حلب إلى الواجهة مجدّداً

عامر نعيم الياس

عاصمة البلاد الاقتصادية، العاصمة الثانية، مسمّيات عدّة لمدينة حلب، ثاني المدن الرئيسة في سورية بعد العاصمة، وقلبها الصناعي الذي بسقوطه في عام 2012، جرّ الاقتصاد السوري إلى سلسلة من الانتكاسات، التي ضغطت ولا تزال حتى اللحظة، على مقوّمات الصمود السوري، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى الشعب.

حلب التي يتقدّم فيها الجيش العربي السوري بشكل مدروس بعد السيطرة على السجن المركزي، واستكمال عملية تطويق الأحياء الشرقية في المدينة، عبر محاولة السيطرة النارية على معبر «الكاستيللو»، وهو طريق الإمداد الوحيد للميليشيات المسلحة داخل المدينة، هذه المدينة عادت إلى واجهة الاهتمام الدولي مجدداً عبر ضغط من حلفاء أوباما الأكثر تطرّفاً، باريس وأنقرة، في الائتلاف الأميركي المعادي لسورية، مدعوماً بتوجّه أممي يبدو منسقاً بشكل تام ومتوافقاً مع رغبة المحور الأميركي، أطلق عليه «تجميد النزاع في حلب كمرحلة أولى»، بحسب المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الذي سيزور دمشق قريباً.

أما بخصوص التحرّك الفرنسي التركي الذي جاء بعد زيارة الرئيس التركي إلى باريس، فقد لوحظ الاعتراف بتراجع الميليشيات المرتبطة بالغرب في محيط المدينة، إذ يقول لوران فابيوس وزير خارجية هولاند: «حلب معقل المعارضة المسلحة المعتدلة… إن الحصار شبه كامل ولم يعد يربط المدينة بالخارج إلا طريق واحد يصلها بتركيا»، لكن هذا الاعتراف جاء مشوباً بتهديد هو بمثابة خطٍ أحمر غربي تحدّث عنه المعارض ميشيل كيلو في إحدى تغريداته على «تويتر»، عندما طمأن «المعتدلين» أن الغرب لا يسمح لمدينة حلب بالسقوط، وهو ما ثبّته وزير الخارجية الفرنسي فابيوس بقوله: «التخلي عن حلب سيكون حكماً على سورية بسنواتٍ أخرى من العنف، وموتاً لأيّ أفقٍ سياسي».

إذاً هو تهديد فرنسي بنسف أيّ فكرة للحلّ السياسي إذا غُيّرت موازين القوى في حلب. وهو ما يستدعي التحضير لمعركة شرسة في حلب تستخدم فيها كل الوسائل للضغط على الدولة السورية وحلفائها.

وفي مقابل غزل فابيوس بما أسماه «معقل المعارضة المعتدلة»، حذّر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو من تفاقم أزمة اللاجئين السوريين إذا تركت حلب لمصيرها. واصفاً إياها بـ«رمز المقاومة» التي يخوضها الشعب السوري» ومطالباً «بتأسيس منطقة آمنة».

إن التعويم الرسمي لملفّ حلب جاء متزامناً مع حملة منسّقة عبر الإعلام الغربي ومنظمات حقوق الإنسان المرتبطة بالغرب، للتركيز على ما سمي «كثافة الغارات الجوّية السورية على حلب بالتزامن مع عمليات الائتلاف الدولي في عين العرب ضدّ داعش»، وهو ما يطرح علامة استفهام حول هدف هذه الحملة وغايتها.

ممّا لا شك فيه أنّ اقتراح دي ميستورا تسمية «منطقة مجمدة النزاع» يهدف إلى الضغط على دمشق وحلفائها بهدف تكرار سيناريوات سابقة مع المفتشين الدوليين والمفتشين العرب والتي سبق أن اختبرتها دمشق خلال السنتين الأوليين من الأزمة، والتي كانت تأتي في توقيت يكون فيه التقدّم الميداني للجيش السوري والقوات الحليفة له، بما يؤدّي إلى تخفيف الضغط عن المجموعات المرتبطة بالغرب، وإعادة انتشارها بما يفضي إلى لجم اندفاعة الجيش السوري، وضرب أيّ محاولة لتغيير خطوط الاشتباك بين الجانبين، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن اقتراح تجميد النزاع سيؤدّي إلى تثبيت تقسيم الأراضي السورية كأمر واقع، خصوصاً في شمال البلاد، وهو ما يبدو واضحاً من خلال التفسير التركي لمصطلح «المنطقة الآمنة» في حلب، والذي جاء بعد اقتراح المبعوث الأممي «منطقة مجمّدة تبدأ من حلب»، التي يستمر الجيش السوري في تطويقها، في مصير مشابه لما حصل في مدينة حمص التي دعاها الغرب يوماً بـ«عاصمة الثورة»، إذ يبدو عاجزاً اليوم عن التملّص من هذه التسمية، محاولاً إصباغ بعض التسميات الرومنسية الأخرى على حلب، فهي بحسب فابيوس، «معقل المعارضة»، وبحسب أوغلو «رمز المقاومة».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى