حزب الله… ضرورة وطنية للبنان والمنطقة

خالد الداعوق

أثبت حزب الله منذ نشأته والإعلان عن تأسيسه أنه حزب مقاوم خرج من رحم المعاناة الوطنية في أعقاب الاجتياح الصهيوني للبنان في مطلع حزيران 1982، ثم توالت المراحل والمحطات ليثبت هذا الحزب في كلّ مرة أنّ مشروعه وطنيّ بامتياز، بغضّ النظر عن طابعه الديني الذي كان ولا يزال مقتصراً على سلوك أفراده وطبيعة حياتهم الشخصية، من دون أن يكون لهذا الالتزام الديني أيّ تأثيرات أو مفاعيل على أيّ مكوّن لبناني آخر، ولا على الحياة السياسية العامة في البلد.

في البداية أدّى حزب الله دوره في المقاومة إلى جانب الأحزاب الوطنية والقومية التي انضوت بُعيْد الاجتياح في إطار جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وكان لها الدور الريادي في العمل المقاوم، واستطاعت على مدى سنوات تنفيذ عمليات بطولية نوعية وصولاً إلى العمليات الاستشهادية التي كان لها وقع مؤثر وحاسم وكبير جداً في تحرير معظم الأراضي اللبنانية بدءاً من العاصمة بيروت ثم منطقة جبل لبنان وبعدها شرق صيدا وعدد من المناطق الجنوبية الأخرى.

وحين تمّ التوصل إلى اتفاق الطائف في العام 1989، وهو الاتفاق الذي أنهى الحرب الداخلية في لبنان، لتنطلق بعد ذلك مسيرة السلم الأهلي، لم يكن قد بقيَ محتلاً من الأراضي اللبنانية سوى ما سُمّي آنذاك «الشريط الحدودي»، فاستمرّت المقاومة مع حزب الله وتصاعدت وحققت الكثير من الإنجازات، ومرّت في محطات مفصلية تعملق فيها أبطال الحزب ومعهم أهل الجنوب الذين صمدوا وواجهوا باللحم الحي إذا جاز التعبير…

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى حرب الأيام السبعة في تموز 1993 عملية تصفية الحساب كما سمّاها العدو «الإسرائيلي» ، حيث منعت المقاومة هذا العدو من تحقيق أيّ هدف، وتمكّنت من الصمود في مواجهته ومعها الأهالي طبعاً، لكن المميّز في تلك المواجهة أنّ الجيش اللبناني شارك في دعم المقاومة وحفظ ظهرها، وذلك بعدما أصبح الجيش بقيادة العماد إميل لحود صاحب عقيدة قتالية وطنية وخرج من مقولة إنه «جيش السلطة» أو «جيش النظام».

بعد ذلك أتى عدوان «عناقيد الغضب» في نيسان 1996 وما تخلله من جرائم موصوفة ارتكبها العدو الصهيوني ضدّ لبنان وشعبه، لا سيما مجزرة قانا التي ذهب ضحيتها أكثر من 100 شهيد جلّهم من النساء والأطفال والشيوخ، وذلك في مقرّ تابع للأمم المتحدة الذي لجأوا إليه على أساس أنه مقرّ آمن وليس وارداً أن يستهدفه العدو.

ورغم الجراح والألم تمكّنت المقاومة ولبنان من صدّ العدوان، ولم يحقق العدوّ أيّ هدف من أهدافه، وخرج حزب الله من تلك المواجهة أقوى مما كان، خاصة أنه هذه المرة سجل أنه طرف واضح من أطراف التسوية التي أطلق عليها آنذاك تسمية «تفاهم نيسان» الذي يفرض تحييد المدنيين عن الصراع، والمقصود بذلك طبعاً أهل الجنوب الذين كانوا أوّل المستهدفين حين كان العدو يريد الضغط على حزب الله من خلال استهداف بيئته الشعبية التي استمرّت صامدة وصابرة رغم كلّ التضحيات والأثمان الباهظة التي دفعتها.

ومع تصاعد وتيرة العمل المقاوم وتزايد العمليات النوعية ضدّ العدوّ ومواقعه المحصّنة في المناطق المحتلة، لم يكن أمام هذا العدو إلا الاندحار والانسحاب تفادياً للمزيد من الخسائر التي كان يوقعها به المقاومون الذين اكتسبوا المزيد من الخبرات وتزوّدوا بتقنيات حديثة ومتطوّرة، إضافة إلى الإرادات الفولاذية التي يتحلى بها هؤلاء الأبطال… فكان الإنجاز المميّز في عهد الرئيس العماد إميل لحود وخلال ولاية الرئيس الدكتور سليم الحص في أيار 2000، حين حقق لبنان ومقاومته الانتصار الكبير على العدو الصهيوني الذي أُجبر على الانسحاب من كامل الأراضي اللبنانية المحتلة باستثناء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر من دون قيد أو شرط، وهو ما يُعتبر أهمّ إنجاز عربي على الإطلاق منذ بدء الصراع ضدّ الحركة الصهيونية والكيان «الإسرائيلي» الغاصب.

ولأنّ الهزيمة كانت مدوية ولم يبتلعها العدو بسهولة، استمرّ يكابر ويحاول تعويضها باعتداء من هنا ومناوشة من هناك، وكانت كلها تلقى الردّ المناسب من الجانب اللبناني، سواء من الجيش الذي اشتدّ عوده أكثر فأكثر، أو من المقاومة التي تابعت تعزيز قوّتها عديداً وعتاداً، إلى أن اندلعت حرب تمّوز 2006 التي استمرّت 33 يوماً سجّل خلالها المقاومون ومعهم اللبنانيون أروع صفحات الصمود، وتصدّوا للعدوان الغاشم الذي لم يستطع تحقيق أيّ هدف، رغم الدمار الهائل الذي ألحقه بكلّ المناطق اللبنانية تقريباً، وخصوصاً في الجنوب والبقاع الغربي، وبنوع أخصّ الضاحية الجنوبية لبيروت.

وكان أن تجدّد الانتصار اللبناني المؤزّر، ومع ذلك الانتصار ترسّخت الثلاثية الماسية «الجيش والشعب والمقاومة»، وهي معادلة أثبتت أنها عصية على الكسر، بل على العكس هي القادرة على كسر العدو وإلحاق الهزيمة به وردّه على أعقابه خائباً ذليلاً… نعم ذليلاً، حيث شاهد كلّ العالم على الهواء مباشرة جنوده الهاربين من ميدان المعركة في جنوب لبنان وقراه الأمامية وهم يبكون ويرتعدون خوفاً وفزعاً.

وحين أدرك العدو أنه عاجز تماماً أمام لبنان الذي تخلّص نهائياً من مقولة القوي بضعفه وأصبح قوّياً بقوّته، وجد العدو في دعم المجموعات الإرهابية المسلحة باباً واسعاً للنيل من سورية ولبنان في آن معاً، وهنا تدخل حزب الله أيضاً وتمكّن من حماية لبنان استباقياً من خلال دحر هذه المجموعات عن المناطق الحدودية بدءاً من القصيْر عام 2013، وصولاً إلى تحرير جرود عرسال التي أتبعها الجيش اللبناني بتحرير جرود القاع ورأس بعلبك في عمل تكاملي مميّز بين الجيش والمقاومة من الجهة اللبنانية، وبين الجيش السوري والمقاومة من الجانب السوري.

كلّ هذه الإنجازات جعلت اللبنانيين يشعرون بالاعتزاز والفخر أولاً، ثم جعلتهم يثقون أنهم في أمان، وأصبحوا على يقين تامّ أنّ حزب الله حقق التوازن المطلوب من خلال امتلاكه منظومة دفاعية متطوّرة وقادرة على ردع العدو الصهيوني ومنعِه من مجرد التفكير بالاعتداء على لبنان، لأنه يعرف تماماً أيّ نوع من الخسائر ستلحق به إنْ هو حاول أو أقدم على مثل هذه الحماقة.

وبالتأكيد ستكون المقاومة في أتمّ الجهوزية إلى جانب جيشنا الوطني للدفاع عن منشآت النفط والغاز التي سيبنيها لبنان في البحر والبرّ، إذا ما تعرّضت لأيّ عدوان صهيوني، خاصة أننا نعرف جيداً مدى أطماع هذا العدو بأرضنا ومياهنا وثرواتنا.

والجدير ذكره في هذا السياق هو أنّ حزب الله أنجز كلّ ما أنجزه بقدراته وبالدعم الذي حصل عليه من سورية وإيران، وسخّر هذا الدعم لبناء قوّته البشرية والتقنية والتسليحية، وبالتالي لم يكلف الدولة اللبنانية وخزينتها شيئاً، بل على العكس من ذلك تماماً، وضع كلّ ما يملكه في خدمة الدولة اللبنانية التي لو أرادت بناء قوّة مماثلة لتطلّب الأمر تكاليف باهظة جداً.

كما أنّ حزب الله الذي لم يطلب شيئاً لنفسه أو لجمهوره من الدولة، يساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة بدعم الاقتصاد الوطني من خلال مؤسّساته التي بناها على مرّ السنين في مختلف المجالات الطبية والصحية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية والرياضية وغير ذلك من المجالات، حيث توفر هذه المؤسّسات خدمات كبيرة لعموم المواطنين، ومعلوم أيضاً أنّ الآلاف من اللبنانيين على اختلاف اختصاصاتهم يعملون في هذه المؤسسات ويؤمّنون من خلالها معيشتهم وسكنهم واستشفاءهم وتعليم أولادهم… وهنا لا بدّ من ملاحظة مهمة مفادها أنّ العاطلين عن العمل في بيئة حزب الله يكاد عددهم يكون محدوداً جداً.

بعد كلّ ما تقدّم يتأكد بالملموس أنّ حزب الله هو حاجة وضرورة وطنية للبنان أولاً وللمنطقة ثانياً، ونحن كلبنانيين يجب أن نكون ممتنّين لهذا الحزب الكبير ولأبطاله، وطبعاً لشهدائه وجرحاه، لأنهم قدّموا الكثير الكثير من أجلنا جميعاً، ولا بدّ لبعض المغالين والمكابرين من أن يقرّوا بهذه الحقيقة عاجلاً أم آجلاً.

أمين عام منبر الوحدة الوطنية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى