حقيبة بولتون.. مفاوضات ومساومات

سماهر الخطيب

لم تحطم إدارة ترامب الرقم القياسي في استقالات موفديها خلال عام ونيف وحسب وإنما باتت الإدارة الترامبية قياسية في الانسحابات من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي لطالما كانت بوتقة وسلاح لوّحت الإدارات الأميركية السابقة به كلما سنحت لها الفرصة وكلما بات الحال فيها مضطرباً.

تلويح ترامب بالانسحاب من معاهدة الصواريخ متوسطة المدى مع روسيا الموقعة عام 1987 بين غورباتشوف وريغان وبما أن روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي بقيت تلك الاتفاقية من ذاك الإرث إلى أن صرح ترامب السبت بالانسحاب منها محملاً روسيا المسؤولية..

وفي طيات الصفحات ووراء السطور واشنطن تحمل موسكو مسؤولية فشلها في المنطقة عقب الانتصارات المتتالية عسكرياً وسياسياً وإعلامياً في سورية والعراق وكذلك إيران.

وإثارة العقوبات ضد روسيا بين الحين والآخر لزعزعة هدوء بوتين وإثارة انفعاله الذي أثبت رجاحة عقل ورباطة جأش في إدارة الأزمات الدولية.

كذلك جاء تلويح بالانسحاب من الاتفاقية تزامناً مع وصول مستشاره جون بولتون إلى موسكو حاملاً معه حقيبة ملفات فارغة الفحوى التشاركي مثقلة بالأنا الأميركية عله يملؤها ببعض الكلمات التي تثلج قلب الإدارة الترامبية فيما يخص الملف السوري والإيراني، أما الملف السعودي فهو تحصيل حاصل وسيناريو ركيك لا يحتمل الكثير من النقاش حول إخراجه.

وبالعودة إلى الملف السوري وتحديداً شرق الفرات والقوات الأميركية هناك بحجة وجود الإيرانية فإن الرسول الأميركي الموفد إلى القيصرية الروسية يعي تماماً أن ما لقنه وحيه الترامبي من مطالب لتحقيق مكاسب لن يكون بالأمر السهل. فمفاتيح طهران ليست بيد موسكو إنما بيد قيادتها وكذلك مفاتيح دمشق وهذا ما أكدت عليه موسكو مراراً وتكراراً بسيادة الدولة واحترام شرعيتها أما عن وجود القوات الإيرانية التي هي ليست فقط بموافقة دمشق إنما وفق معاهدة الدفاع المشترك. فهي بوجود قانوني ملزم حتى انتهاء الخطر والسبب الذي أوجب دخولها الأراضي السورية. إنما القوات الأميركية وبالتالي الموقف الأميركي ضعيف جدا وهزلي بعد انتفاء سبب وجودها أمام الرأي العام العالمي وليس الأميركي فقط بعد أن ثبت زيف وكذب الادعاءات الأميركية.

أما عن العقوبات الأميركية ضد طهران بعد فشل محاولاتها جر إيران نحو التفاوض من جديد فهو الملف الأهم الذي تريد من موسكو إيجاد منفذ ومخرج له بعد تكاتف الدول الموقعة على الاتفاق النووي حول مصداقية طهران وأهمية البقاء عليه.

في المحصلة فإن بولتون لن يعود سوى كما أتى بحقيبة ملفاته الاستراتيجية دون زيادة تذكر ودون حروف تثلج القلب «الأبيض» فبوتين رجل الاستخبارات المخضرم والمفاوض الأبرز لن يسمح للأميركي بتحصيل نتائج وثمرة إدارته للأزمات في المنطقة على طبق من فضة، إنما ستكون للحديث تتمة وللوقت حساب وثمن وللقاء ترامب مرة ثانية فرصة جديدة ليظهر الأخير ضعفه أمام القيصر الروسي ويحصد النتائج كما أراد دونما إدارة وإرادة أميركية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى