دي ميستورا في دمشق غداً والنقاش حول مواصفات «شركاء الحوار والتهدئة»

كتب المحرر السياسي:

أنهت واشنطن جدالاً استمرّ شهوراً بينها وبين حلفائها، الأتراك و«الإسرائيليين» والسعوديين ومعهم قطر طبعاً، محوره الإقرار بركاكة تكوين المجموعات التي تسمّيها واشنطن بـ«المعارضة المعتدلة» التي تشكل الشريك السوري في الحرب على الإرهاب، وتشارك واشنطن وحلفاءها العداء للدولة السورية، هذه الفانتازيا التي أطلق عليها الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه التسمية وعاد فاستردها، يجري تدريب مئات من عناصرها في الأردن وتركيا والسعودية، وتقدم لها واشنطن السلاح النوعي، بينما يموّلها الحلفاء ويقدّمون لها الدعم اللوجستي، سبق واختبرت أولى عيناتها في معارك جنوب سورية، بإعلان تطويع خمسة آلاف متدرّب قبل سنة التحق منهم ألفان ومئتان فقط وأنهى التدريب منهم سبعمئة تبدّد جمعهم مع الوجبة الأولى من القتال بعد تجاوز الحدود الأردنية، وانتهوا إما قتلى وجرحى، أو ملتحقين بصفوف «داعش» و«النصرة»، أو منخرطين في صيغ لتسوية أوضاعهم مع أجهزة الأمن السورية.

كانت المناقشات تصل دائماً إلى التسليم بأنّ الرهان هو مجرّد وهم، لكن السؤال يبقى ما هو البديل، حتى ظهرت التصريحات «الإسرائيلية» العلنية عن اعتدال «جبهة النصرة»، والدعوة الضمنية لحصر الحرب بـ«داعش»، وشاركها نواب جمهوريون أميركيون بالدعوة إلى اعتبار الحرب حصراً على «داعش»، وفي ظلّ احتضان تركي قطري، بدا أنّ «النصرة» تنتقل نحو السعودية مع الرعاية التركية لـ«داعش»، وصار الرهان على إقناع واشنطن بأنّ المعارضة المعتدلة هي «النصرة»، وأنها الجهة المرشحة بجدارة للشراكة في الحرب على «داعش» والدولة السورية معاً.

العائق هو أنّ «النصرة» مصنفة لدى واشنطن منظمة إرهابية قبل ظهور «داعش»، وأنها في قرارات الأمم المتحدة تنظيم إرهابي، والأدهى أنّ «داعش» ليست فرعاً لـ«القاعدة» لا بما تقدّم نفسها عليه ولا بموقف «القاعدة» منها، على عكس «النصرة» التي تتقدم كفرع رسمي معتمد لـ«القاعدة» في بلاد الشام، ويعتبرها قادة «القاعدة» رسمياً من تجوز له البيعة والولاية، والتردّد الأميركي الذي ترجمه الصمت، حسمته الغارات الأميركية على مواقع «النصرة» في ريف إدلب بعدما احتلت مواقع «جماعة حزم» و«جبهة ثوار سورية» اللتين تحظيان بدعم واشنطن، وبعدما اكتشفت واشنطن أنّ العملية تمّت برعاية تركية «إسرائيلية» سعودية للضغط على واشنطن بالقول إن لا أحد في الميدان إلا «النصرة».

حسمت واشنطن الجواب على سؤال عن بديل «الجيش الحر» بالقول الذي صدر عن البيت الأبيض، وهو ليس موجهاً إلى خصوم واشنطن بل إلى حلفائها، واشنطن ليست معنية بكلّ مناحي الأزمة السورية بل بقتال الإرهاب فقط، وفي هذا الجواب أجوبة على أسئلة ومواقف أخرى، فهنا واشنطن ليست معنية بدعوة أردوغان لإسقاط النظام في سورية، ولا معنية بتأمين بديل عن «الجيش الحر» ولا هي معنية بأن يكون الجيش السوري أو الرئيس السوري يكسبان من الغارات على «داعش» و«النصرة» كما صرّح وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل.

جاء صراخ الرئيس التركي رجب أردوغان ووزير خارجية فرنسا لوران فابيوس للمطالبة بفعل شيء كي لا يدخل الجيش السوري إلى حلب، والمقصود بأيّ شيء هنا هو الإسراع باعتماد «النصرة» بعدما صارت سيطرتها على ريف إدلب وجبل الزاوية تسمح بالتعاون بينها وبين بقايا «الجيش الحر» عبر اجتماعات المجلس العسكري التابع لأنقرة، التي كانت تنتظر الضوء الأخضر الأميركي، فجاءت الغارات لتحمل الجواب الحاسم.

واشنطن معنية بالتفاوض مع الدولة السورية، والمعارضة التي تقبل هذا التفاوض تمنحها واشنطن الدعم لتحسين موقعها التفاوضي، هذا ما قاله قبل يومين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لكن واشنطن لن تقبل تعويم «النصرة»، هذا ما قالته الغارات، لأنّ واشنطن لن تقبل العودة إلى البدايات، التي ندّد بها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في السلوك التركي والخليجي، بقوله، بوهم إسقاط الرئيس الأسد تمّ جلب الإرهابيين بالآلاف وتزويدهم بمئات ملايين الدولارات وآلاف أطنان السلاح والذخائر.

ترجمة لهذا التفاوض يصل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى دمشق غداً، والنقاش حول الحوار والتهدئة ومن هم شركاء الحوار والتهدئة، فهل المعنيّ «النصرة» مثلاً، أم مَن في جبهة حلب التي تحدث عنها دي ميستورا تحت عنوان تجميد الصراع، والسؤال الرئيسي الذي ينتظر المبعوث الدولي الذي امتاز عن سلفيه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، بالإشارات الواضحة لتفاهمه مع الرئيس السوري بشار الأسد حول أولوية الحرب على الإرهاب كنقطة انطلاق لتحديد شركاء الحوار من المعارضة، لكن السؤال الأبرز بانتظار دي ميستورا هو من هم من بين الذين تنهش لحمهم «داعش» و«النصرة» من مجموعات المعارضة، يبدون الاستعداد نفسه الذي تبديه الدولة وهي الأقوى، باعتبار الحرب على الإرهاب سبباً كافياً لتجميد المواجهة والبحث عن المصالحة مع كلّ مكوّن سوري يشاركها النظرة لهذا الخطر، فهل على مفكرة دي ميستورا، أسماء لجماعات وجهات مستعدة للمجاهرة بأنّ الخطر على سورية هو الإرهاب، وهذا يستدعي تعاون الدولة والمعارضة لتوحيد جهودهما في وجه هذا الخطر عبر حلّ سياسي توافقي بلا شروط مسبقة ينطلق من مؤسسات الدولة الدستورية وينتهي بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وفي دمشق سينتبه المبعوث الدولي أنّ على مفكرته نوعين من المعارضات فقط، نوع لا يزال يبحث عن كيفية تحييد «النصرة» من حسابات المواجهة ويسعى إلى التنسيق معها، أو تفادي غضبها، ونوع يرى حرب «النصرة» عليه سبباً لحربه عليها، ويرى سبب الأولوية الخطر الداهم على وجوده وليس على سورية، وفي حسابه نجمّد الصراع مع الدولة ونستفيد من الدعم الدولي للحرب على الإرهاب حتى نتفرّغ لمحاربة الدولة وجيشها. مثل هؤلاء هل يعقل أن يُطلب من الدولة السورية مهادنتهم، بمنحهم الفرص حتى يشتدّ عودهم ويقاتلونها؟

الشراكة والتهدئة عنوانان جيّدان للحوار، لكن بدايته أنّ التناقض بين الدولة والمعارضة باعتراف الفريقين يجب أن يكون متساوياً هو تناقض ممنوع حله بالاحتكام إلى السلاح، بل حصراً في صناديق الاقتراع، ليعود دي ميستورا من زيارة دمشق وعليه أن يبحث بفانوس ديوجين عن هذه المعارضة العاقلة، لأنّ مصطلح المعارضة المعتدلة بعد الكلام عن «النصرة» صار مهزلة.

في لبنان على إيقاع مواصلة الجيش عمليات المطاردة للمجموعات المسلحة التابعة لـ«داعش» و«النصرة» شمالاً والاستنفار جنوباً، بقي التمديد للمجلس النيابي ومفاعيله حاضرة سواء في مجلس الوزراء، أو في النقاش حول قانون الانتخاب الذي تعهّد النواب بإنجازه على كعب التمديد، فيما بدا أنّ رئيس المجلس النيابي قد أعدّ ورشة اتصالات وتحضيرات ربما تجعل القانون المختلط بالجمع بين نصف النواب المنتخبين على مستوى المحافظات وفقاً للنظام النسبي، ونصف آخر ينتخب على مستوى الأقضية وفقاً للنظام الأكثري، يحظى بالغالبية اللازمة مع تسرّب كلام عن دعم كلّ من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط؟

وكان قانون التمديد الموضوع الأبرز على طاولة مجلس الوزراء أمس، وقد أخذ حيزاً من النقاشات بين مؤيدي التمديد ورافضيه، تخللتها مداخلات لعدد من الوزراء خصوصاً وزراء التيار الوطني الحر والكتائب الذين كرروا موقفهم الرافض للقانون ورفضوا إلى جانب الوزراء الثلاثة المحسوبين على الرئيس ميشال سليمان توقيعه، وأشار وزير الخارجية جبران باسيل خلال الجلسة بحسب ما علمت «البناء» أنه لو كان هناك رئيس للجمهورية لكان بإمكانه إعادة القانون إلى المجلس النيابي». وانتهى النقاش بتوقيع رئيس الحكومة تمام سلام وعشرة وزراء فقط بسبب غياب الوزيرين وائل أبوفاعور وأشرف ريفي بداعي السفر.

تجدد السجال بين زعيتر وباسيل

ولم يكن هذا الموضوع السجالي الوحيد في الجلسة التي استمرت حوالى سبع ساعات، إذ علمت «البناء» من مصادر وزارية أن السجال الذي حصل في الجلسة السابقة بين وزير الأشغال العامّة والنقل غازي زعيتر والوزير باسيل، تكرر أمس لدى طلب الأول أن يجيز له مجلس الوزراء تلزيم تعبيد الطرق للتحضير من أجل المناقصات، لأن الموازنة المخصّصة لوزارة الأشغال لم تكفِ لتلبية طلبات تعبيد الطرق وتأهيلها في كل لبنان. وأشارت المصادر إلى «أن معارضة وزراء حزب الكتائب والوطني الحر وتيار المستقبل أدت إلى عدم إقرار الطلب».

كذلك أرجأ المجلس البحث في موضوع المناقصة العالمية لإدارة شبكتي الخليوي وفي عقود النفط ومحطات الكهرباء ودفتر الشروط.

أما في شأن العسكريين المخطوفين، فأفادت مصادر وزارية «البناء» أن «سلام أكد خلال الجلسة أن الملف معقد وأن الكلام عن أن الموفد القطري حمل اقتراحات من جبهة النصرة إلى الحكومة ليس صحيحاً، فالموفد القطري لم يأت». في حين أشارت مصادر أخرى إلى «أن الملف لا يزال بين الأخذ والرد وأن مجلس الوزراء قرر أن يناقش اقتراحات الجبهة وإمكان الاستجابة لها».

بري يعوّم القانون المختلط والسنيورة وجنبلاط يؤيدان

من جهته، لم يعول رئيس المجلس النيابي نبيه بري على توقيع الحكومة قانون التمديد ليصبح نافذاً إذ كرر أمام زواره أمس أن قانون التمديد بصفته معجلاً مكرراً، يصبح نافذاً بعد خمسة أيام من تاريخ إيداعه رئاسة الحكومة من دون حاجة لتوقيعه من الوزراء.

وفي المقابل، أكد بري أنه سيترأس اجتماع لجنة قانون الانتخاب في السابع عشر من الجاري وعلى جدول أعمالها اقتراح القانون المختلط مناصفة بين النسبية والأكثرية والذي كانت كتلته قدمته في وقت سابق إلى المجلس النيابي، مشيراً إلى أن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط يميل إلى تأييده. وجدد بري قوله إنه سيحدد مهلة شهر للجنة لإنجاز عملها «وإذا لم تتفق على القانون نذهب إلى الهيئة العامة بكل المشاريع المطروحة». وأكد بري رفضه المشروع الأرثوذكسي، مشدداً على أن الأولوية بعد التمديد هي لانتخاب رئيس الجمهورية وإقرار قانون جديد للانتخابات. ورأى أنه «لا بد من اتفاق على قانون انتخاب ثابت من أجل الإصلاح. وإذا لم نتفق، فما يبقى هو قانون الستين»، مشدداً على «أن المعيار في هذا الموضوع هو اتفاق الطائف أي النسبية في المحافظة والأكثرية في القضاء مع تحديد الكوتا النسائية». وإذ شدد على أن التشريع سيستمر، أشار إلى أن المصلحة العليا للدولة هي التي أملت عليه السير بالتمديد «وإذا كان أبغض الحلال في الإسلام هو الطلاق ففي الديمقراطية هو التمديد»، موضحاً أن «الديمقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه لا أن تقتله».

وأشارت مصادر نيابية مشاركة في اللجنة لـ«البناء» إلى «أن لا جديد سيتغير على صعيد الاجتماعات»، مشيرة إلى «أن تعذر التوافق المتوقع سيؤدي إلى الذهاب إلى الجلسة العامة والتصويت على القوانين المحالة»، مؤكدة في الوقت عينه «أن الجلسة لن تعقد قبل انتخاب رئيس الجمهورية».

وفيما أكد تيار المستقبل «أن الأولوية عنده هي انتخاب رئيس للجمهورية، «ولا يجوز إقرار أي قانون انتخابي قبل انجاز هذا الاستحقاق، بحسب ما قال النائب عمار حوري لـ«البناء»، نقل زوار رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة عنه قوله: «إن تيار المستقبل ليس لديه أي مشكلة في اقتراح القانون المختلط المقدم من بري». وفي المقابل، أكدت مصادر نيابية في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» «أن لا شيء في الأفق يوحي بإمكانية التوافق على قانون انتخاب»، مشيرة إلى أن ما أضيف إلى محضر الجلسة النيابية أول من أمس «يؤكد أن قانون الانتخاب ربما يبصر النور بعد عمر طويل».

وأشارت المصادر إلى «أن نواب 14 آذار أعلنوا عقب التمديد الأول أنهم سينامون على درج المجلس لإنتاج قانون انتخابي، إلا أننا لم نر شيئاً»، معتبرة «أن الطبقة السياسية منذ اتفاق الطائف حتى اليوم تتحمل مسؤولية عدم إقرار قانون الانتخاب». وشددت على «أن تكتل التغيير والإصلاح لا يعوّل على عمل هذه اللجنة على رغم مشاركة النائبين آلان عون وإميل رحمة فيها، لأن الأكثرية في يد الفريق الآخر، وأي قانون انتخابي لا يراعي مصالح الرئيس سعد الحريري والنائب جنبلاط لا يمكن أن يبصر النور».

وإذا أشارت أوساط التيار الوطني الحر لـ«البناء» إلى «أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور»، أكدت «أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون مستمر في ترشحه إلى النهاية ولن يتراجع».

في غضون ذلك توجه النائب جنبلاط إلى موسكو أمس، واستهل لقاءاته مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي ألكسي بوشكوف، في حضور نجله تيمور ووزير الصحة العامة وائل أبو فاعور والقيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور حليم أبو فخر الدين.

وتخلل اللقاء مناقشة للتطورات السياسية الراهنة في لبنان والشرق الأوسط.

أمنياً، استمرت الاعتداءات الإرهابية على الجيش الذي واصل بدوره ملاحقة الخلايا الإرهابية النائمة وتوقيف عناصرها. ففي بلدة عرسال أقدم مسلحان مجهولان على إطلاق النار على معاون في الجيش وأصابوه بجروح متوسطة للمعالجة، فيما صد الجيش محاولة تسلل للمسلحين من جرود عرسال إلى البلدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى