي إلى المزاوجة بين ثقافة عربية ذات ملامح شرقية، وأخرى غربية ذات ملامح إنسانية.

تنطلق رحلة الرواية من عام 2007، إذ يقدح بطلها «لامير آدم» شرارة مغامرتها السردية، ذلك أنه الشخصية الرئيسية في الرواية وصوتها المحوري، صوتٌ حاول الروائي من خلاله إحياء البعد الإنساني عبر بحيرة لامارتين، المكان الذي وقف فيه الشاعر على طلله وبكى. نقطة البدء لترحال البطل إلى الماضي. «لامير آدم» عبر بحيرة «بورجيه» التي مثّلت أداة الاستحضار وراح إلى سنة 1848، سنة القلق والانكسار والغربة. قلق لامارتين وانكساره بعد خسارته السياسية ضد خصمه نابوليون الثالث وبعد ألمه النفسي والاجتماعي، وهي ذاتها سنة الأسى والغربة التي سكنت قلب الأمير عبد القادر الجزائري وهو في طريقه إلى سجنه القسري في أمبواز.

حاول الروائي من خلال «بحيرة الملائكة» نسج شخوصه عبر التفاعل الإنساني والإبداعي لكل من لامارتين والأمير عبد القادر، وشكّل نصه بلغة وصفية إنسانية الدلالة، وسط أماكن تتقاسم الظهور في الرواية، فتارة من فرنسا إلى الجزائر، وتارة أخرى من شمال أوروبا إلى قلب المشرق العربي، وعبر هاتين الشخصيتين مكّن الكاتب قارئه من العيش في أعماق كل منهما، بل والتوغّل في قلبيهما وصوغ عوالمهما عبر حوار سردي داخلي كان في معظمه ابتهالاً وتصوفاً. ولتحفير صيرورة القراءة وشغف المتابعة، أتاح الروائي للمتلقي مشاهدة علاقات أخرى كتلك المليئة إنسانية وألفة بين لامير ومارغريت، فصُبِغت هذه العلاقة بلغة ووصف مختلفين عن العادة. كما طعّم نصه بمشاهد وصور من حياة الشاعرين وما يحيط بهما من معاناة وأسرار وحبّ، فالحب هذه المرة من طرف واحد. تطلّعت الرّاهبة «فارتي» إلى قلب لامارتين، وهفت «روان» الخادمة السّمراء إلى سيّدها الأمير.

برسم الروائي هذه الأجواء كلّها بلغة سردية قوية يبدو الملمح الرئيسي فيه إنسانياً. ونسجها متّكئاً أكثر على لغة الشعر والتداعي، بعيدا عن اللغة المباشرة أو السياق الدّارج.

تعتبر»بحيرة الملائكة» بناءً سردياً ذا أبعاد شاعرية تحتاج من القارئ حضوراً ذهنياً على الدّوام واستحضاراً مستمراً للتاريخ ووقوفاً عند خلفية الرمز. كانت البحيرة وربما مازالت- وسيلة للعبور عبر الزمن، حاملة معها «ملائكة» عبروا معها إلى أعماق الشعراء والأمراء بكلماتهم وأحاسيسهم المفعمة بالروح الإنسانية.

تسعى الرواية الجزائرية مع محمد فتيلينة ومجايليه إلى ملامح جديدة مفترقة عن الصورة التي رسمها لها جيل المؤسّسين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى