المنطقة منزوعة السلاح تكتمل في إدلب… ومحادثات تركية روسية حول الممتنعين سجال جنبلاطي أرسلاني يُطيح التفاؤل بالحلحلة… والحريري متمسك بتحقيق تقدّم
كتب المحرّر السياسيّ
لم تعد الرواية السعودية عن اهتمامها بمصير جمال الخاشقجي موضوع تداول. فالموقف الدولي الجامع بات عنوانه أنه ليس مقبولاً أن تطلب السعودية أدلة إدانتها، بل عليها هي أن تقدّم أدلة براءتها، لأن الخاشقجي قد ثبت دخوله حياً إلى القنصلية السعودية في اسطنبول، ولا دليل على خروجه حياً منها. ومع التسريبات التركية لأشرطة فيديو تضع الرياض في قفص الإتهام حفلت الصحف الغربية الكبرى من الواشنطن بوست والنيويورك تايمز إلى الغارديان والفاينايشل تايمز وسواها بالتقارير والمعلومات والسيناريوات، وكلها تدور حول كيف قامت سلطات الرياض باستدراج الخاشقجي من واشنطن إلى اسطنبول ونصبت له فخاً هناك. تمّت تصفيته من خلاله. وقد عرض الأتراك أشرطة فيديو تظهر الأشخاص الذين تشتبه أنقرة في أنهم من قاموا بتصفية الخاشقجي، وكيفية وصولهم صبيحة اليوم ذاته على متن طائرة خاصة وانتقالهم إلى القنصلية بسيارات دبلوماسية، ومغادرتهم بعد ظهر اليوم نفسه وبحوزتهم حقائب دبلوماسية غير قابلة للتفتيش، وأشرطة أخرى تظهر الحركة على باب القنصلية منذ دخول الخاشقجي، من دون أن يظهر أنه غادر القنصلية.
كرة الثلج التي تحاصر الرياض لم تحجب التطورات التي تشهدها تفاهمات سوتشي في تطبيق اتفاق إدلب، حيث أعلنت تركيا اكتمال تنفيذ المنطقة المنزوعة السلاح ضمن المهلة المتفق عليها، بينما أعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أن الاكتمال يُتوقع إنجازه بعد خمسة أيام. وكشفت مصادر على صلة مباشرة بالوضع في إدلب عن تشاور تركي روسي، تشارك فيه دمشق بطريقة غير مباشرة حول كيفية التعامل مع الجماعات التي رفضت تنفيذ موجبات التفاهم، والتي تتمركز في منطقة جبل الزاوية، وجسر الشغور وينضوي أغلبها في جماعات متشدّدة، يرجّح أن تفشل أنقرة في إقناعها بالالتزام بالخروج من المنطقة، خصوصاً أن أغلب عناصر هذه الجماعات تنتمي لغير السوريين الذي شجّعهم على التفاعل الإيجابي مع التفاهمات مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس السوري وشكل مصدر ارتياح عند الكثيرين من الراغبين بتسوية أوضاعهم بعدما بات واضحاً لهم أن لا أمل يُرتجى من مواصلة حمل السلاح.
لبنانياً، أمام هبات باردة وحارة في قضية تشكيل الحكومة، اختصر كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الموقف بقوله، «لا تقول فول ليصير بالمكيول»، خصوصاً بعد ما كان ما ظهر أنه تطور إيجابي في معالجة العقدة الدرزية سبباً وحيداً للتفاؤل، مع بقاء عقدة تمثيل النواب السنة العشرة خارج تيار المستقبل دون إحراز أيّ تقدّم، وتصاعد التجاذب حول عقدة تمثيل القوات اللبنانية، وإذ بالسجال بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، يندلع بلغة سقفها أعلى بكثير مما سجّله السجال بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بصورة صارت الدعوة للتهدئة أكبر وأهم من الدعوات لتسهيل تشكيل الحكومة، فمصطلح أحصنة طروادة الذي أورده جنبلاط تحوّل لمحور السجال تحت عناوين ومواضيع متعددة.
العقدة الدرزية الى المربع الأول…
لم تَصمُد موجة الإيجابية المتبادلة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان طويلاً. فبعد الحديث عن تقدّم باتجاه حلحلة العقدة الدرزية، تجدّد السجال التصعيدي على جبهة الحزبين أعاد الأمور الى المربع الاول، ويبدو بحسب مصادر مطلعة في الحزب الديموقراطي أن رئيس الاشتراكي عندما شعر بأن مبادرة المير طلال تحظى بقبول مختلف الأطراف لا سيما الرئيسين ميشال عون ونبيه بري حاول تسعير التوتر الإعلامي لإجهاض المبادرة. الأمر الذي يؤكد بحسب المصادر وجود أيادٍ خارجية تتخذ من جنبلاط وسيلة لعرقلة تأليف الحكومة. وأوضحت المصادر الديموقراطية لــ»البناء» أن «جنبلاط يعطي تنازلات بالشكل لا بالمضمون وهدفه الإظهار للرأي العام بأنه يتنازل وأن العقدة في مكان آخر»، مذكرة بأن رئيس الاشتراكي كان يُصرّ على أنه هو مَن يسمّي الوزير الدرزي الثالث بالتوافق مع الرئيس بري من بين الوسطيين، لكن ليس هناك من شخصية سياسية درزية وسطية بعد الانتخابات النيابية». وأكدت المصادر أن «أرسلان مُصرّ على أن يكون الوزير الثالث من الحزب الديموقراطي ويمثل الخط السياسي الذي يمثله الحزب على المستويين الداخلي والاستراتيجي، حيث إن هناك خطين داخل طائفة الموحدين منقسمان حيال الوضع في سورية والصراع مع إسرائيل والمقاومة، الأول يمثله جنبلاط والثاني أرسلان، وبالتالي هناك إصرار عند أرسلان أن يمثلنا درزي من خطنا السياسي لا سيما في هذه المرحلة وفي المستقبل، حيث هناك محاولات خارجية لتغيير موقع الدروز في لبنان والمنطقة، حيث من المعروف أن أكثريتهم لا يؤديون خيارات جنبلاط السياسية». وأبدت المصادر استغرابها لتجاهل الرئيس المكلف سعد الحريري نقاش أرسلان كمعني بالعقدة الدرزية، متهمة الحريري بتعمد ذلك لإذكاء الصراع داخل الطائفة الدرزية لأهداف خارجية»، إلا أن مصادر كتلة ضمانة الجبل أشارت لـ»البناء» الى أن «العقدة الدرزية قطعت شوطاً باتجاه الحلحلة بعد موقفي جنبلاط وأرسلان لكن يبقى على الرئيس الحريري أن يدور الزوايا ويوزع الحقائب بشكل عادل متوقعة تأليف الحكومة خلال عشرة أيام». في المقابل أكدت أوساط مطلعة على موقف عين التينة لـ»البناء» أن المخرج المطروح هو شخصية وسطية لا اشتراكية ولا ديمقراطية مع حسم استبعاد النائب أرسلان».
وأشار جنبلاط في حديث على وسائل التواصل الاجتماعي، الى «ان الدعوة الى التسوية مطلوبة من جميع الفرقاء، لكن حذار ان يُفسّرها البعض اياً كان انها تنازل عن الثوابت، وعلى هذا لن نقبل بأحصنة طروادة جديدة في الوزارة المقبلة». ولفت الى «ان هذا التوضيح ضروري لاسكات اصوات النشاز ونعيق البوم». ويقصد جنبلاط هناك بحسب مصادر الاشتراكي أن أرسلان هو حصان العهد والتيار الوطني الحر للدخول الى البيت الدرزي والتدخل بشؤونه، ورد ارسلان على جنبلاط قائلاً عبر تويتر «نؤيد الدعوة الى تسوية من دون التنازل عن الثوابت وعدم القبول بأحصنة طروادة تعطي العهد وما يمثل من طرف اللسان حلاوة وتروغ منه كما يروغ الثعلب». ومن عين التينة أكد عضو اللقاء الديموقراطي النائب اكرم شهيب أنه «عندما يصبح الكل جاهزاً لتقديم تنازلات لولادة الحكومة «يحكوا معنا». وانتقل التوتر من القيادتين الى مستوى الحزبين، حيث ردّ مصدر مسؤول في الحزب الإشتراكي على أرسلان بالقول: «إذ نتفهم الانشغالات الاستراتيجية للأمير طلال في شؤون وشجون المنطقة وتطوراتها، ونعلم حرصه على المبادئ السامية والأخلاقيات الإنسانية إلا أننا نذكره بتسليم المتهم أمين السوقي». وعاد الحزب الديمقراطي ورد على لسان مصدر قيادي فيه، بالقول: «طبعاً يا وليد بيك لا ننكر مدى بعد نظركم ونصائحكم للعالم أجمع، ومدى صوابية خياراتكم الكونية، والدرزية جزء صغير منها، وهدر الدماء تفصيل عابر، إلاّ أننا ندعوكم الى إقفال الزنزانة رقم 3 في المختارة، وكم من خاشقجي زارها». وقالت مصادر الحزب لـ»البناء» إن «الزنزانة التي تحمل الرقم 3 معروفة في الأوساط الشعبية في الجبل كما يعرفها الأمنيون، ومهمتها اعتقال كل من يُغضِب البيك وممارسة أساليب التعذيب بحقه. وهذه الزنزانة مازالت قائمة حتى الآن»، الأمر الذي يشكل إخباراً للنيابة العامة ويدعوها للتحقق من هذا الأمر إن صح والذي يُعد انتهاكاً للحريات العامة ولحقوق الانسان.
الخلاف العوني القواتي إلى الجامعات…
على صعيد العقدة القواتية، لم يسجَّل أي تقدم وسط تمسك القوات بشروطها 4 وزراء مع 4 حقائب، لكن الجديد هو انتقال الخلاف السياسي بين التيار الوطني الحر والقوات الى حرم الجامعات، مع مخاوف من انتقاله الى الشارع، حيث وقع أمس إشكال في الجامعة اليسوعية بين مجموعة من طلاب التيار وطلاب من القوات تطور الى تضارب بالأيدي والعصي على خلفية لافتات حزبية تدخلت إثرها القوى الأمنية لفض الخلاف.
وأوضح قطاع الشباب والرياضة في التيار في بيان أن «الخلاف وقع اثر قيام احد الشباب من غير المنتسبين إلى التيار باستبدال صورة للرئيس بشير الجميل موضوعة على إعلان تستعمله القوات اللبنانية لدعم ترشيح طلابها في انتخابات الجامعة اليسوعية بصورة مسؤول طلاب التيار في حرم هوفلان نويل عبوش دون علمه».
وعلقت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر على الإشكال مشيرة لـ»البناء» الى أن «الإشكال لا يتعدى كونه خلافاً طلابياً داخل حرم الجامعة ولن يتطور الى أكثر من ذلك»، مستبعدة أن تنتقل الاشكالات الى الشارع مجددة تمسك التيار بالمصالحة المسيحية أما الخلاف السياسي. فهو أمر مشروع في بلد ديمقراطي كلبنان ولا يجوز أن ينعكس اي خلاف حكومي او سياسي على الأرض، اذ إن المصالحة شكلت ارتياحاً لدى الشارع المسيحي الذي لا يريد العودة الى مراحل التشنج مهما كان الثمن». ولفتت الى أنه وبعد تأليف الحكومة سنمارس سياسة الانفتاح على جميع الأطراف السياسية، لأن البلد وحجم الأزمات تحتاج تعاون الجميع».
وعن رد الحريري على باسيل بأنه لن يقبل التكليف إن اعتكف، لفتت الى أننا «فريق سياسي كغيرنا من الأطراف ولنا الحق في التعبير عن موقفنا ومقاربتنا لعملية تأليف الحكومة، حيث ان رئيس التيار قدم اقتراحات تتضمن معياراً موحداً بهدف تسهيل التأليف، لكن مسؤولية التأليف تقع على عاتق الرئيس المكلف بالتشاور مع الرئيس عون»، وجددت تمسكها بحكومة الوحدة الوطنية «منسجمة مع عملية الاصلاح ومكافحة الفساد والنهوض بالوطن».
وعما اذا كان اللقاء المرتقب بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس القوات سمير جعجع موجه الى التيار، رأت المصادر أن «هذا اللقاء ليس موجهاً ضدنا ومن حق اي طرف التحالف مع الآخر لكن بما يصب الاستقرار الداخلي». ونقلت المصادر عن الرئيس عون أنه «لن يقبل بحكومة مشلولة قبل ولادتها وبالتالي لن يسمح بأن تمارس بعض الاطراف السياسية سياسة الكيدية وتعطيل مشاريع العهد»، مشددة على «التمسك بالتسوية الرئاسية مع الحريري».
بري: «لا تقول فول تيصير بالمكيول»
وعلق رئيس مجلس النواب نبيه بري على موضوع الحكومة بالقول: «تجارب تأليف الحكومات علمتني أن «ما تقول فول تيصير بالمكيول». واعتبر أن «الأوان قد آن ليتحمل الجميع مسؤولياتهم لحسم الموضوع الحكومي عبر التواضع في التعامل مع عملية التشكيل في ظل وضع اقتصادي دقيق للغاية»، وشدد بحسب زواره على أن «البرلمان سيستمر بتحمل مسؤولياته والقيام بدوره معلناً عن عقد جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر الحالي». ونقل زواره عنه لــ»البناء» أن «ما تم تداوله حتى الآن مجرد أفكار واقتراحات وليست حلولاً جاهزة لتترجم عملياً في صيغة حكومية جاهزة، مشيراً الى أن «كلام رئيس الجمهورية عن تأليف حكومة قبل حلول العام الثاني على ولايته يحمل ايجابيات على صعيد تقديم تنازلات من قبل الجميع لتسهيل التأليف».
وعلى خط الكهرباء التقى الرئيس بري وزير الطاقة سيزار ابي خليل الذي شرح له ما يعترض القطاع من معوقات في ظل ارتفاع سعر البترول عالمياً وجرى الاتفاق على خطوات عدة ستتم متابعتها في مجلس النواب ومع وزير المال علي حسن خليل الذي أكد أن «فتح أي اعتماد يحتاج إلى قانون وسلفة الخزينة تأخذ مجراها وفق الأصول في البرلمان».
وعلى صعيد أزمة المولدات الكهربائية وما أُثير حول إيداع المشتركين مئة ألف ليرة أمانة لدى أصحاب المولدات، أوضح وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال رائد خوري في حديث تلفزيوني إلى انه «من حق الناس ان يشعروا بنوع من الاستغلال من قبل أصحاب المولدات لأنهم يهددونهم أنه في حال لم يدفعوا التأمين فسيقطعون عنهم الكهرباء ولكن أقول للناس أن كل مشترك لسنتين مع صاحب المولد نفسه لا يدفع تأميناً».
أما في أزمة النزوح فأعلن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ان «عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ نحو 1,3 مليون شخص، فيما بلغ عدد اللاجئين العائدين الى سورية نحو 50 ألفاً». وعن المبادرة الروسية لتأمين عودة اللاجئين السوريين فأوضح ان «الامن العام اللبناني شريك رئيسي في هذه المبادرة، وعلى تواصل مباشر مع المعنيين بملف اللاجئين، ومن المبكر الحديث عن مدى زمني لتطبيق المبادرة المذكورة لأن خطة العمل مع الجانب الروسي لم تكتمل بعد»، منوهاً الى انه «تم الاتفاق في الإطار العام مع الروس على النقاط الأساسية، وتبقى هناك تفاصيل لوجستية وغيرها يجري العمل عليها قبل بدء تنفيذ الخطة».