صرخة ألم ضدّ الحرب وسخرية ومرارة لا تحجبان أملاً في الخلاص
كتب سامر اسماعيل من دمشق سانا : ساعة وربع ساعة من التفاعل المباشر مع الجمهور في صالة الحمراء الدمشقية التي شهدت افتتاح عروض مسرحية «هوب هوب» لمخرجها عجاج سليم، وغص المسرح بعشاقه لمتابعة فاتحة عروض المسرح القومي والتي أرادها كل من مخرج العرض وكاتبه الناقد جوان جان عن نص «الجزيرة القرمزية» للروسي ميخائيل بولغاكوف دعوة للأمل في الخلاص من مآسي الأزمة في سورية.
يتحدث عرض «هوب هوب» عن فرقة مسرحية يشاهد عروضها أحد متعهدي الحفلات فيقدم فرصة إلى أعضائها للسفر إلى أميركا وتقديم العرض هناك، لكن هذه الفرصة لا تلبث أن تتحول إلى ذريعة لدى هذا المتعهد للتدخل في سياق النص وتحريفه وفق أهواء البلد الذي ينوي تسفير العرض إليه كي يغيّر كل ما يحلو له من تفاصيل يعتبر أنها تخدش المشاعر الأميركية في حين أن العرض موجّه أصلاً لانتقاد ذهنية الاستعمار الغربي وأساليبه في إيقاع الفتن بين شعوب العالم بغية نهب ثرواته ودفعهم إلى الاقتتال في ما بينهم.
تدخلات المتعهد الكثيرة في النص وطريقة أداء أعضاء الفرقة تسفر عن وقوف هؤلاء في النهاية، وفي مقدمهم كاتب العرض، في وجه متعهد الحفلات وعدم الانصياع لرغباته مثلما فعل مخرج الفرقة ومديرها الذي سايره على حساب السفر إلى بلاد العم سام، ما يجعل المتعهد يبدّل رأيه في اللحظة الأخيرة، محولاً وجهة سفره إلى روسيا بدلاً من أميركا، في مفارقة واضحة لكشف زيف المال وتحكمه في مصير الفن إن تسلط عليه وتمكن منه.
يعتمد العرض الذي شهد تفاعلاً مميّزاً مع الجمهور على أسلوب المسرح داخل المسرح، متناولاً بسخرية ومرارة لا تخلو من الحس النقدي الغش الدولي الذي تمارسه الطغمة المالية بالفن والفنانين، خاصة أميركا كنظام إمبريالي رأسمالي متوحش يريد الانقضاض على كل شيء وبيعه في السوق السوداء، مقابل خداع الشعوب وجرها إلى تغيير أعلامها الوطنية بأعلام «البيبسي كولا» وصرعات الحداثة.
يقول مخرج العرض عجاج سليم في كتيّب العرض: «هوب هوب عبارة شعبية في اللهجة السورية الدارجة تعني الطلب إلى سائق الحافلة التوقف السريع، وتشير عامة إلى الرغبة في إنهاء فعل أو حدث أو حوار أو مشكلة أو أزمة. وكلمة هوب تعني بالإنكليزية الأمل. مسرحية هوب هوب دعوة، صوت، رغبة، أمل، مساهمة، ألم، صرخة لإنهاء هذه الحرب القذرة التي تشن على سورية». موضحاً أن العرض نتاج ورشة عمل مفتوحة استمرت يومياً خلال التدريبات بحضور المؤلف والمخرج وساهم فيها الممثلون بالدور الأكبر في صوغ أدوارهم وإخراجها على النحو الذي رآه الجمهور، وهي تطبيق عملي لتجربة الكتابة على خشبة المسرح.
نجح العرض استقبل بتصفيق حاد من جمهور مسرح الحمراء في صوغ مستويات متعددة لأداء الممثل وانتقاله برشاقة بين عدة أساليب وفق التغريب المسرحي البريشتي، معتمداً أسلوب المسرح داخل المسرح كوظيفة مضاعفة في التنويع بين الفودفيل والغروتيسك، بطاقة خلاّبة في إدارة اللعبة المسرحية التي زاوجت أيضاً بين التهكم والمرارة والسخرية بمهارة لافتة.
ممثلو عرض «هوب هوب»: محمد خير الجراح، كفاح الخوص، أسامة الحفيري، محمد حمادة، نجاح مختار، طارق عبدو، مي السليم، مهران نعمو، فادي حموي، نور الحسيني، مجد الحفيري وخوشناف ظاظا. إنتاج وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقى، المسرح القومي، الديكور تصميم الدكتور سمير أبو زينة، موسيقى سيمون مريش، تصميم إضاءة بسام حميدي، ماكياج سلوى حنا، والعرض مستمر يومياً من الساعة الخامسة عصراً على مسرح الحمراء، ما عدا يوم الجمعة، حتى الحادي عشر من الجاري.