هل تعطي السعودية سلام الضوء الأخضر لزيارة دمشق وإتمام التفاوض؟

كتب المحرر السياسي

أغلق باب وفتح باب، مع قرار الحكومة اللبنانية السير مبدئياً بخيار المقايضة في مسار التفاوض حول العسكريين المخطوفين، وقبول الإفراج عن موقوفين إسلاميين لدى الدولة اللبنانية، والقرار الحكومي لا يتضمّن أياً من الخيارات التي جرى تداولها كمشاريع مقدمة من الخاطفين، لأنها جميعاً تحوّل التفاوض من إطاره الثنائي بين الدولة والخاطفين، إلى تفاوض ثلاثي باشتراط إتمامها بقبول الدولة السورية بتلبية ما تتضمّنه الخيارات الثلاثة المعروضة، والتي لا تختلف عن بعضها في الجوهر، فالتغيير هو في الأرقام، لكن في كلّ منها عنواناً واحداً هو ما قبلته الدولة، وهو مقايضة العسكريين المخطوفين بموقوفين لديها من أتباع الخاطفين، والسعي لدى الدولة السورية للمشاركة في قبول الطلبات الموجهة إليها، ليصير بطبيعة الحال التفاوض ثلاثياً. فلدى الدولة السورية جنود ومواطنون وجثث لجنود ومخطوفين يحتجزهم من تربطهم بالخاطفين صلات تشبه صلاتهم بالذين تطالب بهم، وهي بالتأكيد أفضل من علاقة الحكومة اللبنانية بالحكومة السورية، وعلى رغم ذلك لم يتورّع الخاطفون عن ضمّ طلباتهم من سورية لمطالبهم لقاء الإفراج عن العسكريين اللبنانيين.

المعلومات المتوافرة لـ»البناء» تقول إنه يستحيل إتمام الصفقة، بمشاركة سورية من دون أن تتضمّن الإفراج عن المطرانيْن المخطوفين، واستطراداً مئات المواطنين والجنود السوريين من بين أيدي الخاطفين، الذين ترعاهم قطر وتركيا، راعيتا «النصرة» و»داعش»، المعنيتان بالتفاوض، وفي السياق لا بدّ من كشف مصير مئات المفقودين وتسليم جثث الضحايا.

التفاوض الطويل والشائك الذي ينتظر مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم كمفوّض يحظى بثقة الحكومتين اللبنانية والسورية، ويملك الآليات والخبرة اللازمة لإطلاق التفاوض بمساعدة تركية قطرية، ينتظر إشارة البدء السياسية التي ربما تحتاج اجتماعاً على مستوى رئيسي حكومتي لبنان وسورية.

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام الذي قال إنه سيفعل المستحيل ليضمن لأهالي المخطوفين عودة أبنائهم كما قال لهم، سيكون أمام مهمة صعبة إنْ رفض زيارة دمشق، تلبية لفيتو سعودي يسقط حسابات المصلحة الوطنية اللبنانية بصورة مهينة ومذلة، فأيهما أصعب زيارة دمشق التي تربطها معاهدات تعاون سارية المفعول بلبنان أم إطلاق عشرات الإرهابيين المتورّطين بدماء اللبنانيين تحت شعار ضمان حياة العسكريين المخطوفين، وهل يُعقل تعريض هذه الحياة للخطر وإفشال كلّ عملية التفاوض للتهرّب من إزعاج خاطر السعودية؟

المساعي لم تتبلور بعد بنتيجة واضحة يبدو أنها تنتظر الضوء الأخضر السعودي، ويبدو أنّ التساهل السوري بقبول إدارة الظهر والشتيمة من الحاكمين في لبنان والتجاوب مع طلباتهم ومشاركتهم عملية تفاوضية في آن واحد، ليس وارداً كما كان عليه الحال يوم مخطوفي أعزاز الذين تخلت الدولة عن قضيتهم، واضطر حزب الله شريك الدم مع الدولة السورية أن يتحمّل وزرها، وكان طبيعياً أن لا تضع الدولة السورية عليه شروطاً تتصل بموقف شركائه في الحكومة اللبنانية التي تخوض على الحزب حرباً عنوانها دعوته إلى الانسحاب من سورية.

تصدر ملف العسكريين المخطوفين الاهتمام في ظل تراجع الحركة السياسية بعد التمديد للمجلس النيابي الذي لم تنته ارتداداته بعد.

وفيما أكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن هناك ايجابية على صعيد المفاوضات في شأن العسكريين المحتجزين لدى «جبهة النصرة»، تنتظر الحكومة عودة الوسيط القطري إلى بيروت للإطلاع منه على لائحة مطالب «داعش» بعد الاقتراحات التي قدمتها «النصرة».

وأكدت المصادر أن «الحكومة جادة في حل قضية العسكريين المخطوفين وفق الثوابت التي التزمتها بإجماع الأفرقاء منذ البداية»، على رغم إيحاء تيار المستقبل بعكس ذلك». وأشارت المصادر إلى أن الأسماء التي تحدث عنها النائب جمال الجراح غير موجودة ولم تصل إلى الحكومة، فمدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم طلب عبر الموفد القطري تحديد لائحة بالأسماء التي تريد «النصرة» و»داعش» الإفراج عنهم في لبنان وسورية».

وأكدت المصادر أن الكلام عن اختيار أحد الاقتراحات الثلاثة التي قدمتها «النصرة» غير دقيق، مشيرة إلى أن «النصرة» لا تمثل «داعش» بل لكل منهما قنوات تواصل ومطالب خاصة. وأوضحت أن تواصلاً غير رسمي حصل بين المعنيين بهذا الملف في لبنان وسورية إلا أن، مصادر إعلامية أكدت أن «السلطات السورية ترفض التعاون في ملف العسكريين الرهائن قبل موافقة الحكومة اللبنانية على ذلك».

أبعد من عرنة

في هذا الوقت، سجل تطور أمني لافت، هو ليس الأول من نوعه بل جاء في توقيت بالغ الخطورة في ظل المعلومات عن تحضير «جبهة النصرة» لمعركة في شبعا وجوارها والتمدد من هناك إلى مناطق أخرى. فقد أعلنت مصادر أمنية لـ»البناء» أن «النصرة» هاجمت بدعم من «إسرائيل» انطلاقاً من بلدة بين جن، اللجان الشعبية في بلدة عرنة المجاورة لشبعا، إلا أن اللجان نجحت في التصدي للمهاجمين ومنعهم من الدخول إلى البلدة»، لافتة إلى «أن الاشتباكات التي وقعت أدت إلى استشهاد 12 شخصاً من اللجان الشعبية وجرح 25، وإلى مقتل 60 مسلحاً من النصرة».

وفي حين برر النائب وليد جنبلاط الهجوم بوقوف أهالي بلدة عرنة التي يقطنها سوريون من طائفة الموحدين الدروز، إلى جانب الدولة في سورية، أشارت المصادر إلى «أن جبهة النصرة تريد إقامة الحزام الأمني الذي تخطط له إسرائيل والذي يمتد من منطقة إربد الأزرق في الأردن وصولاً إلى شبعا، بالتوازي مع منطقة الأندوف في جبل الشيخ، وامتداداً لما كان يطلق عليه قديماً منطقة سعد حداد».

ورأت «أن أهمية بلدات بيت جن وجبانة الزيت وجبانة الخشب تكمن في أنها قاعدة الانطلاق الأساسية لجبهة النصرة، وفتح ممرات لقوى ما يسمى المعارضة المسلحة، للتواصل مع بعضها من شبعا إلى البقاع الغربي وصولاً إلى قطنة».

في غضون ذلك، أصدر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا قراره الاتهامي بقضية تفجير فندق «دو روي» في الروشة والخلية الإرهابية التي ألقي القبض عليها في فندق «نابليون» في حزيران الماضي، حيث اتهم 28 موقوفاً من جنسيات لبنانية وسورية وسعودية وفرنسية بالانتماء إلى تنظيمات إرهابية والتخطيط لتفجيرات تطاول المدنيين ومراكز الجيش في مناطق عدة ومنها الضاحية الجنوبية لبيروت.

وأشار القرار بقضية «دو روي» إلى أن الانتحاري السعودي عبد الرحمن ناصر الشنيفي اعترف انه ورفيقه السعودي الآخر التويني الذي فجر نفسه أثناء محاولة عناصر من الأمن العام القبض عليهما، ينتميان إلى «داعش» وكانا يخططان لعملية انتحارية بالضاحية تستهدف مطعم الساحة خلال تواجد عناصر من الأمن العام ورجال شيعة وهما قدما إلى لبنان عبر تركيا.

أما قضية فندق نابليون فان الانتحاري الفرنسي فايز بوشران كان سينفذ عملية انتحارية ضد «الشيعة» لتلقينهم درساً بسبب قتالهم في سورية.

العلاقة بين «الوطني الحر» و»حزب الله» والمرده لم تتأثر

سياسياً، استرخت الساحة السياسية بعد التمديد للمجلس النيابي ليبدأ البحث في الكواليس السياسية في مشاريع قوانين الانتخاب. وتعليقاً على إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري رفضه مشروع اللقاء الأرثوذكسي، أكدت مصادر في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن المشروع هو عبارة عن أسباب موجبة لإزالة تهميش المسيحيين، لافتة إلى «أن أي قانون يحرر النواب من الاستعباد والتبعية نحن نعتبره مشروعاً أرثوذكسياً». وشددت المصادر على «أن اقتراح الرئيس بري هو باب من الأبواب يحمل في طياته ايجابياً، وربما يحسن التمثيل إلا أنه بحاجة إلى درس ونقاش».

وشددت المصادر على «أن العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله وتيار المرده دائمة وقائمة ولم تتأثر بالتمديد، الذي ليس جديداً فهو قائم منذ 17 شهراً»، لافتة إلى «أن موقف التيار من رفض التمديد لم يتغير، وكذلك موقف حزب الله وتيار المرده من السير بالتمديد لم يتغير». واعتبرت «أن مآخذ التيار الوطني الحر كانت على مدة السنتين وسبعة أشهر، فلو حصل تمديد تقني وصححت المهل لكان التيار صوت لمصلحته».

وغمزت المصادر من «الدعم الدولي للتمديد الذي عبر عنه الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي بعد انتهاء الجلسة العامة مباشرة»، وذكرت بـ»موقف السفير الأميركي جيفري فيلتمان من انتخابات 2005، التي جرت بغطاء دولي وإقليمي، على رغم كل الأحداث التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، مؤكدة «أن لا قرار دولياً وإقليمياً اليوم بإجراء الانتخابات النيابية».

وفي الموازاة، استمرت المواقف من الاستحقاق الرئاسي على حالها، مع توقع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط أن يكون هذا الموضوع في طليعة جدول بنود الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في حال حصوله. في حين أكد الحزب تمسكه بمرشحه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون. وشدّد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش على «أن مرشحنا هو حليفنا العماد عون، والأمر الذي يتعلق بالوصول إلى تفاهم في مسألة الرئاسة ينطلق من الحوار مع هذا الرجل»، موضحاً «أننا لا نُقدم على شيء لا نرى فيه مصلحة لدعم ترشيح عون».

من جهته، أشار رئيس تيار «المرده» النائب سليمان فرنجية بعد لقائه الرئيس نجيب ميقاتي في بنشعي إلى انه «قد تأتي لحظة واحدة تساعد في تسريع الانتخابات وقد لا تأتي هذه اللحظة وتبقى الأمور على ما هي عليه، ولكن تبني الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لترشيح العماد عون عمره سنوات، أما الإعلان عنه فكان جديداً إلا أن الجميع يعرف أن حزب الله و8 آذار والحلفاء هم مع ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وما نأمله أن يصار سريعاً إلى انتخاب رئيس للجمهورية».

لافروف يلتقي جنبلاط

على صعيد آخر، يواصل النائب جنبلاط زيارته إلى العاصمة الروسية موسكو، والتقى أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بحضور نائبه ومبعوث الرئيس الروسي لأفريقيا والشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، والوفد المرافق لجنبلاط الذي يضم نجله تيمور ووزير الصحة العامة وائل أبو فاعور والقيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور حليم أبو فخر الدين. وأوضح جنبلاط في مقابلات تلفزيونية روسية أن المحادثات مع لافروف تناولت الوضع في لبنان، مشيراً إلى أنه «لمس وجود تطابق في التقييم الإيجابي بيننا للوضع في لبنان».

وشدد جنبلاط على أنه لا مفر من الحل السياسي في سورية، لافتاً إلى ضرورة أن يشمل الحل جميع مكونات الشعب السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى